وجهة نظر

بينما الكل منشغل بمحاربة فيروس كورونا.. الصين تتأهب لزعامة العالم

قال نابليون ذات يوم “الصين مارد نائم ، فدعوه نائما لأنه إذا استيقظ هز العالم ” ويبدو أن المارد الصيني قد استيقظ ، ويتأهب في صمت ليتزعم العالم .

فإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد مهدت لصعود القوة الأمريكية وتربعها على كرسي زعامة العالم ، فإن حرب الكورونا ( كوفيذ 19 ) العالمية رسخت أسس الدولة العظمى الجديدة التي هي الصين والتي تتميز تجربتها بالاعتماد شبه الكامل على الذات ، ويمكن إجمال أسس الدولة العظمى المستقبلية التي هي الصين في النقط التالية :

تصدر الصين لائحة الدول الأكثر تسجيلا لبراءة الاختراع سنة 2019 .

لم تعد عظمة الدول في صواريخها وأقمارها ، وحاملات طائراتها فقط ، وإنما في براءات اختراعها أيضا ، فبينما أغلب الدول منشغلة بمحاربة فيروس كورونا ، كشفت وكالة تسجيل براءات الاختراع التابعة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء 7 أبريل 2020 أن الصين أصبحت أكبر مصدر لطلبات تسجيل براءات الاختراع الدولية في العالم في 2019 ب 58990 طلب ، تليها الولايات المتحدة الأمريكية ب 57840 طلب ، أي بفارق 1150 طلب .

وبهذا الرقم أزاحت الصين الولايات المتحدة الأمريكية من عرش زعامتها للعالم والذي تربعت عليه قبل أكثر من 40 عاما أي منذ إقامة تلك المنظمة ، وباتت الصين الأكثر اختراعا في العالم بأسره .

وكان عملاق الاتصالات الصيني ” هواوي ” الشركة المسجلة لأكبر عدد من براءات الاختراع ، حيث تصدرت شركة ” هواوي ” عملاق صناعة التكنولوجيا بالصين جميع نظيراتها في العالم كأكبر شركة سجلت براءة اختراع للعام الثالث على التوالي .

والمتأمل في مسار الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية إلى اليوم وزعامتها للعالم بالموازاة مع زعامتها للدول الأكثر تسجيلا لبراءات الاختراع لأكثر من 40 سنة ( أي منذ تأسيس وكالة تسجيل براءات الاختراع ) سيدرك أن ملكية براءات الاختراع تعد مؤشرا مهما على قوة الدولة الاقتصادية وعلى مدى خبرتها في القطاع الصناعي ، وأن من يتربع على رأس قائمة براءات الاختراع العالمية ، يتربع على كرسي زعامة العالم .

سيطرة الصين على وباء كورونا وإعلان مدينة ووهان خالية من الفيروس.

أدارت الصين معركتها مع وباء كورونا بحكمة وباقتدار منذ أن تم اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس كورونا بمدينة ووهان ، حيث جندت أطرها الصحية والأمنية وشعبها ليكونوا قوة واحدة ضد وباء كورونا، كما أقامت الصين مستشفيات ميدانية مجهزة في ظرف وجيز ، وبعزل المدن عن بعضها البعض مع التقيد بالحجر الصحي للمواطنين .

وبتطبيق هذه الإجراءات انتصرت الصين حيث عمت احتفالات عارمة في مدينة ووهان مؤخرا بعد قرار رفع الإغلاق لمدة 76 يوما ، حيث عادت الأمور إلى طبيعتها ، وبالتالي الانتصار العظيم للصين على وباء كورونا .

والتفوق المذهل للصين في إدارة أزمة فيروس كورونا جعلها قبلة للكثير من الدول الراغبة في الاستفادة من خبرتها وكفاءة أطرها ، حيث قامت الصين بتصدير الكفاءات الصحية إلى الدول مجانا ودون تفرقة بين لون وجنس وعرق .

كما دعمت الصين منظمة الصحة العالمية ب 30 مليون دولار ، في المقابل أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لهذه المنظمة العالمية للصحة .

كما أصبحت الصين أهم مصدر للكمامات الطبية ، أجهزة التنفس الاصطناعي ، وأجهزة الاختبارات المخبرية في العالم .

التقدم الصيني المبهر في مجال الصناعات الدقيقة .

باتت الصين تحتل مركزا جد متقدم في عالم غزو الفضاء ، وتمثل في قبول سوق الإطلاق التجاري العالمي لقاذفات ” لونج مارش ” الصينية بديلا معتمدا لمكوك الفضاء الأمريكي والقاذف الأوروبي ” أريان ” ، كما أنها في طريقها لإتقان تكنولوجيات استعادة الأقمار الصناعية ، كما أصبحت الصين أيضا قوة فضائية يعتد بها ، وقوة منافسة للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وروسيا في مجال إطلاق القاذفات الفضائية لأغراض تجارية ، ولا غرابة أيضا إن خرجت الصين غدا بمنظومة أسلحة متطورة تلغي وجود حاملات الطائرات وتحيلها على المعاش .

قدرات الصين التاريخية والجغرافية والاقتصادية والعسكرية .

كما للصين عدة نقط قوة :

• فهي الثانية عالميا من حيث المساحة الجغرافية بعد روسيا ب 9،6 مليون كلم مربع والأولى عالميا من حيث السكان بما يقارب مليار وأربعمائة وخمسون مليون نسمة .

• يعتبر الجيش الصيني الأول عالميا من حيث العدد بأكثر من ثلاثة ملايين جندي ، والثالث في العالم من حيث القدرات العسكرية والنووية .

• الأولى عالميا من حيث تحقيق معدل النمو الاقتصادي السنوي في العقود الأخيرة بمعدل يفوق 7 في المائة ، وهو ما لم تحققه الدول الصناعية الأخرى .

• احتلال الاقتصاد الصيني المرتبة الأولى عالميا من حيث اجتذاب الاستثمارات الخارجية، وكذا توقيع عدة اتفاقات استثمارية .

وقد يصبح اليوان الذهبي الصيني هو العملة الأولى في جميع التعاملات المالية والدولية، ففي ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على الصين وعلى بعض الدول الأخرى ، قد يدفع هذه الدول المتضررة للالتفاف حول الصين والتعامل معها بعملتها ، وجعل اليوان الصني هو العملة الأولى بدل الدولار في جميع المعاملات المالية والدولية .

وخلاصة القول أن التجربة الصينية تتميز بالاعتماد شبه الكامل على الذات ، وأن الصين تخترع وتبدع في صمت ، وأن الصين بالديمغرافية الحالية وبالقدرات النووية وببرنامج التسليح الناشط والعضوية الدائمة في مجلس الأمن والنجاح الاقتصادي الداخلي ، وعدم تورطها في الحروب المباشرة ونهجها المتقن للدبلوماسية الناعمة ، كلها عوامل تسمح للصين بأن تتزعم العالم وتكون قطبا عالميا فاعلا في صياغة نظام القرن الجديد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *