وجهة نظر

وظائف تبحث عن موظفين.. هنا كندا..

مُسْتجيبًا لواحدة من العادات السيئة التي تلبَّستني في الديار الكندية، إدمان القهوة، وجَدتُني مدفوعا أو مجروراً – لا أتذكر بالضبط – إلى إحدى محلات السلسلة الشعبية ” تيم هورطون”. كانت الإنارة باهتة وكانت هناك عاملة واحدة سمراء بِشرتُها، وبِلكنة أفريكانية قُحّة أخبرتني أن المقهى مغلق بسبب قلة العمال. أيام بعد ذلك حدثني شخص عن حادثة مشابهة، حيث اضطر أحد المطاعم بضواحي مونتريال إلى تجميد نشاطه لافتقاده للشّغيلة … وحينما تعاملت مع إحدى الشركات لكراء المعدات، فهمت أن دوام نهاية الأسبوع تقلص لأنه ” لا يوجد من يشتغل ”.

في الواقع موضوع خصاص اليد العاملة في كندا وفي دول غربية أُخرى ليس جديداً، فقد كُنّا، ومنذ عدة سنين، نقرأ عن شيخوخة المجتمعات الغربية وعن الحاجة المضطردة للشغيلة، خاصة في بعض القطاعات كالإعلاميات و الطب.

لكن سرعان ما ننسى ذلك بعد أي وعكة تصيب الإقتصاد العالمي، فنسمع عن تسريحات بالجملة، وعن أزمات هنا وهناك. إضافة إلى ذلك فقد كانت هذه الأنباء، وجود خصاص في اليد العاملة، لا تعني بالنسبة إلينا سوى مؤشر ترف تعيشه بعض الدول ولم تكن الأرقام المذكورة تستوقفنا كثيرا ولا تكاد تختلف بالنسبة لجُلنا عن موازنة الدفاع الأمريكي. أرقام مجردة تهمُّ نخبة بِذاتها…

أما الآن، فها أنذا أضطر إلى البحث عن محلّ آخر كي أتزوّد بِحاجتي من الكافيين، وأضطر إلى التنقل بعيدا، لأن فرع شركة سمبليكس القريب مني يغلق قبل الآخرين. والسبب في كلتا الحالتين: ليس هناك كفاية من العمال.

بمعنى آخر، أعتقد أن قلة اليد العاملة، قد انتقلت من خانة الإحصائيات والتنظير الذي ربما حوى في ثناياه بعض مشاعر الإفتخار، إلى خانة المُعاش اليومي حيث الجَرْس يميل إلى التحذير.

لن أنجرَّ إلى غواية الأرقام والمقارنات، وتصنيف المجالات التي تعاني من خصاص أكبر. سأقتصر على مقطع مكثف من مقال صدر في جريدة ” لابريس ” الكيبيكية تحت عنوان :L’économie du Québec freinée par le manque de main-d’œuvre

” في الوقت الذي تعرف فيه كندا نسبة نمو تقدر ب 1.9 في المائة فإن إقليم كيبيك سيشهد انحسارا بنسبة1.5 في المائة خاصة بسبب قلة اليد العاملة ”.
ثم ماذا…

ككل شيء تقريبا في هذا الكون، يمكن توظيف هذا الخبر، قلة اليد العاملة بكندا، بطرق مختلفة و لأغراض متنوعة حسب النِّيات و الإمكانيات (الفكرية و المادية ) .و سأقتصر هُنا على ثلاث مستويات، طبعاً دون أن نحجر على اجتهاد أحد.

المستوى الأول أكثر سهولة ومتاح للغالبيّة. نستغل هذا الخبر الذي يشي فيما يشي ببحبوحة العيش التي وفّرتها الحكومة الكندية لِمُواطنيها و بانخفاض معدلات البطالة في البلاد إلى معدلات قياسية، فنستدعي كل ” أركيولوجية الغضب ” الكامنة في الأعماق و المتألفة من صفعة الوالد، و عصا المعلم ، و تحرش أبناء الحي، و إعراض من أَعْرَضتْ ، و سادية المسؤول المباشر و تفاهة المسؤول عن المسؤول ، و إحباطات المنتخب الوطني لكرة القدم ، و تقاعد البرلمانيين و الوزراء ، وقد تضم أيضاً آهات الثكالى في غزة و أنين اللاجئين السوريين ، و المنبوذين من الروهينغا و المضطهدين من الووغور… نضيف إلى ذلك لهيب غلاء المعيشة ولظى الفقر… ثم نصرِّف كل ذلك عبْر براكين صغيرة حِمَمُها مليون أُفٍّ و تُفٍّ و صهارتها سيل من هجاء … هجاء مَنْ …؟ الأمثل أن نهجو الحكومة الفاسد، الفاشلة، الفاشية، وربما الفاسقة…وإذا كان لا بد من تخصيص نصيب من القذف والسب لوزارة الداخلية أو إحدى تفرُّعاتها فيُنصَحُ بخفض الصوت. صحيح أن المغرب وسّع من هامش حرِّية التعبير، لكن الإحتياط واجب. لا ضيْر من توسيع نطاق القصف إلى البرلمانيين ومنتخبي المجالس المحلية…المهم أن تنفضّ المجالس وقد فُرّغت ما تيسَّر من المَكْبوتات وهدأت الأنفس، طبعا بشكل نسبي ومؤقت، في انتظار موعد آخر.
المستوى الثاني الذي يمكن مِن خِلاله التعاطي مع أزمة اليد العاملة في كندا أقل تشنجا من الأول، لكنه لا يخلو من ” بوليميك ”، و يتبلوَرُ في فتح نقاش حول مدى الإستفادة من النموذج التنموي الكندي علَّنا نحن أيضا ، أي المغاربة ، ” نعاني ” يوماً ما خصاصاً كَخصاصِهم .
” مُستحيل، لا مقارنة مع وجود بحر من الفوارق ” يقول الجليس الذي عن يمينك.
يقاطعه الذي يليه، ليس بهذه الحِدّة، ربما ممكن ولكن يجب البدء بالإصلاح السياسي، إذ لا تنمية دون دمقراطية حقيقية.
يتدخّل آخر، لقد أتبتت المعجزة الصينية تهافت هذه الفكرة.
يهز أحدهم رأسه موافقا ويطوِّح بتجربة مهاتير محمد، في نسخته الأولى …
ثم يسود صمت مؤقت. يسأذن متدخل آخر ويشرع في مقارنة الثروات الطبيعية الهائلة التي تزخر بها كندا، مقابل بعض أطنان الفسفاط و سَمَكتيْن تسبحان في المحيط الأطلسي. يبتسم الجميع ابتسامة سطحية سرعان ما تتبدّد مع تلويح متحدث آخر بالنموذج الياباني الذي تحدّى شحّ الموارد الطبيعية.
نفس الشخص الذي حرّك رأسه آنفا يهزه مرّة أخرى وينطق بكلمة سنغفورة…
لن نطالب بتجاهل هذه النّقاشات، طبعاً تحتاج إلى ترشيد، لكنها قد تؤتى أكلها ذات يوم …
في انتظار ذلك، ننتقل إلى مستوى آخرأقل تنظيرا، و أقرب إلى الواقعية، البعض يفضل كلمة برغماتية … نحن أمام دولة في حاجة آنية للعمال ، عُمّال مؤهلين و نصف مؤهلين، والمغرب يعاني من ” فائض بشري ” يتميز بالفُتُوَّة ، كما أن جزءً منه حاصل على شهادات متوسطة و عليا ..ماذا لو تحركت الجهات المعنية ، وزارة الشغل ، الهجرة ، الخارجية ، للتنسيق مع الكنديين وللإستفادة من ازدهار الإقتصاد الكندي ولتمكين المغاربة من سوق عمل منتعش . لا بأس مِن إشراك القطاع الخاص ، سواء الكندي أو المغربي ، و حين نقول إشراك فنحن نطالب بحضور دائم للدولة ، كي لا تتكرر مهزلة شركة ” النجاة ”.
-” الناس تصدر التكنولوجية و أنتم تريدون تصدير فلذات الأكباد… ”
رجاءً لا تلتفتوا إليه، إنه واحد من ” العدميين ” يريد التشويش على اقتراحي.
حتماً لا أزعم أنني ” الأخير زمانه الذي أتى بما لم تستطعه الأوائل ”، فالعديد من المكسيكيين يدخلون كندا من باب اتقاقية بين البلدين، كما أن هناك وكالات تستقدم العمال من المغرب إلى كندا خاصة لسد الخصاص في المطاعم، لكناّ نطمح أن تتدخل الدولة بكل ثقلها من أجل تقوية ” الصبيب ” وضمان شروط أحسن للتعاقد. وشتان بين إمتنان يغمر مَن ساعدته حكومة بلده وأطّرته كي يهاجر في أحسن الظروف وبين حنْق مَنْ تمَكّن مِنَ ” الإفلات ” بوسائله الخاصة.
سبق لراقن هذه الحروف أن تطرق لمساعدات ضخمة رصدتها كندا للجمعيات التي تعمل في مجال حقوق المرأة والطفل. ولأنني كنت، ونسبيا لا زلت، أُصدِّق، بما تيسّر من سذاجة، أن المهاجر ”سفير شرفي ” لبلاده، فقد وجدتُني حينها متوتّراً وممتعضا من اللامبلاة التي تعامل معها المغاربة مع تلكم الفرصة. كنت وكأنني: أصرخ واعباد الله ،هاهي الأموال فهَلْ من مُبادر ؟ راسلتُ وزيرين، أو بالأحرى وزيرة ووزيرا، ونائبا برلمانيا واتصلت برئيس إحدى المجالس المحلية، كما كتبت إلى بعض المنابر الإعلامية. و ” الحمد لله ” لم يُخيّب جلّهم ظنّي، وليْسَ كل الظن إثم…. تجاهل تام …. لا شكر، لا وعد بمتابعة الموضوع، بل لا إشعار بالتوصل… وكان الإستثناء في منبر هسبريس الذي نقل الخبر ” شبه خام ” كما تفضل مشكورا بنشر مقال لي في هذا الموضوع، دون أن ننسى موقع ” العمق المغربي ” الذي شرفني هو الآخر باحتضان المقال.
وها نحن نعيد نفس الصرخة ” وا عباد الله … هاهو العمل يبحث عن عُمّال، هلّا ساعدتم المغاربة على الظفر به… ”
”من يرقص ينفض عنه غبار الذاكرة… كفى مكابرة قومي للرقص ” (أحلام مستغانمي في رواية الأسود يليق بك)، نهمس بهذه الكلمات لسفارتنا في وطاوا ولقنصليتنا بومونتريال كي ترقصا مع المغرب والمغاربة …فالرقص ينفض غبار القُعوس.
ولِمنْ، تصبَّر معنا لحدود هذه السطور، نستحثكم ألاّ تُفوّتو الزيارة التي ستقوم بها إلى الدار البيضاء لجنة كندية للتشغيل يومي 28 و29 مارس القادم. وللتسجيل يمكن زيارة موقع:
http://journeesquebec.gouv.qc.ca/
كما نستغل هذه الفرصة للتحذير من تُجّار الوهم، فسواء تعلق الأمر بوكالات خاصة، أو لجن قطاعية، فالخدمات مجانية (بالنسبة للوكالات الخاصة المشغِّل هو من يؤدّي ثمن الوساطة)، و ليس على المرشح المقبول سوى دفع رسوم الفحص الطبي و رسوم التأشيرة.
وَلْيُبلِّغ الحاضر منكم الغائب…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *