النخب السياسية بمنظور كرة القدم

عاشت الجماهير المغربية لسنوات طويلة خيبات أمل متكررة بسبب النتائج الهزيلة التي قدمتها المنتخبات الوطنية في مختلف الاستحقاقات القارية والدولية. فبرغم تعاقب المدربين الأجانب وتغيير الخطط والتكتيكات، ظل الأداء دون مستوى تطلعات الجماهير، في وقت استنزفت فيه هذه التجارب خزينة الدولة دون مردود يُذكر.
هذه الصورة ليست بعيدة عما تعيشه الساحة السياسية في المغرب؛ فكما عانت المنتخبات من ضعف الأداء رغم كثرة “المدربين”، عانى الوطن من سياسات متعاقبة لم تحقق النقلة النوعية المنشودة. فمنذ الاستقلال، ظل المواطن المغربي يتطلع إلى خدمات عمومية ذات جودة، لكن عقودًا من الخوف واللامبالاة، خاصة خلال ما يُعرف بسنوات الرصاص، كرست ثقافة الحذر من الدولة، بل ومن “المخزن”، حتى صار المواطن يتجنب المطالبة بحقوقه أو يبحث عن حلول بديلة غير رسمية، وهو ما كلف الدولة لاحقًا أزمات اجتماعية معقدة مثل زواج القاصرات والهدر المدرسي وضعف الثقة في المؤسسات.
رغم ذلك، لا يمكن إنكار أن الرؤية الملكية للتنمية المستدامة في المغرب اتسمت بقدر كبير من الاستشراف والجرأة، إذ بفضلها تمكنت المملكة من تحقيق إنجازات اقتصادية وتنموية جعلتها نموذجًا في القارة الإفريقية وشريكًا موثوقًا في الساحة الدولية. غير أن هذه الإنجازات تصطدم بإرثٍ ثقيل من الفساد وسوء التدبير تراكم عبر عقود، ففقد المواطن الثقة في النخب السياسية، بل وحتى في قدرته على التغيير.
اليوم، نحن في حاجة إلى نخب سياسية جديدة بروح الفريق الوطني. فكما في كرة القدم، نحتاج إلى “تشكيلة متوازنة” من الوزراء: 11 وزيرًا منتخبًا يمثلون الشعب، و11 وزيرًا تكنوقراطيًا يمتلكون الكفاءة والخبرة التقنية. المطلوب ليس مجرد أسماء جديدة، بل أداء جماعي منسجم تحكمه روح المسؤولية والمحاسبة. فلكل وزير، كما لكل لاعب، قيمة “سوقية” تُقاس بنتائج عمله على أرض الواقع، لا بالشعارات ولا بالخطابات.
إن المغرب اليوم يمتلك كل مقومات النجاح: رؤية استراتيجية، وبنية تحتية قوية، وموقع جغرافي فريد، ورأسمال بشري واعد. ما ينقصه فقط هو ” مهاجم ” يُحسن ترجمة الفرص إلى أهداف حقيقية، ويجيد قراءة الميدان، ويضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
اترك تعليقاً