برلمانيون يتفاعلون مع إصلاح الانتخابات.. دعم مشروط وتحذير من تهميش الأحزاب

في سياق التحضيرات الجارية للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، تشهد الساحة السياسية المغربية نقاشات مكثفة حول مراجعة شاملة للمنظومة الانتخابية، تهمّ محاور أساسية من بينها تخليق الحياة السياسية، دعم مشاركة الشباب، ومحاربة الفساد الانتخابي، وذلك في إطار مشاورات بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، واستجابة للتوجيهات الملكية السامية.
من بين أبرز المقترحات الجديدة، تخصيص دعم مالي مباشر لفئة الشباب الراغبين في الترشح للانتخابات، بحيث تتحمل الدولة نسبة 75% من تكاليف الحملة الانتخابية، سواء ترشحوا عبر الأحزاب أو بشكل مستقل. هذا الإجراء، وإن لقي ترحيبا واسعا من حيث المبدأ، إلا أنه أثار كذلك تساؤلات حول آليات تنزيله القانونية والتنظيمية، ومدى انسجامه مع أدوار الأحزاب السياسية، باعتبارها الفضاء الطبيعي لتأطير المواطنين وتكوين النخب.
مصداقية المؤسسات
وفي هذا الصدد، عبر نواب برلمانيون من الأغلبية والمعارضة عن تثمينهم للمضامين التي وردت في بلاغ الديوان الملكي الأخير، الصادر عقب اجتماع المجلس الوزاري، والذي أكد على ضرورة تعزيز مصداقية المؤسسات المنتخبة، عبر مجموعة من الإجراءات التشريعية والتنظيمية التي تهدف إلى تطهير المشهد السياسي من الممارسات المسيئة، وعلى رأسها استعمال المال في الحملات الانتخابية.
وأجمع عدد من النواب البرلمانيين على الترحيب بمضامين مشروع القانون التنظيمي الجديد المتعلق بمجلس النواب والأحزاب السياسية، معتبرين أن الخطوة تندرج في إطار تنفيذ التوجيهات الملكية الرامية إلى تخليق الحياة السياسية وتعزيز مشاركة الفئات الشابة والنسائية في المشهد السياسي الوطني.
النواب الذين تحدثوا إلى موقع “العمق المغربي” ثمنوا الحزمة الإصلاحية التي حملها المشروع، والتي تمزج بين الصرامة في محاربة الفساد الانتخابي، والتحفيز الإيجابي لتمكين الطاقات الجديدة من الانخراط في العمل السياسي عبر آليات تمويل وتشجيع واضحة.
آليات تحفيزية
وفي هذا الصدد، أكد محمد شوكي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، أن المشروع يأتي بعد مشاورات موسعة مع وزارة الداخلية، ويجسد توافقا واسعا حول ضرورة تخليق المشهد السياسي والانتخابي. وأوضح أن حزبه كان من بين المبادرين إلى إطلاق مدونة للأخلاقيات عقب الرسالة الملكية في الذكرى الستين لتأسيس البرلمان.
وأشار شوكي إلى أن المشروع يتضمن آليات تحفيزية حقيقية لدعم الشباب، معتبرا أن هذا التوجه يشكل خطوة إيجابية يساندها الحزب بقوة، خاصة وأنه يشجع منذ سنوات على إشراك الشباب في العمل السياسي والانتخابي، بما في ذلك المناصب الحكومية.
وأضاف أن هذا الإصلاح، ببعده المجتمعي، من شأنه أن يساهم في تخليق الحياة السياسية، مشددا على أن الإشادة الملكية بأداء البرلمان تعكس حرص الجميع على الاشتغال في إطار قانوني ومؤسساتي مسؤول.
من جانبه، اعتبر ادريس السنتيسي، رئيس فريق الحركة الشعبية، أن المشروع يحمل بعدا سياسيا ومجتمعيا مهما، ويؤكد وضوح التوجه العام نحو تخليق الحياة السياسية، مشيرا إلى أن الأحزاب أصبحت اليوم مطالبة بالذهاب أبعد من مجرد إقصاء من صدر في حقه حكم قضائي، بل أيضا استبعاد كل من تحوم حوله شبهات.
وقال السنتيسي إن السياسة يجب أن تكون قائمة على الأخلاق، داعيا إلى الابتعاد عن المزايدات والكذب في إطار منافسة غير شريفة. كما دعا إلى تمكين الشباب الراغب في الترشح من الدعم المالي اللازم، خاصة أولئك الذين لا يمتلكون الإمكانيات لتغطية كلفة الحملات، مثمنا مقترح تمويل 75 في المئة من مصاريف الحملة الانتخابية لهذه الفئة.
تخليق العمل النيابي
أما علال العمراوي، رئيس فريق حزب الاستقلال، فقد أعرب عن اعتزاز حزبه بالإشارات العامة التي حملها المشروع والبلاغ الملكي، مشيرا إلى أن الحزب واعٍ بالصعوبات التي تعترض ولوج شريحة واسعة من الشباب إلى الحقل السياسي.
وأوضح العمراوي أن الحزب أطلق في وقت سابق “أكاديمية الشباب” الموجهة للفئة العمرية دون 35 سنة، بهدف تأهيلهم للانخراط في العمل السياسي، مشددا على أهمية تشجيع ترشيح نسبة معتبرة من الشباب ودعمهم ماديا ومعنويا.
وأكد العمراوي أن تخليق العمل النيابي والسياسي هو مطلب مجتمعي عام، وعلى الجميع أن يساهم في بلورته، مضيفا أن جوهر النقاش اليوم يرتبط بالسؤال المحوري: “أي نخب نريد لتمثيل المجتمع وتعزيز السياسات العمومية؟”، كما دعا إلى مشاركة واسعة في التسجيل والتصويت لضمان مشروعية أكبر للعملية الانتخابية.
وفي السياق ذاته، شدد رشيد حموني، رئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية، على أن مذكرة حزبه ركزت بشكل أساسي على مكافحة الفساد الانتخابي واستعمال المال للتأثير على إرادة الناخبين، وهو ما جسده البلاغ الملكي من خلال الدعوة إلى إدراج عقوبات زجرية ضمن القوانين التنظيمية.
وأشاد حموني بقرار منع ترشح الأشخاص المدانين قضائيا، معتبرا أنه إجراء ضروري للحفاظ على صورة البرلمان ومصداقيته، كما أشار إلى قرار تخصيص اللائحة الجهوية للنساء فقط، معتبرا أن ذلك يعزز تمثيليتهن السياسية.
الثقة في الأحزاب
ورغم تأكيده على أهمية تحفيز الشباب، عبر حموني عن تحفظه إزاء بعض تفاصيل المقترح، مشيرا إلى أن دعم الشباب يجب ألا يكون على حساب دور الأحزاب التي يجب أن تبقى المحرك الأساسي للعمل السياسي. وتساءل عن الآليات القانونية التي ستتيح ترشح الشباب غير المنتمين، وما إذا كانت الشروط السابقة مثل جمع خمسة آلاف توقيع لا تزال سارية، داعيا إلى توضيح هذه التفاصيل خلال مناقشة القوانين التنظيمية.
ويرى المتتبعون أن المشروع يشكل خطوة نوعية على طريق الإصلاح السياسي بالمغرب، ويضع أسس منظومة انتخابية أكثر شفافية وتنوعا، خاصة إذا ما تم التنزيل الفعلي للتدابير الزجرية والتحفيزية الواردة فيه، بشكل يضمن تخليق الفضاء السياسي وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساته التمثيلية.
ومع اقتراب موعد عرض مشاريع القوانين المنظمة لهذه الإصلاحات على البرلمان، يبقى الرهان معقودا على إخراج نصوص قانونية فعالة، تضمن الشفافية، وتُحفز على الانخراط السياسي، وتُجسد الإرادة الوطنية في بناء مؤسسات قوية، قائمة على الكفاءة والاستحقاق والنزاهة.
اترك تعليقاً