منوعات

حسن بويخف يكتب .. فشل الخراصون

هل يمكن لصرح عظيم من قيم التضامن الاجتماعي عمر بالمغرب قرونا من الزمن أن تنال منه صيحة في واد الدعاية الإعلامية شيئا؟

فعكس ما يروج له البعض بهتانا وافتراء، لم يرتبط العمل الإحساني في المغرب قط بمناسبات سياسية عابرة، ولا بفاعلين محددين يحتكرونه، بل كان دائما سلوكا متجذرا في المجتمع المغربي وفي نفوس المغاربة. هذا الرسوخ العميق لقيم التضامن، والانتشار الواسع لمناشطها جعل منها إحدى خصائص المغرب الأصيلة، وإحدى ركائزه الاجتماعية العظيمة.

ذلك الانتشار والتجذر حَوَّلا التضامن الاجتماعي إلى ورش مفتوح طيلة أيام السنة يشارك فيه الجميع، من رئيس الدولة، إلى أي مواطن عادي يقاوم من أجل لقمة العيش، مرورا ببرامج حكومية، وأنشطة الجماعات المحلية، ومنظمات رسمية على رأسها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، والمجتمع المدني بكل توجهاته وحساسياته، والمقاولات الاقتصادية… وفي كل هذه المستويات من التضامن التي عمرت في المغرب طويلا، اكتسبت ثقافة التضامن مناعة تحررها من أي توظيف مزعوم.

إن هذا الصرح من التضامن الإنساني العظيم، الذي يستمد قوته من الدين الإسلامي ومن القيم الأصيلة للشعب المغربي، لن تنال منه المناوشات الإعلامية لبعض اليائسين والمغامرين. ذلك أن رمضان في ثقافة التضامن المغربي هو “قفة رمضان” التي توزع منها “مؤسسة محمد الخامس للتضامن” مئات الآلاف عبر ربوع المملكة بدعم من وزارتي الداخلية والأوقاف والشؤون الإسلامية، وقد رصد لها هذه السنة في إطار عملية “رمضان1437 ” التي أعطى انطلاقتها أمير المؤمنين، غلاف مالي بقيمة 56 مليون درهم، والتي سيستفيد منها 4, 2 مليون شخصا يمثلون 473 ألف و 900 أسرة، من ضمنهم 403 آلاف أسرة بالعالم القروي بمختلف جهات المملكة. وتوزع “قفة رمضان” أيضا الجماعات المحلية من ميزانيتها السنوية، كما يوزعها المحسنون والمجتمع المدني.

ورمضان المغربي هو أيضا ما اصطلح على تسميته بـ”موائد الرحمان” التي ينظمها المحسنون والمجتمع المدني، وكثير من المقاهي في كل المدن، حيث توزع وجبة الإفطار على المعوزين والمشردين وعابري السبيل. ورمضان المغربي هو “إفطار الصائم” بحثا عن الأجر الذي تبادر به الأسر في الأحياء، ويبادر به أي مغربي أتيحت له فرصة التبرع بما هو قادر عليه. ورمضان المغربي، هو تلك التمرات التي يتقاسمها المصلون في المسجد قبيل صلاة المغرب وبعدها وهم لا يدرون من تطوع بها.

رمضان المغربي، هو أيضا تلك الوليمة المتنوعة من المأكولات والمشروبات التي تعم مساجد المملكة، مدنها وقراها، في ليلة القدر، في أجواء روحانية عالية.

ورمضان المغربي هو زكاة الفطر التي يحرص المغاربة على إخراجها في وقتها وهم فرحون. وهو أيضا كسوة العيد التي تُدخل بها الأيادي الرحيمة الفرحة على اليتامى وأطفال المعوزين، وهي ما نجده في يوم عيد الفطر من أعمال الإحسان التضامني الكثيرة التي تتم في أجواء بهجة العيد وأفراحه…

وباختصار فرمضان المغربي، كما ورثناه عبر قرون، بدايته إحسان تضامني ووسطه إحسان تضامني وختامه إحسان تضامني. فهل من أجل مكاسب انتخابوية ضيقة يسعى البعض إلى إفساد هذا الإرث العظيم من التضامن الديني والإنساني بنشر الأكاذيب والتخرصات؟

لقد فشلت إشاعات منع تقاليد الإحسان الرمضاني التي حاول البعض تشويهها بنعتها زورا بـ”الإحسان الانتخابي”، وفشلت أكاذيب وجود تهديدات من وزارة الداخلية بمقاضاة الجمعيات والأشخاص الذين ينشطون في هذا الورش التضامني، وخسئت محاولة البعض تصوير “مؤسسة محمد الخامس للتضامن” كما لو أنها “قفاز” ملاكمة في يد الداخلية لمواجهة تقاليد المجتمع المغربي، … فشلت كل تلك التخرصات الإعلامية في دفع المغرب ليحارب ذاته.

إن رمضان هذه السنة، والحمد لله، لم يخرج عن الصورة التضامنية المشرقة التي دأب رمضان المغاربة عليها كل سنة، فقد انطلقت دينامكية التضامن المغربي الرمضاني الأصيل بتلقائية، وفي كل المستويات، ولم تنل منها صيحات يائسين ومغامرين في واد الإعلام. فليست تلك الأصوات من سيملي على الدولة ولا على المجتمع كيفية تدبير تقاليد عريقة هي من تجليات التدين المتجدر في المجتمع المغربي المسلم.

إن فزاعة “الإحسان الانتخابي”، التي رفعها جبناء الانتخابات والمصابين بفوبيا ديمقراطيتها، ليست سوى “قرون” وضعها هؤلاء على رؤوسهم لينطحوا بها جبلا شامخا من تقاليد التضامن الاجتماعي الذي يجد أكبر تجلياته في رمضان. فلهم نعيد ما قاله أحد الشعراء:

يا ناطح الجبلَ العالي ليَكْلِمَه ….. أَشفق على الرأسِ لا تُشْفِق على الجبلِ

وقال آخر:
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنَها ….. فلم يَضِرْها وأوهى قرنَه الوعِلُ