كتب عليكم النضال

أتأمل ما يجري بصدد موجة العنف التي تتناقلها وسائل الإعلام، ولاسيما ما تعلق منها بالعنف المدرسي، وبدا لي أن الأمر نزع نحول المبالغة حينا، وإلى قصر العنف على طرفين، دون أطراف أخرى، الأستاذ والمتعلم.
إنها صورة خاطئة بكل المقاييس، من جهة نزوعها للتعميم، ومن جهة استغلال بعض المظاهر في وقت وجيز لسوقها على سبيل التراكم، ومن جهة محاصرة العنف في المدرسة فقط، والحال أنه قد طال حتى أماكن العبادة وأحوازها.
إن العنف مدان، أيا كان مصدره، وحتى الدولة التي تمتلك مشروعية استعماله، تُعاتب وتُتابع أمام الأجهزة المختصة، إذا كان هناك فصل حقيقي بين السلط.
وبهذا، فإن الإضراب الوطني الذي شهده قطاع التعليم، لا ينبغي، في تقديري، أن يتحول إلى حرب باردة بين قطبين؛ الأستاذ والمتعلم، وهذا ما تحاول صفحات الترويج على مواقع التواصل، وغير خاف ما لذلك من تبعات وانعكاسات على وعي المتعلمين ولاوعيهم من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، لينضاف ذلك إلى الصورة التي تسوقها المسلسلات والبرامج التلفزية، خل عنك النكت والنوادر.
كتب على الأساتذة النضال منذ أمد بعيد، وهم قادة المجتمع، وإن تنازلوا عن هذا الدور طوعا أو كرها، غير أن التاريخ يحتفظ لهم بتضحياتهم وإناراتهم في مناسبات عديدة، ولعل تنامي العنف واحدة منها؛ فالعنف لم يمارس ضد الأستاذ فقط، وإنما ضد فئات مختلفة من الموظفين، ومن فئات المجتمع المتفرقة، بمعنى أن العنف صار مستشريا في المجتمع، وعند الدولة نفسها في محطات كثيرة أسرفت فيها في استعمال القوة ضد حركات احتجاجية سلمية.
إن مناخا يعبق بالعنف، لا يمكن إلا أن يفرخ قنابل موقوتة وألغاما قابلة للانفجار في المدارس، والشارع العام، والبيوت… وعلى هذا الأساس، ينبغي تعقيم وتجفيف منابع العنف أولا، وذلك بمراقبة ما تمرره وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة ( المسلسلات، وسائل التواصل الاجتماعي…)، وبالموازاة تشجيع البحث في العلوم الإنسانية، حول التواصل والعنف، عبر دراسات علمية تحتضنها مختبرات الدراسات والأبحاث، إضافة إلى التفعيل الحقيقي لأدوار المختصين الاجتماعيين والنفسيين، مع الأخذ بعين النظر أن ثلاث سنوات في علم الاجتماع أو علم النفس لا تكفي، لذا وجب تحيين الشروط بما يخدم الهدف من عمل هاته الأطر، ثانيا، وضع ترسانة قانونية صارمة، تنطلق من معطيات الواقع وحيثياته، وتلزم المؤسسات أو الجهات الوصية التي ينتمي إليها المعنف أن تنصب نفسها طرفا في الدعوى، وليس كما يحدث في قطاع التعليم مثلا، فكم من أستاذ وجد نفسه وحيدا أمام المحكمة بعد أن قام بما يمليه عليه الواجب المهني، دون مؤازرة من المديرية التي يعمل بها، ومن المفروض أن تنصب نفسها عبر محاميها طرفا في الدعوى.
وفي كثير من الأحيان يتنازل الأساتذة عن الدعوى بمخافر الشرطة أو امام مثل الحق العام استجابة لوساطات حميدة، أو تفديرا لظروف أسرية، أو تغليبا للجانب التربوي، هذه التنازلات تعطي أحيانا نتائج عكسية، بتشجيع آخرين على العنف. كما ينبغي تبويء مجالس المؤسسة مكانتها الحقيقية، واعتماد محاضرها واستشاراتها قبل إصدار المذكرات التي تفرغ هذه المجالس من أدوارها الحيوية. ثالثا، قياس الرضى لدى الأطراف، مثلا المتعلمين، رابعا، تنظيم ورشات ولقاءات لتقاسم التجارب في معالجة الظواهر الدخيلة على الفصاءات التربوية، وعلى رأسها أشكال العنف المتعددة.
ختاما، العنف المستشري في المدارس انعكاس لما يجري في المجتمع، ولما ترسخه وسائل الإعلام أيضا، ولكن لا ينبغي أن يرقى للتهويل في ظل غياب إحصائيات، وبث نوازع الخوف تجاه مدارسنا العمومية التي تحتاج منا للتحصين، وتقديم بوارق الأمل، وهو قضية أمة ودولة، وليس قضية فئة كتب عليها النضال دائما.
اترك تعليقاً