وجهة نظر

حديث في ذكرى تأسيس الشرطة المغربية

الأمن استعدادات أمنية بمدينة الرباط لتأمين احتفالات رأس السنة

يحتفي الشعب المغربي وأسرة الأمن الوطني ، بالذكرى 65 لتأسيس الأمن الوطني والتي تصادف 16 ماي من كل سنة، وهي ذكرى مشرقة تفرض الوقوف وقفة احترام وتقدير لكافة أطر أسرة الأمن الوطني على مستوى المصالح المركزية والجهوية، وكافة أفراد أجهزتها من مختلف الرتب والمسؤوليات، لما يتحلون به من مسؤولية والتـزام وتضحية ونكران للذات في أداء واجبهم الوطني والمهني ، آناء الليل وأطراف النهار، كما تفرض القيام بسفر مجاني نحو تاريخ تأسيس هذه المؤسسة الوطنية المشرقة، وفي هذا الصدد، وقبل 65 عاما وتحديدا بعد حصول المغرب على الحرية والاستقلال، كان لابد من الانخراط المبكر في مسار بناء الدولة المغربية الحديثة وما تـتطلبه من بنيات تحتية واقتصادية واجتماعية ومؤسساتية وقانونية وقضائية، موازاة مع المضي قدما في اتجاه استكمال مسلسل الوحدة الترابية ،في ظل بقاء مجموعة من المناطق تحت قبضة الاستعمار الإسباني، وقد كانت أم الأولويات، التعجيل بتكوين جيش وطني يتولى حماية الحدود وشرطة وطنية تنــاط بها مهام المحافظة على النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات، فكان تأسيس القوات المسلحة الملكية يوم 14 ماي 1956م ، وبعدها بيومين وتحديدا يوم 16 ماي، خرجت مؤسسة الأمن الوطني إلى الوجود، بموجب الظهير الشريف رقم 115-56-1 بتاريخ 5 شوال 1375 (16 ماي 1956م).

ومنذ تأسيسها وعلى امتداد 65 عاما، قطعت المديرية العامة للأمن الوطني أشواطا مهمة في سبيل تحديث آليات ووسائل عملها، والارتقاء بمستوى قدرات مواردها البشرية مهنيا واجتماعيا، وانخرطت بقوة في دينامية الإصلاح والتحديث التي برزت معالمها الأولى مع بداية العهد الجديد، والتي أطلقت العنان لإصلاحات قانونية وحقوقية ومؤسساتية، اقتضت مؤسسة أمنية حديثـة قادرة ليس فقط، على ضمان النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات، والتصدي للجريمـة أيا كان مصدرها أو شكلها، بما يلزم من الحزم والاحترافية واليقظـة المستدامة، ولكن أيضا، على احترام سلطة القانـون وصـون حقوق الإنسان وضمان الحريات والتجسيـد الأمثـل لمغرب الحداثـة والتغييـر، وعلى ما تفرضه الحكامة الأمنية الرشيدة من مسؤولية ونزاهة واستقامة ونجاعة وفاعلية وجاهزية، ومـن قرب مستـدام من المواطن تجسيدا للشرطة المواطنة وشرطة القرب، وإذا كانت المؤسسة الأمنية قد ارتـقت إلى مستويات مهمة من الفاعلية والنجاعة والكفاءة والخبرة المعترف بها دوليا، فهذا التحول ما كان له أن يـتـحقق على أرض الواقع، لولا العناية الموصولة والمستدامة التي ما فتئ جلالة الملك محمد السادس أيده الله يولـيها لأسرة الأمن الوطني، من خلال إحاطتها بكل الإمكانيات ووسائل العمل الضرورية التي تمكنـها من الاضطلاع بمهامها الجسيمة على أحســن وجه، في إطار دولة الحق وسيادة القانون.

وإذ نـقدم التهاني لنساء ورجال الأمن الوطني بمختلف رتبهم ودرجاتهم بمناسبة عيدهم الوطني، ونثمن ما وصلت إليه الشرطة الوطنية من كفاءة واحترافية مثـيـرة لمشاعر الفخر والاعتـزاز ، بقـدر ما نرى أن مسلسل التحديث والتخليـق، لابـد أن يبقى متواصلا لاعتبارات عدة ، مرتبطة في شموليتهـا بالتطـور الكمي والنوعي للجريمة في ظل ما تعـرفه المجالات الحضريـة من متغيرات ديمغرافيـة واجتماعية وسلوكيـة مستمرة، فرضـت أنماطا جديدة من الانحـراف والإجرام، والتهديدات المرتبطة بالخطر الإرهابـي والجرائم العابـرة للحــدود ، واتسـاع دائـرة المهام والتدخـلات التي بات يضطلـع بها نسـاء ورجال الشرطـة كما هو الشأن بالنسبـة لتدبيـر جائحة كورونـا، والتحـول المستـدام في مجال تكنولوجيا الإعـلام والاتصال الذي يفـرض شرطة “مرنـة” و”متجددة”، إضافـة إلى ما بات يعـرفه الشارع العـام من أنمـاط وأشكـال جديـدة من النضال والاحتجـاج، تضـع الشرطة أمام صعوبات عمليـة وإكراهات حقيقية مرتبطـة بالتدبيـر الأنجـع والأمثل للفعـل النضالي والاحتجاجـي ، بشكل تتحـقق معه أهـداف “فرض النظام العام وحمايـة الأشخاص والممتلكات” ومقاصـد “احتـرام سلطة القانون وضمان الحقوق والحريات “، دون إغفـال المتغيـرات المرتبطـة بقضية الوحدة الترابيـة للمملكة، وكلهـا اعتبــارات وتحديـات من ضمن أخرى ، تـفرض تجاوز النقــص الحاصل في “الحصيص” خاصة في بعض المجالات الحضرية التي بات اسمها مقرونا بالجريمة كالدار البيضاء وسلا وفــاس ومراكش وطنجة وغيرها، والرهان على الجوانب العلمية والتقنية والرقمية لدعم عمل الضابطة القضائية في مجال محاربة الجرائم خاصة المستعصية منها، في إطـار الانخراط الذي لا بديـل عنه في عالم الرقمنة وما تـتيـحه تكنولوجيا الإعلام والاتصال من فرص ووسائل عمل جديدة، وعلى “التخصص الشرطي” بما يضمن الفاعلية والنجاعة، و الاستمرار في مسلسل تخليــق واقع الممارسة الشرطية، وعلى الدخول في “شراكات حقـيـقيـة ” مع عدد من المؤسسـات والهيئـات العامة والخاصة ، بما يخـدم رهانات “شرطة القرب” و”الشرطة المجتمعية” و”الشرطة المواطنة” و “الشرطة المتواصلة” …

ورهانات من هذا القبيل، لا يمكن إدراكها إلا بالاستثمار الأمثـل في العنصر البشري الذي يعد عصب حيــاة أية استراتيجية أمنية أو شرطية، وهنا نوجه البوصلة نحو “المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة” الذي يتـولى صناعة “شرطي الغد “، وهذا المعهد الوازن ، لابـد من إحاطته بـمـا يلـزم من الدعم والعناية والاهتمام، والارتقاء بمستوى وجودة ما يقدمه من عروض بيداغوجية سواء في إطــار التداريب الأساسية أو في إطار التكوين المستمر التخصصي، حتى يتسنى إغناء المؤسسة الأمنية بموارد بشرية ذات تكوين مهني رصين ، متفتحة على كافة العلوم القانونية والجنائية والحقوقية والاجتماعية وغيرها، قـادرة على الارتقـاء بمستوى الأداء الأمنـي، ونــرى أن هذا المعهـد- الذي تحول إلى “منارة شرطية ” ذات إشعاع إفريقي و دولي – يـمكن الـتـعويـل عليه، لكسب رهانات “الشرطة المواطنة” و”الحكامة الأمنية الجيدة” التي تـعـد وجها من أوجه دولة الحق والقانون والمؤسسات، كما يمكن التعويـل عليه لدعم الحضور والإشعـاع المغربي الـوازن في عمقه الإفريقـي ، لـمـا بـات يضطلــع بـه مـن أدوار ذات صلـة بتكويـن وتأهيل شرطـة عدد من البلدان الإفريقيـة الشقيقة و الصديقـة (الدبلوماسية الأمنية أو الشرطية )، وقبـل الـخـتـم، نـثـمـن المكتسبات المادية والمهنية والاجتماعية التي استفادت وتستفيد منها أسـرة الأمن الوطني ، خاصة بـعد تنزيـل النظام الأساسي الجديد، وهي مكتسبـات تفرض التحلي بالضمير المهني والأخلاق الرفيعة والتفاني في خدمـة المواطـن وحسـن الاستجابة لتطلعاته و انـتـظـاراته، والـتقيـد بالضوابط المهنية والقانونيـة، والابتعاد عن الشبهات أو الممارسات “غير المسؤولة ” التي من شأنها المسـاس بصورة وإشعـاع المؤسسة الأمنية، تحت طائلــة الخضوع إلى ما يفرضه النظام الأساسي والقانون الجنائي من عقوبات إداريـة وجنائيـة.

وحتى لا نكون مقصريـن، فتزامن ذكرى تأسيس الأمن الوطني (16 ماي ) مع ذكرى تأسيس القوات المسلحة الملكية (14 ماي )، يقتضي تقديم أحر التهاني إلى كافة أطر وأفراد القوات المسلحة الملكية، وتـثمـين ما تضطلع به هـذه القـوات من مهام وما تقــوم به من تضحيات جسام ، في سبيــل ضمان أمن وسلامة ووحدة التراب، في ظل دسائس ومناورات الأعداء والحاقدين والمتربصين، ونـثمـن بشكل خاص عمل وتضحيات الجيش المغربي المرابط على طول الحدود المغربية من طنجة إلى لكويــرة دفاعا عن حـدود الوطن ووحدتـه الترابـيــة ، خاصة في المناطق الشرقيـة والأقاليم الجنوبيـة، وننــوه بالمناسبـة بالعملية “النوعيـة ” التي نـفـذتهـا القوات المسلحة الملكية بالكركرات ، في إطـار من المسؤوليـة والحرفية العالية والتخطيط والتنفيذ المحكم، بشكـل أحبط المناورات البائسـة والمفضوحـة لأعــداء الـوحـدة الترابيـة، ومكـن من ضمان التدفــق السلـس والآمن للسلع والأشخاص بيـن المغرب ومحيطـه الإفريـقـي ، وقطـع بشكل لارجعـة فيه مع ما كان يصدر عن مرتزقـة الوهـم من تصرفات متهـورة واستفزازات مكشوفة …، و سواء تعلق الأمر بالأمـن الوطني أو بالقوات المسلحة الملكية أو الدرك الملكي أو القوات المساعدة أو الوقاية المدنية أو الجمارك، فكلهم “جنــود مجندة ” وكلهم “عيــون الوطن التي لا تنـام”، وهم بذلك، يستحقــون منا كل الشكر وكل الثناء وكل التقديـر …

ولا يمكن أن نـدع الفرصة تمـر، دون الترحم على مؤســس القوات المسلحة الملكية والأمن الوطني، جلالة المغفـور له الملك محمد الخامس ، طيب الله ثــراه، وعلى بانـي المغـرب الحديث جلالة الملك الحسن الثاني ، رحمه الله، سائليـن الله عز وجـل، أن يـشملهما بواسـع رحمته ومغفرتـه ، وعلى الشهـداء الأبـرار الذين ضحـوا بأرواحهـم دفاعـا عن حــوزة الوطـن وكرامته وحريتـه ووحـدتـه وأمنـه واستقلالـه، منوهيـن فـي ذات الآن، بـمـا تحقـق ويتحـقق في عهـد جلالة الملك محمد السـادس أيده الله ، من ديناميـة إصلاحيـة ومن أوراش تنمويـة رائـدة مفتوحـة على جميـع المستويات، ومن مكاسب دبلوماسية وترابيـة ، ومن حضـور وازن في المحيط العربي والدولي وخاصـة فـي العمـق الإفريقـي، وهـي ديناميـة إصلاحيـة وتنمويـة واستراتيجيـة وإشعاعيـة، تـقـتضـي المزيـد من التعبئـة الجماعية ، والتحلـي بـمـا يلــزم من قيـم المواطنة الحقـة وما يرتبـط بها من مسؤولية والتـزام ومحاسبـة وتضحيـة ونكـران للذات، ومن ارتباط وثيـق بالقيم والثوابـت الوطنيـة في إطـار من التلاحم بين الملك والشعب، كمـا تقتضـي يـقظـة أمنيـة وعسكريـة مسـتـدامة، استحضـارا لمـا يواجـه الوحدة الترابيـة للمملكة من تحديـات آنيـة ومستقبليـة … ونخـتـم بـأن نطلب من الله عـز وجل ، أن يـقـي الوطـن، شـر الأعـداء والحاقدين والمتربصيــن والمشوشيـن، وأن يظـل هذا البلـد السعيـد، بـلـدا حرا وآمنـا ومطمئنا ومستقـلا ومزدهــرا ، تحت القيـادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السـادس حفظه الله، وكل عام والوطن بألف خيـر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *