وجهة نظر

الغازي الحو.. بين ردهات تاريخ الجنوب الشرقي

لا ينكر عاقل منزه من العبث دور مباحث التاريخ في ترسيخ الوطنية الحقة في الناشئة، وتعزيز السلوك المدني في مهجتهم، فالتاريخ – عندي – كالصندوق الذهبي، يكتنز تجارب الأقدمين، ويعج بأخبار الأولين، بتحولاته المسجورة دروسا وعبرا، ونظرات وعبرات، وقطرات وومضات.. وهذا ثابت، وهو حق حقيق بتاريخ الأمم التي قبلنا، وبالحاضر الذي بيننا، استشرافا للمستقبل القادم الذي ننشده.

ومنه؛ فإن القيمين على أرشيف المقاومة المسلحة وجيش التحرير بالجنوب الشرقي المغربي الأغر، عبر امتداد التاريخ الطويل والأكيد، وقوفا عند مرحلة من مراحل الانتداب الاسباني والحماية الفرنسية (حسب تعبيرهم)، لايمكن إلا يكونوا منصفين، ولكنهم سيكونون أكثر إنصافا؛ لو تم التعريف والتعرف على مقاومين مغمورين لا يعرفهم أحد هنا في هذه البقاع، إلا بعض المهتمين هناك وهنالك.

وإن أول هؤلاء رجل يدعى ” الغازي الحو المختار نيت عبد الدايم الملواني ” بسيرته المعروفة لدى كبارنا، والتي ملأت أفئدت ملوانة القبلة منذ استهلال القرن العشرين إلى حدود اليوم، حتى سميت جمعية مدنية على اسمه الشريف؛ وهي جمعية الغازي الحو للماء الصالح للشرب بأزقور. وتقول الحكاية:

” بعد ما اختمرت فكرة قتل القاتل في ذهن الحو المختار كتب له التوزونيني رسالتين لجعلهما وسيلة للدخول على لوستري، يقول الناصري » ثم ذهب الرجل الملوني لإنفاذ أمر مخدومه الفتان الجاني، فدخل إلى قصر تغمارت ، محل حاكم تافيلالت، فناول الحاكم المذكور كتابين ففك الأول وقرأه، فإذا فيه الثناء على الحاكم بالجميل، و ما تقر به العين، من الاغتباط بحكومته، و الانحياش إلى جانبه، والتصريح بمحبته، فاستبشر و ظهر الصر ور في جبته ، فلما أخذ الثاني، و استغل بفكه وقراءته، وثب عليه، و علاه بخنجر كان لديه، فلم يفارقه إلا أن سقط ميتا، فقامت هيعة في داخل القصر، ورفعت زوجته بالبكاء صوتا، فتناول الرجال الملوني وتتسابقوا إليه من المكان القاصي و الداني، فلم يظفروا به إلا بعد عناء شديد، و جهد طويل أكيد، بعد أن قتل وجرح رجالا آخرين، ثم ضربه الطبيب بعمارة سقط بها للفم و اليدين.. عدت الضربات في جسد اليستري الهالك فوجدت ثمانية عشر ضربة ” و يضيف السوسي في هذا الصدد نقلا عن أهالي تافيلالت قائلا ” فمد الأول الرسالة إلى الرئيس أن هذا الذي حمل ليك هذه الرسالة إنما جاء ليقتلك ” *

* عبد المنعم احمتي طالب باحث مهتم بتاريخ تافيلالت. ” الضابط أوستري الفرنسي؛ مسار جاسوس حكم تافيلالت “.

وثمة حكايات كثيرة، بين صفحات كتب الباحثين المتناثرة، أولهم الأستاذ المحترم الباحث امبارك اشبارو له كل الشكر والتقدير.

كما أن هذا التنظيم الاجتماعي موجود في على امتداد الأراضي المغربية، بدءا بأزقور وأشبارو وتوغزة بدارىة ألنيف مرورا على زاكورة وأملاكو وأوفوس وصولا إلى بني ملال وخنيفرة والخميسات ثم البيضاء..

وختاما؛ فإن دعوتنا هاته، لها آذان صاغية، وأعين ثاقبة، ستقول كلمتها لاحقا بإذن الله، ضمن صرح مدني يبحث عن ” إملوان تنظيم وتاريخ ثم حضارة “.

* باحث في التراث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *