مجلسا بوعياش واعمارة يحذران من إفراغ التنظيم الذاتي للصحافة من مضمونه الديمقراطي

في سياق النقاش التشريعي حول مشروع القانون رقم 25.26 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، أجمع ممثلا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، خلال يوم دراسي احتضنه مجلس المستشارين، الإثنين، على ضرورة مراجعة جوهرية وعميقة تكرّس حرية التعبير وتعزز استقلالية التنظيم الذاتي للصحافة بالمغرب.
وشدد محمد بنقدور، عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، على أن الصحافة لم تعد فقط وسيطا لنقل الأخبار، بل أصبحت فاعلا مركزيا في تعزيز النقاش العمومي وترسيخ قيم الشفافية والمساءلة، معتبرا أن اللحظة التشريعية الحالية تمثل فرصة تاريخية لإعادة التفكير في الإطار القانوني المنظِّم للمهنة، بما يعكس التحولات العميقة التي يعرفها الحقل الإعلامي في المغرب والعالم، وعلى رأسها الانفجار الرقمي، وتراجع النموذج الاقتصادي التقليدي للصحافة، وتنامي ظاهرة صحافة المواطن.
من جهته، أكد محمد الهاشمي ،مدير الدراسات والأبحاث والتوثيق بالمجلس الوطني لحقوق الانسان، أن المجلس يتعامل مع المشروع من زاوية الحقوق والحريات، كما نص عليها الدستور المغربي والمواثيق الدولية، وعلى رأسها المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مذكرا بأن التنظيم الذاتي للصحافة ليس مجرد هيكل إداري، بل هو آلية لضمان حرية التعبير واستقلالية المهنة عن السلطة السياسية والاقتصادية، ما يجعله أحد أعمدة البناء الديمقراطي.
وتقاطعت ملاحظات المؤسستين حول الطابع التأديبي الغالب على المشروع، وغياب تعريف دقيق لمفهوم “الخطأ المهني”، مع تركيز سلطات التحقيق والإدانة في يد هيئة واحدة، في غياب ضمانات واضحة للحياد وحقوق الدفاع، وهو ما اعتبره الهاشمي “مسا خطيرا بمبدأ المحاكمة العادلة، خاصة مع غياب رقابة قضائية على بعض العقوبات كالسحب أو التوقيف”.
كما سجل بنقدور غيابا للتوازن في تركيبة المجلس الوطني، مشيرا إلى أن النص الحالي يُقصي المجتمع المدني، ويهمّش تمثيلية الجمهور، ويغفل منصات الإعلام الرقمي. وأوصى بإدراج فئة “الحكماء” داخل المجلس، تضم شخصيات مرموقة من داخل الجسم الإعلامي، لضمان الحياد والتوازن في اتخاذ القرار.
وفي تحليله للمبادئ المؤطرة للتنظيم الذاتي، شدد الهاشمي على خمسة مرتكزات لا يمكن الاستغناء عنها: حرية التعبير، استقلالية المجلس، التعددية المهنية، التمثيلية الواقعية، والشفافية المؤسسية. واعتبر أن أي اختلال في هذه المبادئ سيحوّل المجلس إلى جهاز إداري يفتقر للشرعية المهنية والمجتمعية.
من جهته، أكد بنقدور أن التمثيل النسبي باللائحة هو الخيار الأنسب لضمان تنوع الجسم الصحفي، مشددًا على ضرورة مراجعة آليات الترشح والتصويت بما يضمن العدالة في تمثيل الصحافيين والناشرين، ويوسّع مشاركة المكونات الجديدة، من صحافة رقمية وصناع محتوى.
ورغم اختلاف زوايا المقاربة، اتفق المتدخلان على أن إصلاح المجلس لا يمكن أن يتم في عزلة عن باقي النصوص المؤطرة للصحافة. وأكد بنقدور أن الإصلاح المتدرج، بدءًا بتعديل الإطار الانتخابي للمجلس، قد يشكل مدخلا عمليا نحو إصلاح شامل يشمل أيضًا قانون الصحافة والنشر، والنظام الأساسي للصحافي المهني.
كما دعا الهاشمي إلى تجاوز “النية الحسنة” في الصياغة، نحو مقاربة تشاركية وواقعية، تُنهي الطابع التجزيئي في التشريع، وتدمج التنظيم الذاتي ضمن رؤية مؤسساتية شاملة تكرّس الثقة بين الصحافة والمجتمع.
وخلص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى أن بناء نظام قوي للتنظيم الذاتي لا يخدم فقط مهنة الصحافة، بل يعزز الحماية المؤسساتية للديمقراطية، ويمنح المغرب نموذجا يحتذى في التوفيق بين الحرية والمسؤولية.
اترك تعليقاً