وجهة نظر

تزايد التوترات مع المهاجرين الأفارقة والمرأة الوافدة أولى الضحايا

رئيسة منظمة النساء الحركيات، خديجة الكور

شهدت عدة مدن مغربية في الآونة الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في التوترات بين بعض المواطنين ومهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، بلغت في بعض الحالات مستوى الصدامات المباشرة في الشوارع والأحياء الشعبية. وقد نقلت بعض وسائل الاإعلام الوطنية و شبكات التواصل الاجتماعي،مشاهد اشتباك جماعي في الدار البيضاء، والرباط، وفاس، وطنجة، تخللتها رشق بالحجارة واستعمال أدوات حادة، وأحيانًا مواجهات مع عناصر الأمن، مما يندر ببوادر احتقان اجتماعي آخذ في التفاقم، ويتطلب معالجة عاجلة للاحتواء الظاهرة

لكن ما هو أخطر من عنف الشارع هي الاوضاع الهشّة التي تعيشها آلاف النساء المهاجرات القادمات من إفريقيا جنوب الصحراء، ممن وجدن أنفسهن في قلب هذا الصراع غير المعلن، محرومات من أبسط شروط الحماية، وخارج الاهتمام المؤسساتي والإعلامي.
ورغم أنّ التوترات الحالية تبدو ظرفية فإن جذورها تكمن في اختلالات بنيوية أعمق ترتبط بتدبير ملف الهجرة في المغرب.

تشير المعطيات الإحصائية الرسمية إلى أن عدد الأجانب المقيمين في المغرب بصفة قانونية بلغ حوالي 102.400 شخص سنة 2020، يمثلون نحو 0.3% من مجموع السكان (المصدر: المندوبية السامية للتخطيط، البحث الوطني حول الهجرة الدولية، 2021). وتمثل الجنسيات الإفريقية جنوب الصحراء نسبة هامة من هذا الرقم.
وفيما يتعلق بوضعية اللجوء، سجلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وجود 18.851 لاجئًا وطالب لجوء سنة 2023، ينحدر أغلبهم من سوريا، إفريقيا الوسطى، اليمن، جنوب السودان وساحل العاج (المصدر: HCR Maroc، تقرير شتنبر 2023).

ويُلاحظ أن 86% من هؤلاء المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 15 و44 سنة، أي في سنّ العمل، وتُوزّع أغلبيتهم على مدن كبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، طنجة، مراكش، ووجدة. وتتنوع دوافع الهجرة ما بين البحث عن الأمان، وتحسين شروط العيش، والدراسة، أو الاقتراب من الضفة الأوروبية. لكن الإقامة بالمغرب، سواء بشكل نظامي أو غير نظامي، لا تعني بالضرورة الاستقرار، خصوصًا في غياب ضمانات اجتماعية حقيقية.

وقد أطلق المغرب سنة 2013 استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء، ترتكز على مقاربة إنسانية وحقوقية، وشملت حملتين استثنائيتين لتسوية الوضعية القانونية، استفاد منهما أكثر من 50 ألف مهاجر. كما تم تعزيز أدوار المؤسسات المعنية، وإطلاق برامج للتكوين، والتعليم، والرعاية الصحية، وتأسيس المرصد الإفريقي للهجرة، مما جعل المغرب نموذجًا إقليميًا في تدبير الهجرة وفق رؤية مندمجة.

ومع ذلك، لا تزال العديد من الثغرات قائمة على مستوى التنزيل. فحسب تقرير مشترك للمندوبية السامية للتخطيط والمفوضية السامية للاجئين (2022)، فإن أكثر من 70% من المهاجرين يشتغلون في الاقتصاد غير المهيكل، و64% يعيشون أوضاعًا سكنية غير مستقرة. ويزداد الوضع تعقيدًا في ظل الشراكات الأمنية مع الاتحاد الأوروبي، التي خصصت تمويلات تفوق 400 مليون يورو للمغرب في مجال مراقبة الحدود، والتي رافقها تصاعد في الترحيلات والتوقيفات. فقد أحبط المغرب خلال سنة 2023 أكثر من 59 ألف محاولة للهجرة غير النظامية (المصدر: وزارة الداخلية المغربية).

و في هذاالسياق، تبدو المرأة المهاجرة الإفريقية الضحية الصامتة الأولى. فهي تمثل 41% من مجموع المهاجرين، وغالبًا ما تصل إلى المغرب في وضعية هشاشة مركّبة: إمّا حاملاً، أو برفقة أطفال، أو ضحية عنف سابق. كثيرات منهن يعملن في البيوت دون عقود أو حماية قانونية، ويتعرضن للتحرش أو الاستغلال أو الطرد التعسفي. وتُواجه هؤلاء النساء تمييزًا مزدوجًا: بوصفهن مهاجرات، وبوصفهن نساءً .

من هذا المنطلق، تدعو منظمة النساء الحركيات إلى إعادة النظر في السياسة الوطنية للهجرة، من خلال تبني رؤية عادلة، دامجة، تُعلي من قيمة الإنسان، وتُعطي للمرأة المهاجرة المكانة التي تستحقها ضمن أولويات السياسات العمومية. ونعيد التأكيد على:

– ضرورة إدماج بُعد النوع الاجتماعي في كل برامج الهجرة، من التكوين إلى التمكين الاقتصادي والاجتماعي؛
– تسريع وتسوية الوضعيات القانونية للمهاجرات، وتوفير الحماية القانونية لهن؛
– إطلاق حملات وطنية لمناهضة العنصرية والتمييز ضد النساء المهاجرات، وتكوين الفاعلين المحليين في هذا المجال؛
– تحفيز الجماعات الترابية على تطوير مبادرات محلية لاحتضان المهاجرات في إطار مقاربة تشاركية.

إن المغرب، وهو البلد الذي اختار التموقع كرائد إفريقي في مجال الهجرة، لا يمكن أن يتخلى عن واجبه الأخلاقي تجاه فئة تُمثل نقطة ضعف شديدة في جسد الهجرة: المرأة الوافدة، التي تعيش بصمت، وتُقصى بصمت، وتُحمّل أوزارًا لم تكن يومًا من صنعها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *