اقتصاد

140 مليار درهم للتعليم والصحة.. هل تفي مالية 2026 بوعود الدولة الاجتماعية؟

اعتبر المحلل الاقتصادي محمد جدري، أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يمثل “الرهان الأخير والمزدوج” للحكومة في سنتها الختامية، حيث تجد نفسها أمام تحدي الموازنة بين تحقيق أجندة اجتماعية واقتصادية طموحة من جهة، ومواجهة ظرفية عالمية محفوفة بالمخاطر ويطبعها “عدم اليقين” من جهة أخرى.

وحذر جدري من أن السياق الدولي المضطرب، الذي يتسم بتوترات جيوسياسية في الشرق الأوسط، وحرب تجارية متجددة بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى تقلب أسعار العملات الدولية والذهب والنفط، كلها عوامل تلقي بظلالها على استقرار الفرضيات التي بني عليها المشروع، وتمثل التحدي الأكبر الذي قد يعيق تنزيل تعهداته الطموحة.

أوضح الخبير الاقتصادي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن الحكومة تبني تفاؤلها على قاعدة من المؤشرات الداخلية الإيجابية، معتبرا أن نجاحها في التحكم بنسبة التضخم وخفضها من مستويات بلغت 6.6% إلى ما يزيد قليلا عن 1%، إلى جانب السيطرة التدريجية على عجز الميزانية بهدف تقليصه من 7% إلى 3.5%، يمنحانها هامشا ضروريا للمناورة.

وأضاف أن هدف تحقيق نسبة نمو اقتصادي تصل إلى 4.8% يبقى طموحا، لكنه يندرج ضمن رؤية استراتيجية أوسع تهدف لمضاعفة الناتج الداخلي الخام ليصل إلى 260 مليار دولار بحلول عام 2035، وهو ما يتطلب، حسب جدري، تفعيل كافة محركات النمو.

وفي هذا السياق، شدد جدري على أن المشروع يضع الاستثمار في صلب أولوياته عبر تفعيل كامل لميثاق الاستثمار، الذي يرتكز على جذب الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز القطاع الخاص المحلي، والأهم من ذلك، تقديم دعم حقيقي وملموس للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة، وفتح المجال أمام مغاربة العالم للمساهمة بفعالية في الدينامية الاقتصادية الوطنية كفاعلين استثماريين مباشرين.

وربط المحلل الاقتصادي بين هذه الدينامية الاقتصادية والتوجهات الاجتماعية القوية للمشروع، مؤكدا أن خطاب العرش الذي دعا إلى إنهاء “المغرب ذي السرعتين”، والاحتجاجات الأخيرة لـ”الجيل زد”، كان لهما تأثير مباشر في تحديد أولويات الحكومة.

ورأى أن تخصيص غلاف مالي ضخم يفوق 140 مليار درهم لقطاعي التعليم والصحة، لا يعد مجرد إجراء تقني، بل هو استجابة سياسية لمطالب ملحة تتعلق بالعدالة الاجتماعية والمجالية. وفسر أن إعلان خلق 27 ألف منصب شغل جديد في هذين القطاعين يهدف إلى سد الخصاص الهيكلي وتحسين جودة الخدمات العمومية المقدمة للمواطنين.

وفي تفصيله لهذا المحور، لفت جدري الانتباه إلى الخطة الطموحة لتعزيز البنية التحتية الصحية، معتبرا أن افتتاح المركزين الاستشفائيين الجامعيين في أكادير والعيون خلال السنة المقبلة، وإعادة تأهيل مستشفى ابن سينا بالرباط، واستكمال المشاريع المماثلة في بني ملال وكلميم والرشيدية، يمثل خطوة عملية نحو تحقيق عدالة مجالية في الولوج إلى الخدمات الصحية المتخصصة، وهو مطلب أساسي في النقاش العمومي.

واعتبر أن نجاح ورش الدولة الاجتماعية هو “المحك الحقيقي” لتقييم أداء الحكومة، مشددا على أن استكمال تعميم الحماية الاجتماعية، عبر إخراج معاشات التقاعد والتعويض عن فقدان الشغل للفئات غير الأجيرة والمهن الحرة إلى حيز الوجود، بالإضافة إلى الانتقال للمرحلة الثانية من الدعم الاجتماعي المباشر عبر زيادة قيمته للأسر، يمثل جوهر العقد الاجتماعي الذي يسعى المشروع لترسيخه.

وخلص جدري إلى أن مشروع مالية 2026 هو بمثابة اختبار أخير للحكومة لإثبات قدرتها على الموازنة بين تحفيز الاستثمار ودعم المقاولات لضبط التوازنات المالية الكبرى من جهة، وتلبية التطلعات الاجتماعية المتزايدة من جهة أخرى.

وشدد على أن الحكم النهائي على المشروع لن يكون بالأرقام المستهدفة على الورق، بل بمدى تحسن مناخ الأعمال، وجودة الخدمات التعليمية والصحية، وشعور المواطن بأثر هذه السياسات في حياته اليومية، خاصة في ظل بيئة دولية متقلبة قد تفرض تحديات غير متوقعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *