وجهة نظر

عودوا إلى دياركم انتهى الربيع

تأملات في فشل محاولة انقلاب تركيا و مفارقات السياق الدولي و الإقليمي

آمهل هي نهاية الفوضى الخلاقة في العالم و سقوط أوراق أكذوبة الربيع العربي التي كانت وراء إسقاط رؤساء دول وازنة في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا؟؟؟

هل هي الرسالة المشفرة التي تبعث بها الأحداث المتسارعة في أوروبا بدءا من تقرير شلكوت إلى فشل محاولة انقلاب تركيا ؟؟؟

هل تحركت الآلة الإعلامية الرهيبة إياها في الاتجاه المعاكس لتمسح صور الثورات في الميادين ضد القادة المخلوعين في العراق و مصر و ليبيا و تونس، تحت ذريعة الربيع الديمقراطي، و ترسخ نمطا جديدا لثورات الميادين يدشنها الأتراك في الالتفاف على رئيسهم؟؟؟

هل تتسارع الوساطات لتثبيت بشار الأسد في السلطة بعد طول مقاومة و شد و شذب مع داعش؟؟؟

هل فشلت كل سياسات الإدماج للمهاجرين في أوروبا و انتصر اليمين في سياساته الفئوية و زرع الخوف من المهاجرين تحت أي ذريعة للهجرة ؟؟؟

لماذا نجحت رابعة أردوغان في حين فشلت رابعة مرسي، هل انتهى دور الغوغاء في الإقليم و أصبح الغرب بحاجة لدور جديد تلعبه شعوب المنطقة لتثبيتهم في بلدانهم ؟؟؟

هل يشهر الغرب الورقة الحمراء في وجه كبار المعارضين لأنظمة بلدانهم في الشرق الأوسط؟؟؟

هل مجزرة نيس بعد أيام معدودة من المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية بباريس، ثم توجيه أصابع الاتهام إلى كولن المعارض التركي ببنسلفانيا الأمريكية و الحديث عن تسليمه و ترحيله لبلاده هي بداية طرد اللاجئين السياسيين و إشهار ورقة العودة في وجه كبار المهاجرين و المؤطرين غير الرسميين للجاليات العربية و الإسلامية في الخارج ؟؟؟

مما لا شك فيه أن فشل محاولة الانقلاب في تركيا تحتاج إلى وقفة تأمل عميقة، و مما لا جدال فيه أيضا أن ذلك لا يتأتى بمعزل عن السياقات الدولية و الإقليمية الحالية؛

و إذا كان قد غلب طابع التهليل و الانجراف العاطفي على مواقع التواصل الاجتماعي و الكثير من القنوات الإعلامية الدولية و الخاصة بين مؤيدين لمحاولةالانقلاب في ساعاته الأولى قبل أن تبدو بوادر الفشل واضحة؛ فإن الصور التي عبرت القارات للشعب التركي في الشارع لمواجهة دبابات الانقلاب و عسكره بشكل بطولي يشارف الخرافة، تلبية لنداء الرئيس أردوغان، فإن طابع التهليل و الشحن العاطفي استمر إلى حدود الآن عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما في البلدان الإسلامية..مما يجعلنا نتساءل أي آلة إعلامية تلك التي تحركت، لا سيما أن نداء الرئيس التركي للنزول للميادين مرره عبر قناة للتواصل الاجتماعي و هي الأداة ذاتها التي استعملتها آنفا في العقد الأخير شعوب المنطقة للنزول إلى الميادين لكن ضد حكامهم!؟؟؟

كما أن المتأمل في هذا الحدث سيجده يكتسي طابعا يكاد يجعله تتمة لتقرير شيلكوت الذي جعل طوني بلير في مواجهة مع غضب الشرق و الغرب على حد السواء، هذا التقرير الذي مع أنه لم يأت بجديد إلا أنه استأثر بوسائل الإعلام و مع أنه لم يحدث الأثر المرغوب فيه عبر قنوات التواصل الاجتماعي، إلا أنه قدم صدام حسين بشكل جديد و العراق أيضا، ليحصد تعاطفا كبيرا جعل المعارضة العراقية في عهد الانقضاض على العراق أقرب إلى العمالة منها إلى النظال؛ الشيء الذي أصبح يطرح ضرورة إعادة النظر فى المواقف تجاه المخلوعين بصفة عامة و تجاه بشار الأسد في سوريا بشكل خاص مما يمهد لمآل جديد و لم يكن في الحسبان و لا أدل على ذلك من بداية المفاوضات التي دخلت معه فيها تركيا قبيل محاولة الانقلاب الفاشل.

و إذا كانت هذه الإرهاصات في باب الاحتمال بعد هذا التقرير الذي لم يجر أيا من المسؤولين عن خراب العراق إلى القضاء، فإن صور إلتفاف الشعب التركي في الميادين حول أردوغان يجعلها في باب المفروغ منه و المبشر به و لا شك؛ كما تجعلنا أمام جيل جديد من ثورات الميادين تثبت الشعوب و الحكام على حد سواء في بلدانهم عوض التخريب و التشريد المؤديان إلى الهجرات الجماعية.

حدث إقليمي آخر يصب في نفس آنية الحدث و يحمل بصمات شبيهة، تصب في نفس الأطروحة و هو حدث نيس الفرنسية؛ ففي الوقت الذي ترسخت الهوية الأوروبية بأصول من الهجرة لكل مرتكبي العمليات الإرهابية التي عرفتها أوروبا، شهدت نيس فاجعتها بنفس المواصفات لكن بجيل جديد من الإرهاب لا رصاص فيه؛ و لم يفوت المتتبعون ربط هذا الحدث بمؤتمر المعارضة الإيرانية السنوي الذي احتضنته باريس و حضي بتغطية الإعلام الدولي، فبدت فاجعة نيس أقرب إلى معاقبة فرنسا منها حادثا إرهابيا كالسوالف؛ و قد تم تسويق ذلك في مواقع التواصل لكن أيضا ليس بما يكفي أو يفي بهذا الغرض؛ إلا أن اتهام أردوغان بشكل مباشر لكولن بخصوص محاولة الانقلاب الفاشلة و اقتراح الولايات المتحدة الأمريكية ترحيله و تسليمه لبلده تركيا حتى قبل أن تطلب ذلك، يوضح الصورة و يجعلها أكمل بخصوص ردع معارضات الأنظمة العالمية و تواجدها على أراضي أوروبا وأمريكا مع أنها كانت تتلقفهم كغنائم فيما مضى لاستعمالهم و تموقع هذه المعارضات عقب ألعوبة الربيع العربي في بلدانهم المخربة هي خير دليل.

و لعلها بداية مرحلة طرد اللاجئين السياسيين و تخويف المعارضين الباقين في بلدانهم من استعمال هذه الورقة مستقبلا.

لذلك و لهذه الملاحظات و أخرى نتركها لحينها فإننا نظن أنها النهاية الرسمية لإرادة الغرب في ممارسة سياسة الفوضى الخلاقة كما أن شفرة رسالة فشل محاولة الانقلاب في تركيا للعالم العربي و دول إفريقيا و الشرق الأوسط و حتى آسيا هي :

“عودوا لأوطانكم انتهت أكذوبة الربيع”

لكن السؤال الذي يبقى معلقا هو هل ستستجيب الشعوب و تعانق أكاذيب أخرى وفية لصناعة آلة الإعلام الرهيبة إياها و التي تتاجر في الأحلام الممنوعة للشعوب؟؟؟

ـــــــ

كاتبة ومحللة سياسية