سياسة

خبير حقوقي: خطاب العرش يعلن مرحلة جديدة من التمكين الاجتماعي والعدالة المجالية

أكد المحامي والباحث في قضايا الهجرة وحقوق الإنسان، الحسين بكار السباعي، أن خطاب العرش لسنة 2025 لم يقتصر على استعراض حصيلة الإنجازات، بل شكّل وثيقة سياسية تؤسس لمرحلة جديدة من مسار الدولة الاجتماعية، مبنية على العدالة المجالية والإنصاف الترابي، وموجهة برؤية استشرافية نحو التحديات الداخلية والمتغيرات الإقليمية والدولية.

وأوضح السباعي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن الخطاب حمل مضامين مركبة جمعت بين الحزم والتبصر، والواقعية والطموح، وعبّر عن مكاشفة صريحة بروح المسؤولية. واعتبر أن الخطاب يؤسس لتحول من شرعية الإنجاز الاقتصادي إلى رهان توزيع ثماره بعدالة، ومن تحصين المؤسسات إلى دينامية تشاركية تستحضر استحقاقات 2026 وموقع المغرب في الساحة الدولية.

وسجّل المحلل ذاته أن الخطاب شدد على صلابة الاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات العالمية والتغيرات المناخية، مشيرا إلى التطور الذي يعرفه المغرب في قطاعات واعدة كصناعة السيارات والطيران والطاقات المتجددة، إلى جانب البنية التحتية والمشاريع السيادية. لكنه نبه إلى ضرورة مساءلة الأثر الاجتماعي لهذه الدينامية، مؤكدا أن مغرب اليوم لا يمكنه القبول بتنمية بسرعتين.

وفي السياق ذاته، اعتبر السباعي أن الخطاب الملكي تضمن دعوة واضحة لإطلاق جيل جديد من البرامج الترابية المندمجة، تكرس العدالة المجالية وتعزز الاستثمار المحلي وتحسن خدمات التعليم والصحة، في إطار تدبير رشيد للموارد الطبيعية بمنطق السيادة والمسؤولية. وأكد أن التنمية لم تعد مجرد أرقام، بل صارت التزاما أخلاقيا يقاس بجودة حياة المواطنين في مختلف جهات المملكة.

وفي الجانب السياسي، لفت المتحدث إلى أن الخطاب وجه تحذيرا مبكرا للنخب السياسية قبيل الانتخابات التشريعية لسنة 2026، داعيا إلى إعداد إطار قانوني ملائم للانتخابات يضمن الشفافية ويحصن المسار الديمقراطي من أي تراجع. وأكد أن الرسالة الملكية تحث الفاعلين السياسيين على تجديد خطاباتهم وبناء ثقة المواطن بالممارسة السياسية.

وبخصوص العلاقات الإقليمية، توقف السباعي عند تجديد الملك لنداء اليد الممدودة تجاه الجزائر، مؤكدا أن الموقف يعكس اتزان الدولة المغربية وحرصها على حسن الجوار، دون التفريط في الثوابت الوطنية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية التي تكتسب دعما دوليا متزايدا، خاصة من دول مؤثرة كالمملكة المتحدة والبرتغال، بما يعزز مصداقية مبادرة الحكم الذاتي.

وأشار الباحث إلى أن الخطاب يؤشر على انتقال المغرب من مرحلة التمكين الاقتصادي إلى التمكين الاجتماعي، في ظل تحول واضح في فلسفة الدولة نحو منطق الاستكمال العادل للمسار التنموي. واعتبر أن مضامين الخطاب تشكل تعاقدا وطنيا جديدا يرتكز على مركزية الإنسان، والعدالة في توزيع الثروة، وسيادة القانون، والتوازن بين التنمية والتماسك الاجتماعي.

وختم السباعي تصريحه بالتأكيد على أن الخطاب يمثل دعوة مفتوحة لكل الفاعلين من حكومة وأحزاب ومجتمع مدني للانخراط في ورش البناء الوطني، معتبرا أن مغرب الغد لا يمكن أن يُبنى بعقلية التدبير الإداري أو الخطابات الموسمية، بل بمواطنة منتجة، ومشاركة فاعلة، وفكر استراتيجي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *