وجهة نظر

الأم والبحر

مشهد يشد الانفاس، مقطع فيديو للأم تدخل البحر غير مبالية بخطورة الامواج لمنع ابنها من الرحيل عبر البحر .
بين الأم و الابن حاجز البحر و الكثير من الأحزان ، شاب ربما أحلامه تتجاوز ما يوفره الوطن ، حلم الأم ان يكبر ابنها أمامها و حلم الابن ان يكبر في نظر أمه ، أن يذهب و يعود لكي يحقق لها أحلامها المؤجلة حج وعمر ة و شراء سكن.

هنا تتسع المسافات و تكبر بين حلم الابن و حلم الأم ، لكن يبدو أن البحر قد تحول من فضاء للاستحمام في صيف كان شديد الحرارة ، الى ممر غير امن للرحيل.
مفارقة حادة تطرح نفسها ، جمال المدن المتوسطية من تطوان الى الفنيدق مرورا بمارتيل و المضيق و الراس الاسود ، -هذا الجمال و سحر هذا الشريط الساحلي- ربما لم يواكبه تحول اجتماعي يمنح الدفء و الاستقرار.

مشهد الام تتحرك ببطء وسط الامواج لاستعادة ابنها مشهد قاس و مؤلم ، كل الكلمات عاجزة عن وصف هذه اللحظة و الإمساك بها و قاصرة عن وصف حزن الام ، حنان الام ، فضل الام ، خوف الام و عظمة الام.

يبدو ان الأمر يصلح ان يكون عنوانا لقراءة سياسية فحزن الام هو فعل سياسي ، حزن ربما بسبب عجز او ضعف فعالية السياسات العمومية والتي بسببها ، الابناء يغامرون ويتركون وراءهم احزان امهاتهم الحكومات المتعاقبة هي صانعة أحزان الامهات !

الام هي اغلى ما يملك الانسان ، بدونها تتحول الحياة الى كتلة جماد ، حكاية الام التي تركت كل شئ ورائها و خاطرت بحياتها لاستعادة ابنها ، شبيهة بحكاية مابعد الموت لتشيخوف تقول الحكاية : أنه و جد نفسه محاطا بملائكة ، طلب منهم العودة الى منزله لكي يطمئن على زوجته الحامل ، رفض طلبه ( الفعل مبني للمجهول ) ، بعد إلحاح و لطف الملائكة احضروا له شاشة يرى فيه كل ما يقع خارج القبر ، ولان الزمن يختلف فقد تغير كل شئ .

في الزحمة راى ظلا لا يتغير ، بعد ان تغير الاخوة و الزوجة و الابناء و الاصدقاء الا ظلا بقيا لا يتحرك و لا يتغير !
طلب تشيخوف من الملائكة تكبير الصورة ليعرف من يكون هذا الظل الثابت على حاله ؟

عرف ان الظل هو أمه التي ظلت تبكيه بحرقة منذ وفاته ، انها الام التي لا تتغير رغم ان كل شئ يتغير .

قصص الامهات تتشابه ، وقصة هذه الام و هي تظخل البحر غير عابئة بالخطر لمنع ابنها من الرحيل ينتج فائضا من الالم حول واقع ينبغي تغييره بما يضمن تجفيف دموع الامهات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *