وجهة نظر

بعيدا عن السياسي: الولاية الثالثة والسؤال القانوني

في تقديري أن النقاش السياسي لموضوع الولاية الثالثة قد اشبع تداولا: تشخيصا وتحليلا، اقتراحا وتذكيرا، بسطحية واندفاع حينا، وبعمق وروية أحايين أخرى، لفت انتباهي ان البقاء في دائرة السياسي والتنظيمي والأخلاقي، لن تمنحنا جميعا الحدود الدنيا لرؤية مساعدة في اختيار ما بعد المؤتمر ورسم معالمها بنَفَس يواصل فيه الحزب توهجه ويستكمل دوره التأطيري والبنائي.

إن استحضار مآلات الحزب بعد إقرار تعديل المادة 16 من القانون الأساسي، والعمل على تنزيل مقتضياتها واشتغال الحزب عقبها، يبقى أمرا ضروريا وأساسيا، تجنبا لحالات التيه المُحتملة في غياب التزام واضح بالقانون، واحترام كامل لمقتضياته.

في البلد قانون يؤطر عمل الأحزاب السياسية، وتهمنا فيه هذه اللحظة المادة 14 منه، والتي تطلب من الأحزاب السياسية العاملة أو المأمول خلقها، أو تجديدها أو تغيير بعض قوانينها، أن تدرج في قانونها الأساسي عدد الولايات في المسؤوليات والتي لا يجب تجاوزها، وعقب المصادقة عليه في مؤتمرها، تضع نسخة منه لدى وزارة الداخلية في تصريح رسمي للأمين العام المنتخب، وبموجب ذلك يكون هذا القانون قد تجاوز التزام الأعضاء فيما بينهم إلى التزام أمام الغير الذي هو القانون أو الدولة.

سنة 2008 انتخب مؤتمر العدالة والتنمية أمينا عاما له، مرت الولاية الأولى وأعيد انتخابه لولاية ثانية انتهت سنة 2016 وخلالها اجتمع المؤتمرون في انعقاد استثنائي، ولاعتبارات سياسية مرتبطة لظرفية انتخابية، تم تمديد سنة إضافية واحدة للأمين العام المنتهية ولايتاه: 2008/2016 .

الْيَوْمَ نحن مدعوون جميعا إلى أن نفكر بجدية بهدوء وروية، وأن نستشير أهل الاختصاص القانوني في الوضعيات التي سنكون عليها عقب إقرار تعديل المادة 16 من القانون الأساسي للحزب
يظهر لي بكل تواضع أن إعمال المادة 14من قانون الأحزاب وفي فهم أولى لمضمون مختلف فقراتها قد لا تسمح بأن يواصل الأمين العام الحالي الاستاذ بنكيران قيادته للحزب بعد انصرام المدة المنصوص عليها في القانون الأساسي للحزب وهي ولايتان اثنتان، فرغبة التعديل بالتمديد قد انصرم وقتها بانتهاء مدة الانتداب، أي أن يتم إقرار التعديل داخل أجل وزمن ذات المدة وليس خارجها، وكان الوقت المناسب لذات التغيير / التعديل هو الانعقاد الاستثنائي للمؤتمر الوطني 2016.

ومن نتائج إقرار التعديل كما يظهر لي، والله أعلم:

1/ أن المعني بالولايات الثلاث لن يكون هو الأمين العام الحالي، بل امين عام جديد منتخب وليس ما تم التوجه إليه والاشتغال عليه.

2/ أن تستدعى المادة 14 من قانون الأحزاب، وخاصة الفقرة 4 منها والتي تقول: (كل تغيير يطرأ على تسمية الحزب أو على نظامه الأساسي أو برنامجه يجب أن تتم المصادقة عليه من طرف المؤتمر الوطني للحزب.

ويصرح بهذا التغيير لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، من قبل المسؤول الوطني للحزب أو من ينتدبه لهذا الغرض، في أجل أقصاه ثلاثون يوما يبتدئ من تاريخ المصادقة عليه، مقابل وصل مؤرخ ومختوم يسلم فورا، وينبغي أن يكون هذا التصريح موقعا من قبل المسؤول الوطني للحزب، ومرفقا بالوثائق المثبتة لهذا التغيير.

في حالة مطابقة التغيير المذكور والتصريح المتعلق به لأحكام هذا القانون التنظيمي، توجه السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إشعارا بذلك، بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتوصل، إلى الحزب المعني داخل أجل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ إيداع التصريح.

وفي حالة ما إذا كان هذا التغيير أو التصريح المتعلق به غير مطابق لأحكام هذا القانون التنظيمي، فإن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية تطلب من المحكمة الإدارية بالرباط رفضه، داخل أجل ستين يوما، الموالية لتاريخ إيداع التصريح.

تبت المحكمة الإدارية وجوبا في الطلب المشار إليه في الفقرة الرابعة أعلاه، داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ إيداعه بكتابة ضبطها.

وفي حالة الطعن بالاستئناف، تبت المحكمة المختصة وجوبا في الأمر، داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ إحالة الملف عليها.)

بعد استدعاء المادة 14 أعلاه ستتوالى الأسئلة الجاهزة والأولية مما حجبته حالتنا السياسية والنفسية الراهنة، والتي طال أمدها، ولم نقوعلى التعاطي معها، مثل ما اننا لم نقوعلى تشغيل مؤسسات الحزب الحبلى بالإجابات والأفكار البناءة، كما كنّا من قبل وفي كل المحطات التي مرت بِنَا، واجتزناها بنجاح بروح عالية من التكامل وليس بروح التنافر والتصنيفات الوافدة، والمُرحَّلة إلينا، بعيدا عن ضوابط مدرستنا ومنهجنا مع كامل الأسف:

١/ إذا أعيد انتخاب الأمين العام لولاية ثالثة وتقدمت الداخلية، أو أحد أعضاء الحزب بطعن لدى المحكمة، هل سنكون أمام مشكل سياسي أم معضلة قانونية؟

٢/ هل سنحتكم حينها إلى القانون الأساسي المودع لدى مصالح الداخلية أم إلى القانون الأساسي الجديد الذي سيتم إيداعه بعد المؤتمر؟

٣/ هل من مصلحة الحزب أن يدخل نفسه والبلاد معه إلى متاهات ومعارك قانونية بغطاء سياسي؟

وأسئلة أخرى تتوالى بعدها قد لا نملك اللحظة بانفعالاتنا جميعا، الجو الملائم والصحة النفسية المساعدة لطرحها والعثور لها على أجوبة شافية.

على كل حال، مؤمن كما هو حال مجموعة واسعة من الناس، أن حزب العدالة والتنمية ينتسب إليه الكثير من مناضليه ومتعاطفيه ممن لهم الخبرة القانونية والحصافة الكاملة للإجابة الاستباقية على ما تستبطنه المرحلة التي نحن فيها، وبما يخفيه قادم الأيام لهم الكلمة، ونحن ننتظر سديد رأيهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *