هيئة الرشوة ترد على وهبي: منع الجمعيات من وضع شكايات ضد الفساد مخالف للدستور

أكدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن منع الجمعيات من وضع شكايات ضد جرائم الفساد في مشروع قانون المسطرة الجنائية “يشكل تضييقا على ولوج فئات من المعنيين مباشرة إلى القضاء، في مخالفة صريحة لروح ومقصود الدستور بهذا الخصوص”.
واعتبرت الهيئة أن “التعديل المدرج على المادة 3 يشكل تضييقا على ولوج فئات من المعنيين مباشرة إلى القضاء، في مخالفة صريحة لروح ومقصود الدستور بهذا الخصوص، وفي تعارض مع مقتضيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي أوصت بتوسيع مفهوم المبلِّغ وحمايته كي يشمل، بالإضافة إلى الشاهد والضحية والخبير، الشخصَ الذاتي أو المعنوي؛ سواء كان موظفا عموميا أو مستخدما بالقطاع الخاص أو شخصا عاديا، وسواء كان هيئة مجتمعية أو منظمة غير حكومية أو هيئة مهنية أو شركة”.
جاء ذلك خلال عرض قدمه خالد اليعقوبي مدير قطب المقرر العام في الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، خلال اليوم الدراسي الذي نظم اليوم الخميس بمجلس النواب حول مشروع قانون المسطرة الجنائية.
وأوصت الهيئة بحذف الفقرتين السابعة والثامنة من المادة 3، تجاوبا مع مقصود الدستور وتلاؤما مع الاتفاقية الأممية، بما يفسح المجال أمام مختلف فئات المجتمع لتقديم شكاياتهم وتبليغاتهم المثبتة بالقرائن إلى القضاء كي يضطلع بدوره في إجراء الأبحاث وإطلاق المتابعات عند الاقتضاء.
كما أكدت الهيئة على أن التعديل المقترح على المادة 21، والمتعلق بإمكانية استعانة ضباط الشرطة القضائية بالضباط والموظفين ذوي الاختصاص العاملين بالإدارات، يشكل مدخلا تشريعيا ملائما لتثبيت متطلبات التعاون مع جهازها المختص في البحث والتحري وإنجاز المحاضر الموثوقة، وذلك بإدراج الهيئة ضمن الجهات المعنية بهذه الاستعانة، تحصينا لمقومات الأمن القانوني، خاصة في جانبه المتعلق بانسجام وتماسك التشريعات، وضمان نجاعة تفعيلها.
من جهة ثانية، اعتبرت الهيئة أنه “إذا كانت المادة 82-10 تخول للسلطة القضائية تعديل أو سحب تدابير الحماية، فإنها تركت مجال السلطة التقديرية الممنوحة لها بهذا الخصوص بدون قيد، عندما لم تحدِّد الحالات التي تستدعي هذا الأمر، وعندما لم تُتِح الإمكانية أمام فئة الضحايا والخبراء والشهود الذين يعتبرون أطرافا في الدعوى العمومية، للطعن في هذا القرار، خاصة في الحالات التي يتم فيها اعتماد تدابير الحماية بناء على طلب من المعنيين كدافع مسبق وأساسي لانخراطهم في مسار التشكي أمام القضاء؛ الأمر الذي يعتبر إجهازا على حقٍّ مخول بمقتضى القانون”.
“كما أن تعديل أو سحب تدابير الحماية بالنسبة لفئة المبلغين الذين تخوَّل لهم هذه الحماية بناء على طلبهم، يضيف اليعقوبي، ينبغي أن يكون بموافقتهم، لأنهم ليسوا أطرافا في الدعوى وإنما ساقهم إليها واجب القيام بالتبليغ؛ بما يجعل إخضاعهم القسري لإجراءات تعديل أو سحب الحماية قرارا قد يتنافى مع مبادئ الحق والإنصاف”.
من جهة أخرى، أشار المتحدث ذاته إلى أن “الإشكال الذي تطرحه هذه المقتضيات يبقى مرتبطا بالتبليغ الذي يمكن أن يضطلع به الموظفون، بالنسبة لجرائم الفساد؛ حيث إن عدم التنصيص على الجهة التي يتعين التبليغ لديها للاستفادة من المقتضيات المتعلقة بعدم المتابعة، سواء تأديبيا أو جنائيا، على أساس إفشاء السر المهني، يجعل هذه الاستفادة مفتوحة على كل التأويلات، مما قد يعرض الموظف المعني إلى خطر المتابعة”، وفق تعبيره.
لأجل ذلك، يتعين، حسب اليعقوبي، التنصيص على الهيئة القضائية وهيئات ومؤسسات أشخاص القانون العام التي تنص قوانينها على تلقي الشكايات أو التبليغات، كجهات حصرية يُلجَأ للتبليغ لديها من طرف الموظفين، للاستفادة من عدم متابعتهم تأديبيا أو جنائيا على أساس إفشاء السر المهني.
من جهة أخرى، أوصت الهيئة بضرورة “مراجعة مبدأ “حسن النية“ المنصوص عليه كشرط لاستفادة المبلغين من تدابير الحماية، وذلك بالتأسي ببعض التشريعات الدولية التي لا تعتد بسوء النية إذا كانت التبليغات تتضمن ادعاءات معقولة بالاشتباه، وحتى في حالة دفع أحد الأطراف بوجود سوء نية لدى المبلغ، فإن عبء إثبات الطابع الكيدي للتبليغ يقع على المبلَّغ عنه، في حين لا يتحمل المبلِّغ عبء إثبات حسن نيته”، على حد قولها،
كما أوصت الهيئة، تعزيزا لضمانات حماية المبلغين عن جرائم الفساد التي يُستدل عليها عادة بالوثائق والعقود، بالتنصيص على انتفاء المسؤولية الجنائية عن المبلغين الذين يضطرون أحيانا، استثناء من قوانين السرية، لأخذ نسخ ورقية أو إلكترونية للمستندات التي من شأنها أن تدعم تبليغاتهم وفي نفس الوقت تحميهم من كل متابعة على أساس الوشاية الكاذبة. وذلك إسوة ببعض التشريعات الدولية في هذا المجال.
وبخصوص ضبط وتعزيز استعمال الوسائل التكنولوجية في الكشف عن جرائم الفساد، ثمنت الهيئة بوجاهة التعديل المقترح على المادة 108، والمتمثل في إدراج جرائم الفساد ضمن لائحة الجرائم المشمولة بإعمال التقنيات الحديثة للبحث والتحري، كما أوصت الهيئة بأهمية استبدال الصيغة المقترحة بصيغة تضمن استيعاب جميع جرائم الفساد، سواء المنصوص عليها في القانون الجنائي أو القوانين الخاصة.
كما أوصت الهيئة بملاءمة المقتضيات القانونية العامة التي تضبط عمل قاضي التحقيق مع مقترحات الهيئة المقدمة بخصوص التعديل المطروح على المادتين 83 و93 من قانون المسطرة الجنائية؛ بما يفتح المجال لوصول الجرائم الموصوفة بالجنايات والجنح إلى قاضي التحقيق، ويتيح بالتالي أمامه إمكانية إعمال صلاحياته في إعطاء الأمر بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة أشكال الاتصالات وفقا للمادة 108.
ولتدعيم سلطة قاضي التحقيق بهذا الخصوص، أوصت الهيئة بأهمية التفاعل الإيجابي مع قرارات المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) التي انتصرت لسلطة قاضي التحقيق في الإذن بإعمال مسطرة التقاط المكالمات دون تضييق أو شرط، وذلك بالتنصيص الصريح على السلطة التقديرية لهذا الأخير في الإذن بإعمال التقنيات الحديثة في البحث والتحري دونما حاجة إلى الحصول على ملتمس من النيابة العامة في هذا الشأن.
وضمانا للتوازن المطلوب بين حماية حق الأفراد في الخصوصية وحماية حق المجتمع في محاربة الجريمة ومعاقبة مرتكبيها، أوصت الهيئة بأهمية أن يسير المشرع في اتجاه التثبيت القانوني لمبدأ استيعاب الإذن بالتقاط المكالمات الخاصة بإحدى أفعال الفساد، لجميع الجرائم المندرجة ضمن هذه الأفعال، سواء تلك المنصوص عليها في القانون الجنائي أو في قوانين خاصة.
واعتبرت أن “هذا اختيار من شأنه أن يصون مشروعية الدليل ومبدأَ تناسبه، ويسايرَ منظور الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد في تأكيدها على الصلات القائمة بين أفعال الفساد، وبينها وبين الجريمة الاقتصادية بشكل خاص، كما من شأنه أن يتفاعل موضوعيا مع مفهوم الفساد كما هو متعارف عليه لدى المنظمات الدولية المعنية، وكذا مع المنظور الفقهي الذي يعتبر جرائم الفساد تشكل بنية متكاملة من الأفعال التي تشترك مع بعضها في مجموعة من القواسم المشتركة”.
تعليقات الزوار
مصيبة الفساد تضغط بقوه على المواطنين المغاربة البسطاء.