مجتمع

عمال “غلوفو” يصعدون احتجاجاتهم.. صرخة ضد “عبودية المنصة” وتجاوزات الشركات

دفعت الوقفة الاحتجاجية التي نظمها عمال التوصيل عبر الدراجات النارية المحسوبون على شركة “غلوفو”، السلطات الأمنية إلى تطويق جميع المسالك الطرقية المؤدية إلى منطقة القطب المالي بمدينة الدار البيضاء.

وشهدت منطقة القطب المالي، التي تحتضن كبرى الشركات، منذ صباح اليوم الإثنين استنفارا أمنيا مكثفا، من خلال تعزيز مجموعة من النقاط بحواجز أمنية مشددة، وشن حملة على الدراجات النارية.

وطوقت السلطات الأمنية، بمختلف أجهزتها من الأمن الوطني والقوات المساعدة، المدخل الرئيسي للإقامة التي توجد بها شركة “غلوفو”، ما دفع المحتجين إلى تحويل نقطة الوقفة إلى الباب الثانوي.

وردد المحتجون شعارات قوية تندد بما وصفوه بـ”الاستغلال الممنهج” من طرف الشركة الإسبانية المعروفة في مجال خدمات التوصيل عبر المنصات الرقمية.

وطالب عمال التوصيل بتدخل عاجل من طرف السلطات العمومية من أجل فرض احترام القوانين الجاري بها العمل، مؤكدين على ضرورة الدفاع عن السيادة الوطنية في وجه ما اعتبروه “تغوّلا للشركات العابرة للحدود”.

ورفع المحتجون لافتات تعكس حجم معاناتهم اليومية، حيث أكدوا أن غلوفو تفرض عليهم شروط عمل مجحفة، تفتقر لأبسط ضمانات الحماية الاجتماعية والحقوق الشغلية، مما يجعلهم يشتغلون في ظروف قاسية، دون تأمين صحي أو تقاعد أو تغطية ضد حوادث الشغل.

ويشدد هؤلاء العمال على ضرورة “تمكينهم من حماية قانونية فعالة تضع حدا لعبودية المنصات الرقمية”، كما يطالبون بتحسين ظروف العمل بما يضمن العيش الكريم، وتحديد أجر عادل يتناسب مع حجم المخاطر التي يواجهونها يوميا، خاصة في ظل حوادث السير المتكررة، والضغط الزمني الكبير، والتكاليف التشغيلية التي يتحملونها بشكل كامل دون دعم من الشركة.

كما عبر المحتجون عن رفضهم لما وصفوه بـ”وهم المقاول الذاتي”، وهو النظام الذي تدفعهم الشركة لاعتماده حتى تتنصل من مسؤولياتها القانونية والاجتماعية تجاههم.

وأوضح المحتجون أن هذا الإطار القانوني لا يعكس طبيعة العلاقة الشغلية الحقيقية التي تربطهم بالشركة، والتي تقوم على التبعية الاقتصادية والتنظيمية، مما يستوجب – حسب تعبيرهم – معاملتهم كأجراء لهم كافة الحقوق المنصوص عليها في مدونة الشغل المغربية.

وفي هذا السياق، ندد عادل بوهوش، عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية لعمال المنصات الرقمية، بما وصفه بـ”النهج المستفز والمهين” الذي تتبعه شركة “غلوفو” في تعاملها مع عمال التوصيل، متهما إياها بتجاوز كل الخطوط الحمراء، ليس فقط في الشق الاجتماعي المرتبط بشروط العمل القاسية، بل أيضا في تعد صارخ على رموز السيادة الوطنية.

وقال بوهوش، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، إن تطبيق التوصيل الذي تعتمده الشركة بالمغرب يعرض خريطة مبتورة للمملكة المغربية، تُقصى منها الأقاليم الجنوبية، معتبرا أن هذا السلوك يمثل “إهانة مباشرة للهوية الوطنية وتحديا سافرا للوحدة الترابية للمملكة”، مضيفا: “من غير المقبول أن تسمح شركة تشتغل فوق التراب المغربي لنفسها بهذا النوع من التجاوز، وكأن السيادة الوطنية أمر قابل للتفاوض أو الإهمال”.

وأوضح أن هذا التجاوز الجسيم لم يمرّ مرور الكرام، بل فجّر موجة من الغضب في صفوف عمال التوصيل، الذين خرجوا في مسيرات احتجاجية، ليس فقط للمطالبة بتحسين ظروفهم المهنية، وإنما أيضا للدفاع عن رموز الوطن ووحدته الترابية، في رسالة قال إنها “مزدوجة وواضحة: كفى من استغلال اليد العاملة، وكفى من العبث بثوابت الدولة”.

وفي ما يتعلق بجانب ظروف العمل، أكد بوهوش أن الوضعية الاجتماعية والمهنية لعمال التوصيل تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بسبب قرارات الشركة التي وصفها بـ”المجحفة واللاإنسانية”، وعلى رأسها تخفيض تعويضات التوصيل إلى 6 دراهم فقط لكل طلب.

وشدد على أن هذا المبلغ لا يغطي حتى المصاريف اليومية للعمل، مثل الوقود وصيانة الدراجات النارية، ناهيك عن الساعات الطويلة من الانتظار والتوتر المستمر الناتج عن طبيعة العمل المرهقة.

وأضاف المتحدث أن النظام الجديد الذي اعتمدته الشركة، والذي يقوم على تجميع الطلبات، ساهم بشكل مباشر في تدهور الأوضاع، إذ أصبح العامل يقطع مسافات أطول من أجل توصيل عدة طلبيات دفعة واحدة، دون أن يحصل على مقابل مادي يعكس هذا الجهد الإضافي.

وأكد أن العمال لا يعارضون التكنولوجيا ولا يعادون المنصات الرقمية، بل يرفضون أن تستخدم هذه الأدوات كغطاء لانتهاك حقوقهم واستغلالهم في ظروف هشة لا تليق بكرامة المواطن المغربي، داعيا الشركة إلى الجلوس على طاولة الحوار والانخراط في مفاوضات جدية مع النقابة التي تمثل العمال، من أجل إيجاد حلول واقعية ومنصفة.

ومن بين أبرز المطالب التي شدد عليها بوهوش: العودة إلى النظام السابق للتعويضات الذي كان أكثر عدلا، وضمان الحماية الاجتماعية والصحية، إلى جانب إلغاء الطرد التعسفي الذي يتعرض له العديد من العمال، حيث يتم توقيفهم بشكل مفاجئ من التطبيق دون سابق إشعار أو مساطر قانونية واضحة، في ضرب صارخ لكل الأعراف المهنية والإنسانية.

واعتبر أن هذا النوع من الطرد ليس فقط إجراء تعسفيا، بل إهانة لكرامة العامل، وتجريدا له من مصدر رزقه الوحيد، في ظل غياب أي شكل من أشكال الحماية القانونية أو الإنصاف المؤسساتي، مضيفا أن العديد من العمال يعيشون اليوم حالة من القلق الدائم والخوف من فقدان مصدر دخلهم في أي لحظة.

وأعرب بوهوش عن قلقه الشديد من محاولات الشركة عرقلة تأسيس مكتب نقابي يمثل العمال، معتبرا ذلك انتهاكا صارخا لحق دستوري يكفله الدستور المغربي، الذي يضمن حرية الانتماء النقابي والعمل الجماعي.

وقال في هذا الصدد: “لا يعقل أن يتم منعنا من تأسيس هيكل نقابي، في الوقت الذي ينص فيه الدستور على حرية التنظيم والعمل النقابي، فهل نعيش في ظل القانون أم في غابة الشركات العابرة للقارات؟”.

وختم بوهوش تصريحه بالتأكيد على أن الاحتجاجات الأخيرة، التي شهدت تنظيم مسيرات حاشدة بالدراجات النارية، تعكس مدى الغضب المتصاعد في صفوف عمال التوصيل، محذرا من أن استمرار هذا التجاهل قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي يصعب التحكم فيه.

ودعا السلطات العمومية إلى التحرك العاجل، ليس فقط لحماية حقوق فئة واسعة من الشباب المغربي، بل أيضا لوضع حد لكل من تسول له نفسه التطاول على سيادة الوطن وثوابته غير القابلة للتفاوض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *