منوعات

حسن طارق يكتب عن الملك وابن كيران والغضب

في أحد كلاسيكيات الفكر السياسي، حلل المؤرخ الألماني الأصل «Ernst Kantorowicz»، في كتاب شهير حول «جَسَدا الملك» (1957) الفرق بين جسدين مُختلفين للملك، الجسد الملكي الطبيعي، المُعرّض للفناء، الخاضع لأعراض الحياة والموت ولأثر الطفولة والشيخوخة، القابل للمرض والعياء، ثم الجسد الملكي فوق الطبيعي، الخالد، المُقاوم للزمن ولمظاهر الضعف والوهن، المُجسد الكامل للمملكة.فكرة امتلاك الملك لجسدين مُتَجاوريْنِ ومُتمايزيْنِ – جسد شخصي عابر وجسد سياسي أبدي – التي طورها هذا الأستاذ الجامعي، الذي درّس في أعرق كليات أمريكا، كثفت أطروحة متكاملة في قراءة وتحليل رمزية السلطة السياسية في العصر الوسيط، وألهمت فيما بعد العديد من الباحثين في التاريخ والأنتروبولوجيا وعلم السياسية.

استحضرت هذا العمل بمناسبة الحديث الرائج حول “عضبة ملكية “محتملة اتجاه رئيس الحكومة.
السؤال البسيط الذي يوحي به هذا الربط هو :هل العلاقة بين الملك و بين رئيس الحكومة تستحمل التوصيفات القادمة من سجل العاطفة ؛لكي تكيف بسهولة كعلاقة حب أو مودة أو استلطاف أو جفاء او كراهية ،تخترقها مشاعر الغضب أو الرضى أو ما بينهما من صنوف الحياد أو المزاج العاطفي.

في الظاهر نحن أمام علاقة بين رجلين ،علاقة محكومة بالشرط الإنساني.

لكن في النهاية ،و بحكم سياق العلاقة و طبيعتها واطارها و موضوعها ،تبقى علاقة مؤسساتية محاطة بالدستور والقانون والأعراف و التقاليد .

الدستور و القوانين التنظيمية حددت بدقة التقاطعات بين المؤسسة الملكية وبين رئاسة الحكومة .

وإذا كان بنكيران قد حرص على عدم تكييف العلاقة كحالة تعايش ،كما هو معمول به في التجربة الفرنسية ،مفضلا اعتبارها علاقة رئاسية تراتبية ،فإنه في ذلك لم يبتعد كثيرا عن نص الدستور،رغم أنه كثيرا ما صرح بأن علاقته بالملك غير محددة بقوائم الوثيقة الدستوريه .

و من جهته حرص الملك على بصم العلاقة بطابع مؤسساتي “مهني “و موضوعي .

لذلك الحديث عن الغضب و ما شابهه، يحيل على منطق بعيد عن منطق الدولة والمؤسسات ،المبنية على القانون والمساطر والعلاقات الموضوعية.

الملك /الشخص يحب ويكره و يغضب ،لكن الملك /المؤسسة يترك المزاج جانبا لان الامر بتعلق بالدولة.

الدولة التي يذكرنا “هيغل “أنها التجسيد الأمثل ل”العقل”.