توظيف الرمز والأسطورة في الراب المغربي

إن المتأمل في أغاني بوز فلو سيتضح له جليا أن المغني لم يفلح في توظيف الاستعارات، علاوة على الأساطير والرمز في كتاباته، وهذا لا يخفي قوته في الكتابة التي تجبرك على إحترامه في نوع موسيقى يبدع فيه.
هذا ما حدث بشكل فوضوي وعبثي في الطراك الاخير المحذوف من منصة يوتيوب بعد سخط جمهوره، لأنه في حقيقة الأمر لم يتوفق مرة أخرى في إيصال ما يفكر فيه، فاكتنف الغموض طراك ضوزا(doza)… كما وقع للشاعر ادونيس حين أنتقد في قوله “البس الدهشة الاخيرة من جناح البعوضة او الفراشة” وفي هذا الصدد يقول محمد شحبمط “إن الأصل في الفلسفة كما قال أفلاطون هي الدهشة التي تعني نوع من القلق والحيرة إزاء الأشياء غير المألوفة والمبهمة للفكر، تولد نوع من الحيرة والشك للعقل، وتدفع الفيلسوف للتساؤل، وتقسم الوجدان بين التسليم والتشكيك…”
الغموض الذي يحاول أن يفسره بوز فلو بالقوة أحيانا يتحول الى ضعف.
من ناحية طراك _الضوزا_ الذي استهله بوز فلو بالعبثية حيث تطرق الى نشأة الكون من مناظير مختلفة منها ماهو علمي وما هو ديني انطلاقا من نظرية الانفجار الكبير مرورا بالاله الرسول(المسيحية) وصولا للنطفة (الاسلام) في سرد عبثي يبين الفوضى الذهنية التي يعرفها بوز فلو والتي جعلت عقله في حالة من التيه الوجداني تحتاج معه الى استرخاء ذهني وعضلي (الݣوزة فأتاي) باعتبار الكوزة عشبة لها مفعول استرخائي لحد الإصابة بالنوم.
إن واقعه أكثر إيلاما وحرقة ( نحكي الغسالي على اللي جرا لي) في ما مفاده أن واقعه وألمه ومعاناته تحتاج لأن تحكى، حتى أنه سيحاكي بها من سيقوم بتغسيله عند مماته وهنا غسال الموتى تفهم بمنظور آخر لا داعي لذكره…
ينتقل بنا من هاد الواقع العبثي المتسم بالفوضى إلى حدود دخول الفلسفة الى أفكاره (ضغط الكابوس ذاك الادراك دخل الاكسير خفية) هنا شبه الفلسفة بأنها اكسير الحياة الذي أعطاه معنى آخر ولكن في نفس الوقت زادت له من القلق المعرفي والفوضى الذهنية الشيء الكثير حيث يقول في هذا السياق (شغب يجول الدماغ) هاد الجملة الاخيرة هي التي تعطينا مفتاح القطعة الموسيقية، أن بوز فلو يعيش في قلق فكري دائم يجعله في معاناة وارتباكات دائمة.
هنا يصف بأن كل هذه الأفكار دخلت إلى دماغه( خلايا الدماغ وجيشها دخل حصان طروادة) هنا غير مفهوم توظيف الاسطورة والرمز هل هذه الأفكار دخلت سلبية أو ايجابية بحيث إذا نظرنا إلى طروادة من الواقع التاريخي سنفهم انها سلبية لانها ملحمة هوميروس التي سرد فيها قصة مدينة طروادة مأساوية وحصان طروادة هو خدعة استخدمها الاغريق الغزاة لاختراق حصون طروادة حيث صنعوا حصانا خشبيا وضعوه امام بوابتها وكان محملا بجيوش العدو من الداخل الأجوف وحين أدخله أهل المدينة خرج الجنود ليعيثوا فيهم تقتيلا….
أفكاره الفلسفية احيانا تؤدي به الى الموت او الى الوصول الى عالم غير العالم الواقعي ( شافني الملاك قالي عاوتاني شكون آنڤيتاك) في ما مفاده أن بوز فلو يعيش عالما مؤلما وسط أفكار عبثية انطلقت من نشأة الكون الى حدود اللحظة تغيبه عن واقعه بقوة التفكير فيها.
لينتقل بعد ذلك الى نقد استغلال الدين في السياسة واستعمال كلمة الله لإضفاء الشرعية على السلطة وممارستها، وبالتالي الخلط بين المقدس والمدنس من أجل تركيع الناس.
عندما نتحدث عن الرمز والأسطورة التي يوضفها الرابور في أغانيه فهذا يحيلنا الشعر العربي الحديث وبالضبط تجديد الرؤيا الحديث الذي عرف توظيف الرمز والاسطورة للتعبير عن مكنونات الذات الشاعرة وايصال الفكرة بشكل دراماتيكي. ليس من السهل أبدا توظيفهما إذا كنت لا تتوفر على خلفية فلسفية، دينية، ثقافية، وأدبية…هذه العناصر كلها متوفرة في بوز فلو ولكن في توظيفه لمعارفه يحاول أن يخرج سياق الرمز والاسطورة من وقعهما الزمكاني ليضعهما في واقعه المعاش، ويمكن اعتبار هذا خطأ فادحا، لأن الاستعارة هي تشبيه حذف أحد طرفيه وبالتالي فسياقك الزمكاني هو ما يجب أن ينقل الى زمكان مختلف، لتوضح الصورة السوسيوثقافية غير المتغيرة مع مرور الزمن وتغير المكان وأن المأساة واحدة أو الحدث واحد…
اترك تعليقاً