وجهة نظر

لعنة الميكا تجعل المغرب حاوية الأزبال

كم اختبؤوا خلف سوادك وتزينوا ببياضك كي يظهروا في حلة مغايرة من جديد، وهاهم قد هاجموك، رغم أنك ساعدتهم في حمل الأثقال، في إخفاء الباهظ والبخس، وفي جمع الشتات، ومع ذلك نكروا جميلك، وذكروا مساوئك، وتناسوا ايجابياتك، حقيقة أنت لا تتحللين بسرعة، لكنك وليدة الماضي، ترعرعت بين أحضان الفقراء، أشفقت عليهم وتحسرت، فقدمت لهم نفسك بضاعة ليربحوا بك دراهم تغنيهم عن مد يد السؤال، طالما لعبنا بك في أيام الصغر ومررناك ككرة قدم، لكن حقيقتك أنك مضرة، فهكذا هي الأشياء الجميلة لا تطول كثيرا، من كان يدري أنك ستصبحين جريمة، مكلمك يدفع الثمن، يحذروه منك لاجتنابك وعدم ملامستك… كثُر الحديث عنك، وتناسوا قيمتك، لا بد أنك الآن راضية عن نفسك، ﻷنك أسقطت حكومة مجتمع في شباكك، أنت ومن لا يعرفك، أكياس و قنينات وأشياء أخرى من نفس جنسك البلاستيكي.

تتبعوا خطاها وأرادوا تقزيم انتشارها، فقاموا بحظرها عن الوجود، بحجة أنها مضرة وتسهم في تلوث البيئة، تكهرب الجو، تضر بالصحة، سامة هي، كالخمور التي يسوقونها، والسجائر التي يبيعونها، تمنحهم الصحة والعافية وطول العمر، فتلوثها قادر على الزوال يوما ما بقليل من البحث والتفكير رغم كثرة الكلام، أما الاستغلال السياسي للأفراد، تغليب المصالح والأهداف الشخصية، اللاأخلاق السياسية، وشراء أصوات الفقراء، والوعود الكاذبة المزيفة، تلوث يخنق المجتمع، يصيبه بالغثيان، يدخل أفراده الى مستشفيات المعاناة بصحبة الألم، دون الحديث عن التعليم الفقير، الذي يرجع بالمتعلمين إلى الجهل وبالدولة إلى الحضيض، ويلوث فكرهم.

إن كل هذه الأشياء لأكبر، فمحاربة أنفسهم عليها أن اكون الأولى، أو ربما هي سهلة التخلص في نظرهم، لهذا قيل عنها الكثير، بحثوا عن خفاياها، فتسللوا اليها عبر حبل الضمير والعاطفة، وبدل مقاربتها من الجانب العلمي، أشهروها، وحاربها الممثلون والفنانون، وتركوا العلماء والمحللين يترقبون ذلك من بعيد. لا أحد يدري، أهذه مجرد لقطة وستمر وستعود من جديد كما كانت، أم إن النية صادقة حقا، وهمهم تخليص المجتمع من سموم شكلية شرقية وغربية تحيط بهم، والواقع يشهد على العكس.

إن الغريب أن تكون هذه الهجمة الشرسة على البلاستيك بجميع أنواعه مجرد دعاية للوصول الى هدف ما، لتنسى بعد ذلك هي ومن أتى بها، أفليس صعبا أن تستيقظ يوما ولا تجدها بجوارك تتأمل ملامح وجهك، تدعوك إلى حملها، استخدامها، فتتوجه إلى الدكان لتحضر خبزا وحليبا فتراها مختبئة في ركن ما، تنتظر منك الافصاح عن طلب المساعدة لتحمل ما اقتنيته، فكيف لا تشفق عليها وتقدم لها يدك فتحملها كي تعود البسمة إليها من جديد، ولتكتمل سعادتها ستعيد استخدامها في شؤون البيت، وتملأها ببقايا طعام أو إخفاء لشيء ما، غريب ذاك من فكر في محاربتها، فالحقيقة أن لا أحد بإمكانه نكران جميلها، فهي نشأت معنا، رفرفت بين جدران منازلنا في أيام الخريف، فإقبارها إقبار للطفولة وشباب وماض، ولعل الاسثناء الذي يمكن أن يقتنع به المغربي ويأخذه بعين الاعتبار، هو أن تكون محاربتها بحجة حقيقية يتقبلها العقل والمنطق، وبمعنى آخر إن كانت حقا هي مضرة فلمَ يتم الإتيان بما يلحق نفس أضرارها وأكثر، ما سيصيب الإنسان بأمراض خطيرة لا تعالج، ولعل الحديث هنا يخص ما استوردته الحكومة المغربية من نفايات سامة لإتلافها، أفمن هو صادق اتجاه مواطنيه ومنتخبيه قادر على جلب ما يضرهم ويأزم حالتهم الصحية مقابل مبلغ مادي لا يسمن ولا يغني من جوع ؟
إذن ليست الرغبة هنا في السهر على راحة المواطنين، صحتهم وسلامتهم، فأنا وكثير ممن يتفق معي نفضل ” ميكا ” صاحبتنا في الصغر، على نفايات إيطالية تدمر مستقبل وطني وأبنائي، وتشوه صورته، فعذرا لقد أخطأتم في العنوان، لسنا مزبلة لتحضروا لنا بقاياكم، ومن رغب فيها، فليأخذها إلى بيته، أو اتركوها لكم، وآنذاك مرحبا بكم.

رغبتهم في البداية كانت محاربة للفساد، فاقتصروا على المحاربة وتركوه يمشي مختالا فخورا، بدايتهم كانت حول المواطن البسيط، قهروه بالزيادات والاقتطاعات، ليجد نفسه في واقع مزرٍ صعب عليه الخروج منه، فاستسلم للأمر الواقع، والتزم الصمت. وقد أفلح المفسدون بعد ذلك في مواجهة أبنائه، لاحقوهم في الشوارع ومازالوا على العهد، وبعد أن كان همهم دراسة وعمل وسكن، صار همهم حرية ومساواة وعدل اجتماعي، ويبقى ذلك مجرد أمل، لينهوا ما لم يبدؤوه بعد، وليستمروا في محاربة الجيوب، والفقراء منهم بالخصوص.

ولعل منع ” الميكا ” لضربة قاضية لأولئك البسطاء المشردين منهم والبؤساء، فبعد أن كانوا يسترزقون الله في الأسواق، ويرضوا بالقليل، ستتأزم أوضاعهم ولا أحد سيبالي بأمرهم، فقد يمتهن الدعارة، السرقة، ومن يدري قد يبحثون عن دريهمات ليقدموا أنفسهم وجبة شهية لحيتان البحر، وستستمر الحياة بدونهم، لأن لا أحد سيبالي بأمرهم، ولا حتى يعرفهم ولا يستشعر بمعاناتهم، آنذاك لن تقبل دمعات البرلمان، ولا الشفقة، ولا شيء من هذا القبيل، اتركوه يعيش، يبحث عن قوت يومه، وبدل أن تحضروا له نفايات تحرقونها في بلده ليختنق من غازاتها السامة، وفروا له عملا وهواء نقيا يعدّ من الحقوق الضرورية التي نص علها الدستور، كيلا تلتقطون جثته من أحد بَحرَيْكُم، فتجدون أنفسكم حائرين أين ستلفُّونه، أين ستضعونه بعد حربكم الشرسة على البلاستيك.