وجهة نظر

الترشيح والترشح.. أمانة ومسؤولية

عند كل انتخابات برلمانية أو جماعية يكثر الحديث عن مسألة في غاية الخطورة والتعقيد، وهو موضوع الترشح لهذه المهمة السياسية الكبيرة، والأخطر منها طريقة ترشيح الرجال والنساء وتزكيتهم، ففي هذا الوقت يتسارع كل الأحزاب من أجل البحث عن المرشحين والمرشحات لكي يكونوا ضمن اللائحة المرشحة للتنافس على المقاعد للانتخابية، وهناك صراع كبير عند بعض الأحزاب في منح التزكية أو بيعها، أو بحث بعض الناس عن شراء تزكية في حزب معين، بحيث لا يهمه في ذلك التوجه السياسي للحزب أو إديولوجيته أو برنامجه الانتخابي ومسيرته النضالية.

فالترشح أولا ينبغي أن يكون بهدف خدمة الوطن بإخلاص واستماتة من أجل إصلاح أحوال المواطنين، والإسهام في تنمية وتقدم البلاد، وتوفير الحاجيات الضرورية للناس والسعي لتحقيق النفع وقضاء مصالح المغاربة قاطبة، ولا يكون الترشح فقط هو البحث عن المصالح الذاتية أو التفكير في نهب أموال الناس وابتزازهم من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة أو التمتع بالكثير من الامتيازات والسلط، فهذه الأمور كلها غير مشروعة تساهم في تعطيل مصالح العباد وعرقلة مسار تنمية البلاد.

لذلك ينبغي على الأحزاب المغربية أن تمنح التزكية أو ترشح لهذه المهمة السياسية النبيلة لمن يستحقها وتوفرت فيه شروط الترشح لمسؤولية خدمة الوطن والأمة، فهيآت الترشيح المانحة لتزكية الترشح هي أول بوابة لمحاربة الفساد والمفسدين، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : “المستشار مؤتمن” فمن الواجب على الهيآت المستشارة أن تمنح هذه التزكية على أساس الأمانة والنزاهة والمسؤولية واختيار الأصلح، وقطع الطريق على الانتهازيين وأصحاب الذمم المريضة والأيادي المتسخة، ونزع صلاحية الترشح من المنتخبين الذين ثبت في حقهم التهاون أو الخيانة أو الضعف في أداء مهامهم، وكسر شهوة البقاء والخلود لأنها آفة قبيحة في ثقافة وسلوك المنتخبين، ولهذا فإن الترشح والترشيح كلاهما مسؤولية وأمانة لا يجوز منحهما إلا لمن يستحقها .

وقد جاء في الأثر أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: “يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي و ندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها” فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لصاحبه سبب عدم تزكيته لهذه المهمة التي طلبها بصدق، وأشار إلى عظم شأنها وخطورة تحملها ومسؤولية من تحملها، لأن منح مهمة القيام على شؤون العباد والبلاد أمانة عظيمة ينبغي تقديم الأصلح والأنفع لها، ولأن توسيد الأمر إلى غير أهله خيانة وإفساد، كمال قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها؟ قال: “إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”.

فالمنتخب المرشح يجب أن يتوفر فيه شرط القوة والأمانة، فالقوي الأمين هو الرجل الأصلح لهذه المسؤولية الكبيرة، والقوة هنا تعني الكفاءة والمؤهلات العلمية والقدرات الذاتية التي تأهل المرشح إلى نيل شرف خدمة المجتمع من خلال مقعده الانتخابي البرلماني أو الجماعي، والأمانة تعني التفاني والإخلاص في رعاية مصالح العباد والبلاد والصدق في أداء المهمة السياسية على الوجه الذي ينبغي، بدون تماطل أو خيانة أو استغلال لنفوذ أو انتهاز لمصالح فردية غير مشروعة، وهذه القيم والصفات النبيلة تلخصها القولة الأصيلة المشهورة في الثقافة المغربية ألا وهي ” المعقول” فهذه العبارة تختزل في طياتها مجموعة من القيم النبيلة مثل القوة والأمانة والصدق والإحسان والتقوى..