وجهة نظر

الفئات الشعبية وحلم الكرامة والإنصاف

ليت الجميع يدري أنهم من يسيرون جنبك، يتمنون عطفك عليهم عندما تكون رفقة أبنائك في سياحة وسعادة، وتصادفهم في الطرقات، وبين محطات وقوف السيارات، يترجونك فيتباكون ويبكون، لا تشفق عليهم ولا تتحسر على حالهم، تمر مختالا فخورا، وتبتسم مع من بجوارك وتبعد صغارك عنهم كي لا تتسخ ثيابهم بأيديهم المتسخة، من تذوقت مرارة المعاناة، وأتعبها ثقل الحياة، وإن ادعى الأمر تصدهم عن طريقك أو تقدم لهم قطعا نقدية صفراء وترحل ومعاناتهم تزداد، وهم في كل يوم يواجهون نفس المصير، لا منازل تؤويهم، ولا تعليم ينجب فكرهم فيقويه، وكثير منهم يفترش الأرض، ليسمع دبيب النمل وماهو بسامعه، ويلاحق نجمات في السماء تذهب مسرعة، ليخيل اليه أنها محققة الأماني، فيتمنى إما موتا يذهب عنه قسوة الحياة، أو سعادة يتمخض عنها المال، وهم في الحقيقة ضحايا المجتمع، هم من لم تنادوا على التعليم لأجلهم، واكتفيتم في وقت متأخر بالمناداة على الأمن لإخفاءهم.

الغريب في مثقفي المجتمعات العربية برمتها أنهم يهتمون بنتائج الشيء ويتناسون مسبباته، ويحاكمون الضعفاء والمقهورين في تحليلاتهم اللاموضوعية بتحميلهم مسؤولية الأمور على عاتقهم، وينسبون إليهم كل مرض مجتمعي، ويتركون من بسببهم يتدهورون، وفي حقهم في التعليم والعيش الكريم لا يحظون، أولئك من كانت ولادتهم فوق الحصير وكان غطاؤهم قطعة قماش، وجدوا أبناءهم يعانون، ويبحثون عن الدراهم لتوفير لقمة عيش تغنيهم عن السؤال، رأوا أن المنتخبين استغلوهم، أهدوهم وعودا لينسلوا منها عند الوصول، فمن يا ترى يستشعر معاناتهم عندما تكون أمعاؤهم فارغة تغرغر، ومن يشتري لهم الملابس عندما تمزق أو يبهت لونها، ومن يمسح دمعاتهم عندما يمرضون، أو في البرد القارس والشتاء حين ينامون، فكيف بكل هذا ولا يتوجهون إلى السرقة والدعارة ؟ نحن لسنا في حاجة لحملة لمحاربتهم، وإنما في أمس الحاجة لاستئصال قليل من معاناتهم، وتقديم كامل حقوقهم وحرياتهم، واعتبارهم، وإشراكهم معنا في مجتمعنا هذا، أم هم ليسوا ربحيين، ويدنسون الواقع ؟ فلو قدمت تلك الأرض التي أخذها والي الرباط ومن اقتسمها معه بدراهم معدودات لمن يستحقونها، ليس صدقة أو معروفا، وإنما واجبا لخففت كثيرا من معاناة كثير ممن هم مهددون بانهيار منازلهم، وأدخلت الفرحة والسرور على قلوبهم، واستفرد الفقير في البحث عن قوت يومه فحسب، لكن مع الأسف هم خدام الدولة ونحن خدام الوطن، والفرق شاسع.

جميل أن ترفض السلوكات التي يقوم بها هؤلاء الضحايا من سرقة واعتراض سبيل وترهيب النفوس، و الاستنجاد بالأمن لتخليصهم من بطشهم، فهم مع ذلك يستحقون، وإنما المؤلم أن لا يقفوا هكذا في وجه الفساد الذي غطى جل القطاعات، ولا أمام القمع والاستبداد، ولا أمام البطالة التي عدواها أصابت الدكاترة وأصحاب الشهادات العليا، فتجدهم عند المطالبة بحقوقهم كالنعام طامري رؤوسهم في التراب يخشون الحديث، كي لا يجر بهم إلى السجن، فتستمر مرارة الواقع، لينتظروا من يتكرم ويتحدث بألسنتهم، وهم يعلمون أن من قدموا لهم أصواتهم مجرد لعبة في يد من هم أقوى منهم، ووجودهم شكلي ومرغوب فيه، لتمرير صفقاتهم الدنيئة، ليحتلوا بها قليلا مما ينعم به المواطن الضعيف البسيط، ويتركونه يتخبط لوحده في حوض ماء معكر بفسادهم، والمحزن أنه يصعب تغيير شيء في ظل الوقت الراهن، لأننا ما زلنا نتبع خطى الضعفاء لنطيح بهم في شباك الأقوياء، ونظل نراقب من بعيد ما سيفعلونه بهم، أولسنا نحن المثقفين والأدباء ؟ أليست السرقة نتيحة حتمية في غياب تعليم ينور العقول ويطورها، ومن سيعلمهم الصواب وجل الذكريات في حياتهم ألفتها أركان الشوارع والمحطات ! عذرا أبناء وطني لستم وحدكم اللصوص، وقعتم في المصيدة كابن نوح، لن يعصمكم جبل من الذنب الذي ترعرعتم فيه، فارفعوا أيديكم سالمين، أو عودوا لرشدكم، فليس التعلم في المدارس دوما سبيل التفقه في الحياة، وهذا اعتراف.

يخافون منكم الآن، وبسببهم أعلنتم وجودكم، أخذوا المال والتعليم و الصحة، ليأخذوا معها الوطن، تركوا لكم الضياع والتشرد والجهل، وأفقروا آباءكم، وتركوهم يذوقون المرار في تربيتكم، أغلقوا المدارس في الجبال، واستحمروا من بقي منكم بالمقررات، وتخلى الوطن عنكم عندما احتجتموه، وترك لكم سبيل الانحراف لتسلكوه، هكذا هم أرادوكم، مجردين من عاطفتكم، تبعا لهم، كي لا تزعجوهم بصياحكم، ليزجوا بكم في السجن، ليصنعوا منكم مجرمين وقتلة،ليعيدوا إدماجكم بعد حين في الحياة برغبتهم، ولعل هذا جزء من سياستهم، فاستفيقوا أيها الشرفاء، فبدونكم سيتجرع أبناء جلدتكم المرار، والوقوف بجانبهم في أوقات الشدة أولى من تسليط الضوء على أفعال بإمكانكم محوها باستخدام قليل من تفكيركم، فمرحبا بكل نية همها الإصلاح والصلاح.