عشوائية دعم متضرري فيضانات الجنوب الشرقي تثير غضب ساكنة تاكونيت وكتاوة

إن المقاربة الموضوعية للقضايا الاجتماعية بشكل عام، لا تستقيم إلا من خلال البحث في العلاقة الجوهرية بين الفعل الإنساني، والأرضية الاجتماعية التي نبع منها ويوجه إليها هذا الفعل. ولعل الخدمة الاجتماعية باعتبارها فعل إنساني تترجم رغبة الفاعل الاجتماعي في تقديم خدمة إنسانية هادفة وموجهة إلى فئة اجتماعية في حاجة إلى الرعاية والدعم عامة.
ولكن حينما يختل عنصر من هذه العناصر، قد يتحول هذا العمل الاحساني إلى عمل مخالف للغايات الكبرى التي نشأ من أجلها. وبالتالي قد يعصف بكل المحاولات الرامية إلى تنمية المجتمع وتطويره، وقد يؤدي إلى اختلال في النسق العام للقيم الإنسانية، التي تقوم مند الزمن الغابر على مبادئ التعاون والتضامن بين البشر.
فالدولة المغربية على غرار بعض الدول الاوربية، أعطت أهمية بالغة لمجال العمل الاجتماعي مند القدم : خاصة مع تأسيس مؤسسة التعاون الوطني سنة 1957، وتنزيل سياسة التقويم الهيكلي في التسعينات، مرورا بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005…، وصولا إلى ورش الحماية الاجتماعية…وهذا إن دل إنما يدل على الإرادة القوية للدولة في تحقيق الرعاية الاجتماعية، والتخفيف من الشهاشة والفقر الذي يخيم على فئة عريضة من المجتمع.
وبالرغم من هذه الرغبة الجامحة، إلا أن الخدمة الاجتماعية داخل المجتمع المغربي لا تزال تتخبط بين عشوائية التنزيل وسوء النية الفعلية في تقديم رعاية اجتماعية كما هو مسطر لها في برامج الدولة. لهذا نتساءل حول جوهر المشكل، فأين يكمن؟ وهل المسألة ترتبط بغياب التأطير للفاعل الاجتماعي أم أن السياسات الاجتماعية في جوهرها تفتقد لعنصر الواقعية؟ وما دور الفاعل السياسي والأحزاب في تنزيل السياسات الاجتماعية في هذا المجال؟ هل الأحزاب السياسة تحمل إرادة كافية لتطوير العمل الاجتماعي بالمغرب أم أنها تستغل هذه السياسة لخدمة مصالحها الخاصة؟
لمقاربة هذا الاشكال، يمكن الغوص في لب الفعل الاجتماعي الإنساني من خلال استحضار نموذج الدعم الاجتماعي الخاص بالفئة المتضررة بفيضانات الجنوب الشرقي “طاطا” و“زاكورة“. خاصة جماعة “تاكونيت و“كتاوة“. حيث تتوفر المعطيات الموضوعية حول عمق المشكل.
فالدولة أبدت أرادتها الفعلية في هذا المجال من خلال عملها بشكل مباشر على صرف الدعم للأسر المتضررة، وذلك عبر تقديم مبلغ 140000 درهم كمساعدة مادية للفئة التي هدمت منازلها بشكل شبه كليا، ومبلغ 80000 درهم للفئة التي تعرضت منازلها للتشقق والضرر. إلى هنا تبدو الإرادة شفافة وواضحة من حيث المبدأ. لكن المعضلة تتجلى في تحديد طبيعة تلك الأسر، وفرز المتضررة من غيرها. حيث استفادت أسر غير متضررة في مقابل أخرى توجد في أسفل درجة السلم الاجتماعية (معوزة) لم تستفد الى حدود كتابة هذه الاسطر. هنا يمكن التساؤل حول دور المثقف والسياسي والجمعوي تجاه هذا المشكل. وهل هناك مقاربة تشاركية في عملية إحصاء الفئة المتضررة من غيرها أم أن السلطات المحلية عبر لجنها (بشكل أحادي) حسمت في هذا الامر مسبقا؟
سنجد الإجابة ولو بشكل جزئي في الحقيقة التي تؤول إلى أن عملية جرد الأسر المتضررة تمت بشكل سري، ويقال أنها خضعت لمنطق الإنتماء الحزبي، والولاء السياسي من جهة، ومن جهة أخرى يمكن القول أنها لم تسلم من الذاتية والقرابة والحسابات الشخصية بين الافراد. وهذا ما أجج فتيل الاحتقان الشعبي داخل ساكنة جماعة “تاكونيت” و“كتاوة ” حيث نظمت وقفات تنديدية بهذا الوضع، ووجهت أصابع الاتهام إلى السلطات المكلفة وإلى بعض ممثلين الأحزاب السياسية.
ومنه، يمكن القول إن هناك غياب نية سليمة في تنزيل السياسات العمومية في مجال الخدمة الاجتماعية بتلك المناطق. بالإضافة إلى ضعف الوعي السياسي في صفوف الفاعل الجمعوي والرجل السياسي، حيث أمسى العمل الاجتماعي يخدم شعبية الأحزاب السياسية، ويستغل عفوية تلك الفئة المحتاجة للرعاية الاجتماعية من أجل تبليط الطريق مستقبلا للعملية الانتخابية.
وبناء عليه يمكن الإشارة إلى ضرورة تفعيل مسطرة ربط المسؤولية بالمحاسبة، ودق نقوس الخطر لأن هناك تبذير للمال العام واستغلاله بذريعة تنزيل الأوراش الاجتماعية كسياسات سامية عمومية رامية. وهذه العشوائية والفوضى لا تقتصر فقط على هذا المجال، إنما تتجاوزه وتشمل جل المشاريع التنموية التي تستفيد منها جماعة “تاكونيت “وإقليم “زاكورة” عامة. وما يزيد من هذا الاستغلال هو غياب الدور الأساسي الذي من المفترض أن يقوم به المجلس الأعلى للحسابات.
اترك تعليقاً