هيئة الرشوة تقدم توصياتها لمكافحة الفساد في المسطرة الجنائية

قدمت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها مجموعة من التوصيات من أجل ملاءمة قانون المسطرة الجنائية مع المتطلبات الإجرائية لمكافحة جرائم الفساد، من بينها تعزيز دور قاضي التحقيق في جرائم الفساد وحذف مبدأ التقادم.
جاء ذلك خلال عرض قدمه خالد اليعقوبي مدير قطب المقرر العام في الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، خلال اليوم الدراسي الذي نظم أمس الخميس بمجلس النواب حول مشروع قانون المسطرة الجنائية.
تعليق العمل بتقادم جرائم الفساد
أوضحت الهيئة أنه “باستقرائها للاتفاقيات ذات الصلة التي صادق عليها المغرب، وبعد استظهارها لبعض الاجتهادات القضائية الوطنية والدولية التي سارت في اتجاه اعتبار تاريخ اكتشاف جرائم الفساد ومعاينتها أو تاريخ مغادرة المشتبه فيه لوظيفته هو التاريخ المحتسب كبداية للتقادم، أوصت الهيئة بتوجيه الجهود نحو تحويلها إلى قواعد قانونية وإدراجها في قانون المسطرة الجنائية كاستثناء من القواعد العامة للتقادم”.
ودعت الهيئة لـ”تعليق العمل بالتقادم في جرائم الفساد، أو على الأقل احتساب سريانه بالنسبة لهذه الجرائم ابتداء من تاريخ اكتشافها، وكذا ابتداء من ترك الوظيفة بأي شكل من الأشكال، باعتبار الاستمرار في الوظائف يشكل فرصة للتستر على جرائم الفساد وإخفائها، مع التأسي في هذا الاختيار ببعض التشريعات الدولية التي اعتمدت معايير موضوعية لضمان عدم إفلات مرتكبي جرائم الفساد من المتابعة والعقاب”.
وعلاقة بالإشكاليات التي يطرحها مبدأ التقادم في جرائم الفساد، وقفت الهيئة على الإشكاليات التي تطرحها الآجال القانونية المحددة لتقادم العقوبات المطبقة على هذه الجرائم؛ حيث اعتبرت أن سقوط عقوبة المصادرة بالتقادم أمر غير مستساغ، لأن الممتلكات موضوع هذه المصادرة تصبح، بمقتضى الحكم النهائي الصادر في شأنها، ملكا للدولة ومندرجا ضمن حقوقها طبقا لمقتضيات الفصل 42 من مدونة القانون الجنائي. وكما هو معلوم، فإن الحقوق بشكل عام، وعلى وجه الخصوص حقوق الدولة، لا تسقط بالتقادم كما هو مقرر فقهيا.
كما اعتبرت أنه “من غير المعقول في الدعوى العمومية المستوعبة للدعوى المدنية التابعة أن يستفيد المتضررون الذين صدر حكم الرد والإرجاع لصالحهم، من مدة تقادم تصل إلى 30 سنة، لكونهم يخضعون لمقتضيات التقادم المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، مقابل عدم استفادة أصحاب الحق في الأموال المعتدى عليها والذين صدر حكم المصادرة لصالحهم في نفس القضية، إلا من مدة تقادم تصل في أقصى الحالات، أي العقوبة الجنائية، إلى خمس عشرة سنة، علما بأن المبدأ الفقهي المؤطر للعقوبتين معا هو إعادة الأموال والمنافع إلى نصابها وإرجاعها إلى وضعها الأصلي وإلى أصحابها الحقيقيين”.
و”لكل هذه الاعتبارات، وتحصينا لعقوبة المصادرة، وحماية لحق الدولة في أموالها المعتدى عليها، يتعين، حسب اليعقوبي، استثناءُ عقوبة المصادرة من مقتضيات التقادم المنصوص عليها في العقوبات، وذلك إما بالتنصيص على تعليق العمل به بالنسبة لهذه العقوبة، وإما بالتنصيص على مدة مساوية للتقادم المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية بالنسبة للأحكام المتعلقة برد وإرجاع الأموال إلى المتضررين المطالبين بها”.
و”لضبط مبدأ انقطاع أمد التقادم، أكدت الهيئة على مطلب التثبيت النصي للممارسة الجاري بها العمل في هذا الشأن، والمتمثلة في اعتبار إجراءات البحث التمهيدي قاطعة للتقادم؛ حيث نبهت إلى كون هذه الممارسة التي يجري بها العمل لقطع أمد التقادم توفر فرصا أفضل لحماية الأموال العامة وكذا حماية المتضررين والمشتكين خاصة من الجنح، وتَحُول دون إفلات المجرمين من المتابعة والعقاب؛ بما يجعلها في حاجة إلى تثبيت نصي صريح يؤكد على اعتبار إجراءات البحث التمهيدي والأوامر التي تصدرها النيابة العامة في هذه المرحلة باعتبارها من مكونات السلطة القضائية، إجراءات قاطعة للتقادم، ما دام التفسير الذي اعتمدته المادة 6 للمتابعة لا يشمل هذه الإجراءات”.
ملاءمة المتابعة نحو خدمة ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد
ذكَّرت الهيئة بأن المنتظم الدولي، في إطار جهوده لمكافحة جرائم الفساد، أوصى الدولَ التي تنهج مبدأ “الملاءمة” في المتابعة الجنائية، بضرورة تأطير هذه “الملاءمة” بمبدأين أساسيين: المبدأ الأول يتمثل في إخضاع قرار النيابة العامة بعدم إجراء المتابعة أو الإحجام عنها في جرائم الفساد، للمراجعة من طرف سلطة رئاسية عليا، وذلك إما بمبادرة منها، أو بناء على شكاية من الضحية أو الشخص الذي أبلغ بوقوع الجريمة، أو أي طرف أو شخص معني متضرر من قرار عدم المتابعة، مع تضمين التقرير المنجز في إطار هذه المراجعة، الأسبابَ الموجبة لاتخاذ القرار المناسب من طرف السلطة الرئاسية المعنية.
ولأجل ذلك، تقترح الهيئة أن “يراعي تقدير النيابة العامة لما تراه ملائما بشأن المحاضر والشكايات والوشايات التي تتلقاها، مقتضيات المادة 83 التي تقترح فيها الهيئة إدراج الجرائم ذات الصلة بأفعال الفساد والموصوفة بالجنايات، ضمن نطاق الجرائم التي تُرفع إلزاميا إلى سلطة التحقيق”.
كما أوصت الهيئة بـ”أن يتم التنصيص على ما أوصى به المنتظم الدولي بخصوص فتح إمكانية مراجعة تقدير النيابة العامة بعدم إجراء المتابعة في جرائم الفساد، من طرف سلطة عليا، بمبادرة منها، وذلك في اتجاه سريان هذه المراجعة على جرائم الفساد الموصوفة بالجنح، مع التنصيص على تعليل القرار المتخذ، من طرف السلطة العليا بخصوص هذه المراجعة”.
تعزيز دور قاضي التحقيق في الكشف عن جرائم الفساد
اعتبرت الهيئة أن التعديل المقترح الذي ينص على أن التدخل الإلزامي لقاضي التحقيق في الجنايات، يقتصر على الجنايات المعاقب عليها بالإعدام فقط، يُقصي من نطاق هذا التدخل الإلزامي الجنايات المتعلقة بجرائم الفساد.
وأكدت الهيئة، بهذا الخصوص، أنه أخذا بعين الاعتبار خطورة جرائم الفساد، وارتكابها في الغالب عبر مناورات تدليسية على مستوى الوثائق والمستندات، وقدرة مرتكبيها على إخفاء معالم جرائمهم، والعجز المحتمل في استكشاف هذه الجرائم عبر الاكتفاء بالاستدلال عليها بآليات البحث التمهيدي فقط، واقتناعا بضرورة عرض الجنايات المتعلقة بهذه الجرائم على مجهر التحقيق، لاستنفاد جميع الإمكانيات المتاحة للكشف عنها والتحقق منها أو لتبرئة المعنيين في إطار الضمانات القضائية المخولة لجميع الأطراف، فقد يكون من الوجاهة أن يُفرد التعديل المطروح جنايات الفساد، بالإحالة الإلزامية على قاضي التحقيق، إسوة بأغلب التشريعات الدولية التي أدرجت الجنايات بشكل عام ضمن مجال الإحالة الإلزامية على التحقيق، وحصرت نطاق الإحالة الاختيارية على التحقيق في الجنح والمخالفات فقط.
وفي نفس سياق تعزيز دور قاضي التحقيق، اعتبرت الهيئة أن إلزام قاضي التحقيق، بمقتضى التعديل المطروح على المادة 84، بالرجوع إلى النيابة العامة لتقديم ملتمساتها، كلما تبين له من مجريات التحقيق وجود أدلة على تورط أي شخص في الوقائع موضوع التحقيق، فقرر الاستماع إليه بصفته متهما، أو اتخاذ أي إجراء يراه مناسبا في حقه بهذه الصفة، وكذا كلما قرر توجيه التهمة لأي شخص بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أومشاركا في الوقائع المعروضة عليه، من شأنه أن يجعل مسار التحقيق الذي يمارسه قاضي التحقيق بمقتضى سلطة تقديرية عامة، معرَّضا للتشتت ولا يتلاءم مع متطلبات التحقيق في جرائم الفساد التي تتميز بتعدد المعنيين والمتدخلين والأطراف، علما بأن صلاحية النيابة العامة بتقديم ملتمسات لقاضي التحقيق بهذا الخصوص تبقى محفوظة بمقتضى هذه المادة.
وأكدت الهيئة ضرورة ” مراجعة هذا المقتضى في اتجاه ربط إقراره بتثبيت ضمانات المتهمين المتعلقة بحقهم في معرفة التكييف القانوني للتهم الموجهة إليهم، وفي الترجمة، وفي المؤازرة بمحام، مع التأسي بهذا الخصوص بمقاصد مجموعة من التشريعات الدولية كالتشريع الفرنسي الذي ضبط هذه الإجراءات بضمانات دقيقة، دون إلزام قاضي التحقيق في إعمالها، بضرورة الرجوع إلى ملتمسات وكيل الجمهورية في شأنها”.
ومن منظور تعزيز دور قاضي التحقيق دائما، اقترحت الهيئة ضبط المسألة المتعلقة بتحويل القضية من قاضي تحقيق إلى قاضي تحقيق آخر، من خلال التنصيص على مرور الطلبات المقدمة في هذا الشأن عبر القناة التقديرية للنيابة العامة، التي تبقى لديها الإمكانية، إذا اقتنعت بضرورة القيام بهذا التحويل، أن تقدم ملتمسا معللا للغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف في هذا الشأن.
وأشارت إلى أنه “من شأن هذا التدقيق أن يرتقي بمبدأ التعليل بالنسبة لهذا الإجراء الحساس، ويحصن مبدأ المساواة بين الأطراف، كما من شأنه أن يصون الوضع الاعتباري لقاضي التحقيق، وفي نفس الآن يحول دون الانزلاق المحتمل، بالنسبة لجرائم الفساد، في استغلال هذه الطلبات لكسب مزيد من الوقت وإطالة أمد القضية، من خلال الانتقال بها بين عدة قضاة للتحقيق؛ بما يمس بالاستقرار المطلوب في هذا النوع من الجرائم”.
واعتبرت الهيئة أن هذا المقترح يتماشى مع ما سار فيه المشرع الفرنسي الذي جعل سحب القضية من قاضي تحقيق وإسنادها إلى قاضي تحقيق آخر منوطا بطلب معلل يقدمه وكيل الجمهورية، تلقائيا أو بطلب من الأطراف، إلى رئيس المحكمة الذي يبت فيه داخل أجل ثمانية أيام.
عدم التضييق على المتضررين من جرائم الفساد
اعتبرت الهيئة أن التعديل المقترح على المادتين 92 و350، بإلزامه الطرف المدني الذي يقيم الدعوى أمام قاضي التحقيق أو أمام هيئة الحكم بتضمين مذكرته المعلومات المتعلقة بهوية المتهم ووقائع القضية المعروضة والتكييف القانوني لها والأدلة والمستندات المدعمة لها، يضع شرطا تعجيزيا من شأنه أن يؤدي إلى عرقلة الولوج إلى القضاء واسترجاع الحقوق المهضومة.
وأكدت الهيئة أن هذه الشروط تتنافى مع المنظور الفقهي والقضائي الذي يعتبر أن ما يُلزِم المطالِبَ بالحق المدني هو ذكر نوع الضرر وأسانيده وما يَجبُره حتى يتيسر للمحكمة تقدير التعويض الملائم. كما أنها تقوض فرص المطالبة بالحق المدني لدى المتضرر الذي يسوقه إلى الانتصاب كمطالب بالحق المدني في قضية رائجة أمام المحكمة، استشعارُه بضرر مادي أو معنوي لحق به جراء ارتكاب جريمة ليس بإمكانه العلم بحيثياتها وتفاصيلها، خاصة إذا تعلق الأمر بجريمة من جرائم الفساد.
وبهذا الخصوص، أكدت الهيئة أن جرائم الفساد تعتبر من الجرائم التي ترتكب في سرية تامة، إما باتفاق بين أطراف متواطئة، أو بالتحايل على مساطر قانونية، وتتداخل فيها أفعال الفساد مع جرائم أخرى، كما تتميز بتعدد الفاعلين وبوجود أطراف تختلف مراكزهم القانونية وتتفاوت درجة تدخلهم في الجريمة؛ الأمر الذي يجعل تكليف المتضرر بتحمل عبء التكييف القانوني لوقائعها أمرا شبه مستحيل، مما قد يساهم بالتالي في تحجيم إحدى أهم القنوات المتاحة للتحقيق في جرائم الفساد والكشف عن مرتكبيها.
وفي نفس سياق رفع التضييق عن المتضررين من جرائم الفساد، أكدت الهيئة أن تنصيص التعديل المدرج في المادة 350 على منع المتضرر من تحريك الدعوى العمومية مباشرة أمام غرفة الجنايات يتعارض مع ما نصت عليه المادة 4-82 من قانون المسطرة الجنائية التي أكدت على ضرورة إشعار الضحية المتضرر من جريمة بحقه في الانتصاب كمطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق أو أمام هيئة المحكمة، دون تقييد هذا الحق بغرفة دون أخرى.
وأكدت الهيئة أن استثناء غرف الجنايات من إمكانية تحريك الدعوى لديها من قِبل المتضررين، من شأنه أن يشكل عقبة حقيقية أمام المتضررين من قضايا التلبس بالجنايات التي يحيلها الوكيل العام للملك مباشرة إلى غرفة الجنايات، وفقا لما تنص عليه المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية؛ بما قد يفوت أمامهم فرصة تقديم شكاياتهم ومطالبهم المدنية لدى غرفة الجنايات حسب المنع الذي يقرره هذا التعديل.
لذلك، اقترحت الهيئة مراجعة هذا التعديل في اتجاه الملاءمة مع مقتضيات المادتين 73 و419 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك بحصر إمكانية تحريك الدعوى العمومية أمام غرفة الجنايات من قِبل المتضررين في الحالات التي تتعلق بقضايا التلبس بالجنايات التي يحيلها الوكيل العام للملك مباشرة إلى غرفة الجنايات.
تجميد وحجز العائدات المتأتية من جرائم الفساد
من أجل مقتضيات تحفظية ناجعة لتجميد وحجز العائدات المتأتية من جرائم الفساد وتسهيل التنفيذ الجنائي لعقوبة المصادرة، أوصت الهيئة بهذا الخصوص بتخويل النيابة العامة وقاضي التحقيق صلاحية الأمر بتجميد أو حجز الأموال المشتبه في أن لها علاقة بجرائم الفساد، مع تخويل النيابة العامة وقاضي التحقيق صلاحية طلب معلومات من مؤسسات الائتمان والأبناك الحرة حول عمليات أو تحركات أموال يشتبه في أن لها علاقة بجرائم الفساد، وبطلب مساعدة البنك المركزي لتنفيذ هذه التدابير، مع إلزام المؤسسات المذكورة بعدم مواجهة السلطات القضائية بمبدأ السر المهني، وبمعاقبتها على إفشاء الأسرار المتعلقة بالبحث والتحري عن تحركات الأموال المشبوهة؛
ودعت لعرض الأمر بالحجز التحفظي الصادر من طرف قاضي التحقيق على المحكمة الجنائية المختصة داخل أجل قصير جدا لضمان تمتيعه بقوة اليقين القضائي الصادر في خصومة قضائية تتوفر فيها ضمانات المحاكمة العادلة، مع التنصيص على تعويض أصحاب الممتلكات المجمدة أو المحجوزة إذا لم يتم النطق بالحكم النهائي بمصادرتها وإحداث هيئة متخصصة في إدارة الممتلكات المجمدة أو المحجوزة أو المصادرة من جرائم الفساد، مع استحضار التجارب الدولية في هذا المجال.
كما أوصت الهيئة بضرورة إدراج مقتضى جديد في قانون المسطرة الجنائية يتعلق بتنفيذ عقوبة المصادرة، من خلال النص على مبدأ إحداث جهاز مكلف بتدبير حجز وتجميد ومصادرة الممتلكات خلال مرحلة الحكم والتنفيذ، مع تخويله صفة مؤسسة عمومية تابعة للدولة تحت الوصاية المشتركة لوزيري العدل والمالية، وسريان صلاحياته على مجموع التراب الوطني.
اترك تعليقاً