وجهة نظر

دراجة مسروقة من مونتريال وتباع في الرباط: هل هي فعلا حالة معزولة؟

في عددها ليوم 23 فبراير الماضي نشرت ”جريدة مونتريال ” خبرا صغيرا بعنوان ” Le BIXI retrouvé au Maroc à vendre sur le web ” .و BXI هو في الأصل إسم نظام الخدمة الذاتية لكراء الدراجات système de vélos en libre-service و تُسيِّره مؤسسة تُدعى PBSC Solutions Urbaines بمدينة مونتريال الكندية . نعيد قراءة الخبر بالمغربية لنقول أن أحد إخوتنا في الوطن كان متواجدا بمدينة مونتريال فأوحى إليه شيطانه أن يسرق دراجة تابعة ل BXI ثم شحَنَها إلى المغرب و باعها في مدينة الرباط لمغربي آخر إسمه علي و ليقوم هذا الأخير بمحاولة بيعها في أحد المواقع الإلكترونية . الطريف/المؤسف أن صديقنا كان يظن أن BIXI هي اسم لإحدى ماركات الدراجات لنقرأ في الإعلان Vélo Bixi ، و لكي تكون الفضيحة متكاملة الأطراف شفع الأخ عَلِي إعلانه بصورة الدراجة و هي تحمل إسم الشركة. صورة رآها الأغيار في مونتريال فمُستَهجن و ساخر و شامت… و رآها المغاربة فكان الإحساس بالعار و الشنار…

يمكن أن نشْرح و نُشرِّح هذه الخبر ” البسيط ” مستعينين بعدة مقاربات و أدوات و مراجع … كما يجوز أن نُريحَ و نستريح و نعتبر الأمر ” مجرد ” حادثة تتكرر يومياً في كل بقاع الأرض. و مرّة أخرى سنحاول كمغاربة أن نُطمْئن الكنديين الذين نعيش معهم ، و نطمئن أنفسنا قبلهم ، و نستميت في الجِدال و المجادلة كي نؤكِّد أن الفاعل لا يُمثِّلنا و أنه ليس إلّا ” حالة معزولة ”.

قبل سنوات خلَت ارتابت إدارة إحدى مدارس المهندسين ، في مونتريال ، من ملف طالب مغربي فأرسلت إلى مؤسسته التعليمية في المغرب لتستفسر عن صحة النتائج التي أدلى بها ، و تبيّنَ أن صديقنا قدّم جرْدا مُزوّراً. أرادت المؤسسة أن تتأكد إن كان الأمر يتعلق ب ” حالة معزولة ” فتناولت ملف طالب مغربي آخر لكنّه لم يكن أنزه من زميله ثم راجعت مِلفًّا ثالثا و كانت نفس الطامة. فكَّرت الإدارة و قدَّرتْ ثم رفعت يديها و تناست ” إشكالية ” التنقيط المغربي الذي بدا و كأنه يتأقلم مع عُملة كل بلد. وحين نذكر هذه الحادثة فلسنا نبخس حق أحد و لا نشكك في ألْمعيِّة

أُطُر مغربية ما انفكّت تشرّف الوطن إنْ في كندا أو سواها ، لكننا نرصد ” الحالات المعزولة ” التي جعلت الخناصر تُعْقد تجاهنا.

حكى لي صديق مغربي أن زوجته بعد أن وضعت مولودها بأحد مستشفيات المدينة ، و بعد المعاملة الطيبة التي لاقتها من كل الطاقم ، أبتْ إلاَّ أن تأخذ معها بعض الأغراض الخاصة بالمستشفى ، و حين أنكر عليها ذلك ، أجابته ببساطة : كل صديقاتي فعلن ذلك … حالات معزولة !!…

قبيْل القضاء على ”دولة أبي بكر البغدادي ” تكلم السيد عبد الحق الخيام عن وجود 1631 مقاتل مغربي في كل من سوريا و العراق ، إضافة إلى 558 مغربي لقوا حتفهم هناك. ناهيك عن بعض ”الذئاب المنفردة ” و ” الخلايا النائمة ” في هذا البلد و ذاك…… نتكلم إذن عن أزيد من 2000 حالة مغربية معزولة…

في سنة 2016 شكَّل المغاربة أكثر الأجانب المسجونين في هولندا بما يناهز 3900 سجين . في هذه السنة بالضبط ”إنجازاتنا ” تعدت هولندا إلى إيطاليا و ألمانيا ، بل كل أوروبا حيث أن المغاربة و حسب مؤسسة ”أورو يوبسرفر ” تبوَّؤوا المرتبة الأولى من حيث عدد المسجونين في الفضاء الأوروبّي . جُهد كبير يجب بذله كي نحشرَ11 ألف و 700 سجين في خانة الحالات المعزولة…

” من نحن ؟ ” ، كتاب ألَّفه الراحل صمويل هنتنغتون ، تطرّق فيه إلى الهوية الأمريكية والتهديد الذي تواجهه الثقافة الأنجلو-بروتيستانتية… أظن أن الوقت قد حان لنا كمغاربة أن نطرح نفس السؤال ، و ليس بالضرورة من نفس المنظور الذاتيِّ المركز . (égocentrique)

أعمى أو متعامي من لم تُفزعْه المصابيح الحمراء المشتعلة في كل جنب و زاوية من منظوماتنا، و ليس بعد الضوء الأحمر إلاّ الكارثة.

من نحن؟… و لماذا نحن…؟ و أين نحن… ؟ وإلى أين نحن؟

في انتظار أن يطرح هذه الأسئلة و سواها من هم أقدر منّا على إسماع أصواتهم ، دعونا نقتصر على أسئلة من مهاد ” الهنا و الآن ”. أيُّ الحالات أصلية و أيها دخيلة معزولة :هل المعتوه سارق الدراجة الهوائية من مونتريال و المُغَيَب المغسولة دماغه في الرقَّة و الموصل هم الأصل ؟ و من ثَمّ

فالهَرم طه عبد الرحمان و السّامق المهدي المنجرة و الأسطورة سعيدة عويطة و المخترع الفذ عبد الله شقرون ليسوا سوى حالات معزولة ؟ أم أنّا أحفاد طارق و يوسف ابن تاشفين و عبد الكريم الخطابي و زينب النفزاوية و فاطمة الفهرية و حاشا أن تمثلنا سارقة المِنْشفة من المستشفى و لا بائع الكوكايين في حانات أمستردام؟

قبل الختام أنوّه أني اقتصرت على بعض تجليات الشوهة المغربية ( و الشوهة كلمة عربية تعني القبح ) خارج أرض الوطن ، حتى نتفادى مشجب المخزن و المقدّم و الإنتخابات البلدية… دون أن نُخلي مسؤولية أحد…

جاء في الخبر المنشور ب ” جريدة مونتريال ” أن السيد علي كان يريد بيع الدراجة المسروقة ب 2500 درهم أي ما يعادل 345 دولار كندي. لا جرم أن سمعة المغرب و المغاربة أكبر بكثير من هذا الثمن ، و عليه فإننا نتوجه إلى من أهمّتهم سمعة البلد و خاصة السيدتان القنصلة بمونتريال الأستاذة حبيبة الزموري و السفيرة الأستاذة نزهة الشقروني ، و نقترح عليهم الإتصال بصاحب الإعلان و شراء الدراجة منه و إرجاعها إلى أصحابها والإعتذار نيابة عن كل الوطن مع الإصرار على أن الأمر يتعلق فِعْلاً بِحالة معزولة.

*الصورة من الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *