منتدى العمق

الجرائم ضد الأصول

إنها لظاهرة خطيرة أصبح المجتمع المغربي يُفرزها؛وهي ظاهرة ارتكاب الجرائم ضد الأصول. وقد يبدو هذا من السلوكات الهمجية؛لكن هناك أسباب نفسية واجتماعية هي التي تؤثر في الجاني حتى يرتكب جريمته الشنعاء ضد أبويه. وهنا لا يستطيع العقل إلا أن يقف حائرا مضطربا لا يلوي على شيء أمام هذه الظاهرة البشعة.

فتصور أنتَ إنسانا يضع جانبا كل ما فعله أبواه من أجله ويقوم بقتلهما بكل برودة دم كأنه يقتل حشرات سامة.من هنا يتضح لنا أن المجتمع يقف على شفا جُرفٍ هارٍ. لكن إن قمنا برؤية تحليلية لنفسية ذلك الجاني نجد أن الدافع لا يمكن أن يكون من طريق مرض عقلي أو نفسي؛إلا في بعض الحالات الشاذة بل إن الدافع الأساسي هو المال. فالمال هو أساس كل جريمة بنسبة أكثر من تسعين في المائة في جلِّ الحالات.وهنا تتحمل الدولة نصيبا وافرا من المسؤولية في مثل هذه الجرائم.

لنأخذ شابا قد قرأتُ ما قام به في حق والدته إذ قتلها ثم بعد جريمته ذهب بكل طمأنينة إلى المقهى وطلب القهوة كالمعتاد دون أن تطرف له عين أو يحس بوخز الضمير. وعند مثوله أمام الحكمة تكلفت شرذمة من المحامين الدفاع عنه. في رأيي، أمثال هذا المجرم ليس له الحق في أي دفاع. فالحكم الوحيد الذي يستحقه هو الإعدام.

وأي حجة سيحتج بها الدفاع هي باطلة،لأننا لو أجزنا لمثل هؤلاء المجرمين أن يرتكبوا مثل تلك الجرائم وخففنا عنهم الأحكام، فهذا سيدفع بآخرين للقيام بنفس ذلك العمل الشنيع وحكم الإعدام قد يكون درسا شافيا لمن سولت له نفسه أن يقتل أبويه. فالحالات الشاذة يجب أن يتكلف بتحديدها خبراء نفسيون مختصون في الأمراض النفسية.ومثل هؤلاء الخبراء لا وجود لهم في مجتمع كمجتمعنا.

وقلنا بأن للدولة قسط وافر من المسؤولية في مثل هذه الجرائم. فبالطبع، لو كان مثل ذلك الشاب قد وجد أمامه مجتمعا يُيسر له بلوغ أحلامه المادية من شغل وسكن وترفيه ومعاملة إدارية حسنة، لما ظل يتَّكل على أبويه في أن يُطعموه ويُعطوه مصروف الجيب. فأكثر الأسر المغربية تعاني من نفس المشكل، وهذا يعني أن أبناءها هم على عتبة القيام بارتكاب جرائم ضدهم. فنحن نعرف أن لو كان ذلك الشاب قد حصل على شغل لاستقال عن أسرته ولتركها تعيش في سلم وأمان، بحيث سيتزوج وسيأخذ على عاتقة مسؤولية.

لكن هذا الشاب وجد كل الأبواب مغلقة في وجهه وصار عاطلا مما دفعه على الإدمان على المخدرات. ونعرفُ أن مصروف المخدرات يفوق ما قد ينفقه الأب في اليوم على طعام أبنائه. فالشاب حين يصبح مدمنا فإنه لن يتوقف عن تناول المخدرات. والأسر للتخفيف عن إبنها من آلام البطالة ومستقبله المظلم تشرع في منحه كل يوم قسطا من المال. لكن بعد مرور مدة،يتعقد الأمر إذ يجد الآباء أنفسهم غير قادرين على التوفيق بين مصاريف المنزل ومصاريف الابن فتبدأ الصراعات والمشاحنات مما يدفع بالأبناء إلى اللجوء للعنف ضد آبائهم.

وفي الحقيقة هناك سبيلان فقط للخروج من هذه المعضلة. وهو أننا نرى أن الآباء يتصرفون بكثير من العاطفة مع أبنائهم، وهذا أمر سيء لأنه يجب على الإبن أن يفهم أنَّ في سن ما من عمره فإن عليه أن يجد عملا وأن يستقل عن أسرته.وإن لم يجد عملا فعليه أن يُطالب الدولة بحقوق المواطنة وأن يترك أبويه في سلام. فلكي يرتكب جريمة في حق والديه فمن المفروض أن يرتكبها في حق الذين حرموه من حقوقه.

ثانيا، نجد أن العدالة تتساهل مع هؤلاء الأبناء الذين يعنِّفون آباءهم ولا تضعهم رهن الحجز والجلد حتى يتوبوا عن ذلك لكن هذا أمر مغرَّضٌ منه حتى تعيش الأسر مثل تلك المشاكل لتجني من ورائها الدولة مداخيلا هنا وهناك. فالمعضلة تتطلب الصرامة. أولا يجب على الآباء أن يعلموا أبناءهم الاعتماد على أنفسهم فالفتاة إن بقيت تحت جلباب أبيها ونفقاته فعلى الأقل هي لن تتعاطى المخدرات أو تجرؤ على قتل أبويها. وأن يعلموهم أن يطالبوا بحقوقهم.

ثانيا على الدولة أن تطبق أحكاما صارمة في حق كل من يجرؤ على القيام بسلوكات همجية ضد أبويه. ولعل أن هذه المعضلة هي التي تدفع بالعديد من الفتيات للدعارة حتى تستطيع الأسرة تحقيق مطالب ذلك الإبن المشاكس.والمضحك هو أن هؤلاء الأبناء الذين لا يعملون ومدمنون وفي كل يوم يأخذون بقوة من آبائهم مصروف الجيب لا يخطر على بالهم من أين يأتي كل ذلك المال الذي تنفقه الأسرة مع العلم أن ليس لها إلا مدخولا قليلا.

وهذا ما جعل أخلاق العزة والشرف تودِّع نفوس الكثير من الشباب.فأن يجلس الشاب في الحي يقهقه ويدخن ويلهو ولا يفكر في شيء لأن كل شيء يجده مهيأً فهذا هو قمة الذل وخصوصا إن كان يعرف أن ذك المال الذي يأخذ كل يوم هو من عرق لحم أخته التي تبيعه من أجله.