وجهة نظر

هارمي يكتب.. الحر بالغمزة: تساؤلات “مشرمل”

أتساءل أحيانا حينما أحاول الإقدام على كل عملية “كريساج” هل أفكر في العواقب والنتائج المتوقعة؟

هل الشخص الذي “سأشرمله” يمكن أن يعصي أوامري فيفقدني صوابي فيكون قد جنى على نفسه بطعنة قاتلة؟

ما يدريني أن الشخص الذي سأحاصره في أحد الزوايا المظلمة يمكن أن يفاجئني بطعنة مضادة قاتلة فأكون أنا الفريسة بدل أن أكون أنا المفترس؟

هل ستسلم الجرة في كل مرة، وأفوز بكنز أقل ما يحتويه هاتف محمول؟ أم سأقع يوما بين أيدي مجموعة من المواطنين يهشمون رأسي بالأحذية والحجارة وكل ما جاد به المكان مما يصلح آلة للقتل؟ ترى هل ينفعني التوسل والاستغاثة أو طلب “البوليس” كي ينقذني من ضرباتهم المميتة؟

ألا يمكن أن أقع يوما بيد “مالين الواشمة”، فألقى في غياهب السجون سنين معدودات وأنا الذي كنت أجول الأرض طولا وعرضا بين الشوارع والأزقة، باحثا عن الكنوز الظاهرة والباطنة، منتصرا في جميع الغزواتكأني عنترة بن شداد يمتطي “TMAX”؟

ألا يمكن أن تكون تلك المرأة العجوز التي سلبتها ما لديها وتركتها تحثو التراب على رأسها، ألا يمكن أن تكون قد استلفت ذلك المال بعد أن قبلت الأيدي والأرجل كي تجري عملية جراحية لابنها الذي تركته بين الحياة والموت؟

لربما تلك الدراجة النارية التي تركت صاحبها مدرجا في دماءه قد تكون هي الوسيلة الوحيدة التي توصله إلى عمله البعيد جدا والذي يعيل به أسرته الكبيرة العدد، والتي يستيقظ من أجلها قبل أن ينقشع ظلام الليل؟

قد تكون تلك الفتاة الجميلة التي “شرطت وجهها تشريطا” على موعد مع زواج قريب، فيفر عنها خطيبها هاربا من بشاعة وجهها المليء بالغرز والجروح النفسية الغائرة جراء ضياع فرصة الزواج للأبد؟

ترى لم لم يهتز قلبي يوما مؤنبا وصارخا في وجهي “إن ما تأكله أيها المعتوه هو طعام ممزوج بدماء الأبرياء وآهات النساء ودموع المفجوعين والضحايا المساكين”؟

ولماذا أطرح على نفسي هذه الأسئلة، فأنا أفعل ما أفعل وأنا مدرك للعواقب، عارف بالقانون الوضعي والإلهي، لكن ألا يحق لي أن أطرح عليكم أسئلتي وآهاتي؟

هل أنا الوحيد “اللي تانكريسي ” الناس وأسلبهم ما يملكون أم أن هناك آلاف النسخ مثلي يفعلون؟

أيكون بالضرورة من يحمل سيفا أو خنجرا أو سكينا أو هراوة هو وحده “المشرمل” أم أن هناك “كريساج ناعم” يمارسه أصحاب “الكرافاطات” حيث ينهبون أموالنا باسم الشرع والقانون؟

أليس هناك “كريساج بورجوازي” ينهب ثروات البلاد برا وبحرا وجوا وتحت الأرض، وتمارسه عصابة معروفة دون أن يطاردها أحد، أو أن يهددها أحد، أو تقوم عليها القيامة التي أقامها علينا سكان الكوكب الأزرق؟

هل أنا المسؤول عما صرت عليه أم أنكم كلكم ساهمتم فيما أنا عليه مما تنكرونه علي وعلى الاف النسخ مني؟

أسألتم يوما عن عيشتي في علبة قصديرية مثل علبة السردين أتجمد فيها تجمدا ثم أشوى شيا بين رحلتي الشتاء والصيف؟
أتفقدتم أحوالي حينما يدخل على رجل اسمه “أب” ورائحة الخمر تفوح من فمه الذي يسيل كلاما فاحشا قبل أن يسيل لعابا وقيئا كريها على ملابسه المرقعة، فيشبعني ضربا بعد أن أشبعني جوعا وقهرا؟

أتوجهتم يوما إلى مكان يسمونه “مدرسة” وشاهدتم كيف كنا نتكدس فيها مثل السردين حيث تتجول “القملة” من رأس إلى رأس دون أن تخشى على نفسها السقوط؟

أتدخلتم لأجلي حينما قدم لي “البزناز” وأنا يافع صغير “الكالة” و “المعجون” ثم “الحشيش” ثم “البلوة الحمرا” “فبوكليب لكحل” مجانا، وبعد أن سقطت في حبال الإدمان حلبني حلب النعاج؟

من أهتز ضميره قلقا على مصيري حينما رحلت والدتي تحمل في قلبها آلام الدنيا جراء ما لاقته من عنف وفقر وحرمان، وطردت أنا من البيت فصرت أفترش الواد الحار وألتحف السماء ومعدتي تأكل بعضها وتسمع لها خوارا من عضة الجوع؟

كيف تريدونني ألا أكون هكذا وأنا أشاهد البطون المنتفخة والسيارات الفارهة التي تقف أما الأسواق الممتازة تفتح أفواه صناديقها الخلفية لتبتلع ما لذ وطاب من السلع والبضائع التي تكفي لإطعام مدينة، وأنا أبحث عن كسرة خبز في “طاروديال الزبل”؟

ألم تعلمني تلفزاتكم الموقرة كيف “أشرمل” عباد الله عبر برامجها المليئة بالعنف والنهب والكراهية وتعلمني كيف أصبح أخطر المجرمين، كيف أتقن فن التمثيل في مسرح الجريمة، فتعلمت منها في صغري مالم أتعلمه في الشارع وأنا عاقل راشد؟

ألم تلاحظوا أن بعض من تدعونهم للقبض علينا هم الذين يحمون بعضنا بمقابل شهري أو أسبوعي أو جزافي حتى، وبعضهم لا يجرؤ على الاقتراب منا، وبعضهم نفر منه لأنه لن يرحمنا إذا سقطنا في قبضته؟

أليس من الغباء أن يدرسوننا حب الوطن والتضحية من أجله، بينما بعضكم لا يحب إلا مال الوطن، وكراسي الوطن، وفيلات الوطن، وهكتارت الوطن، وسيارات الوطن، وأسفار الوطن و….؟

هل أنا وحدي الذي تطلبون مني حب الوطن ؟ لم أنا وحدي الذي أسأل عما أفعل وهم لا يسألون؟
لم لا يعطونني كرامة مفقودة، وحقا مهضوما، وشغلا محمودا، فأنظر هل أستطيع التخلص من إدماني على “الكريساج” أم لا؟

ختاما أطرح سؤالا أخيرا: هل يمكن أن تحققوا “زيرو كريساج” ببوليسي وزرواطة أم أن الحل في الإجابة على هذه الأسئلة كلها؟