سياسة

إحداث هيئة مستقلة للانتخابات.. مطلب ديمقراطي يصطدم بقدرة الداخلية الميدانية

اشتكت عدد من الأحزاب السياسية، خلال انتخابات 2021، من انزياح بعض رجال السلطة عن الحياد المفروض في وزارة الداخلية خلال الاستحقاقات التشريعية الماضية، وهو ما دفع بعض الأصوات اليوم بمناسبة التحضير لاستحقاقات 2026 إلى المناداة بإحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات بدل وزارة الداخلية، غير أن هذا المطلب قد تعترضه إكراهات ميدانية.

وفي مذكرته حول الإطار القانوني للانتخابات التشريعية لسنة 2026، اقترح الحزب الاشتراكي الموحد إحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات بدلا من وزارة الداخلية.

تتكون هذه الهيئة من لجنة تنفيذية تضم قضاة وشخصيات مشهود لها بالنزاهة، ومجلس مراقبة كآلية للتتبع يضم ممثلين عن جميع الأحزاب السياسية، وتتوفر على تمثيليات جهوية وإقليمية ومحلية وتوضع تحت تصرفها الإدارات والجماعات ووسائلها.

وللحد من الحضور القوي والمباشر لوزارة الداخلية في الانتخابات، دعا مركز المؤشر للدراسات والأبحاث إحداث هيئة مستقلة للإشراف، تتكون من شخصيات قضائية وأكاديمية وممثلين عن المجتمع المدني، تكون مهمتها تتبع وضمان نزاهة العملية الانتخابية، وتصدر تقارير علنية للرأي العام حول سيرها.

هذا الحضور القوي والمباشر لوزارة الداخلية، يقول المركز، “يغذي انعدام الثقة ويعمق العزوف السياسي”، مضيفا أن هذا الانطباع يتعزز بسبب الممارسات المرتبطة بدور أعوان السلطة المحليين، من شيوخ ومقدمين، “الذين ينظر إليهم كأدوات للتأثير في سلوك الناخبين وتوجيههم، أكثر من كونهم عناصر لوجستية لتيسير العملية التنظيمية”.

مطلب ديمقراطي ولكن..

وفي هذا الصدد، أشار أستاذ القانون الدستوري في جامعة الحسن الأول بسطات، عبد الحفيظ اليونسي، إلى أن مطلب إحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، ليس جديدا في المغرب، حيث طالبت به أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية ومدنية، وكان مطلبا له قوته إبان حراك 20 فبراير سنة 2011.

واعتبر اليونسي، في تصريح لـ”العمق”، أن هذا المطلب “ديمقراطي له وجهاته في سياق تحقيق تحول ديمقراطي مفترض”، واستدرك بأن تنزيله ليس سهلا في السياق المغربي، موضحا أن “هناك فرق بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون”.

وتابع الأستاذ الجامعي أن إحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات التشريعية “يحتاج إلى وجود إرادة سياسية والتزام مؤسسات الدولة بتيسير عمل هذه الهيئة، خصوصا في العلاقة مع أجهزة إنفاذ القانون، أي رجال السلطة والقضاء”.

ودأبت وزارة الداخلية منذ عقود على تولي الإشراف المباشر على الانتخابات، وتشرف حاليا على المشاورات السياسية مع الأحزاب، وذلك بتوجيه من الملك محمد السادس. وراكمت وزارة الداخلية خبرة تقنية ولوجستية منذ سنين، ما يجعل إبعادها من الإشراف على الانتخابات أمرا شديد الصعوبة.

لذلك، يرى عبد الحفيظ اليونسي أن الجهة الأقدر على تنظيم هذه الانتخابات هي وزارة الداخلية، لثلاث اعتبارات؛ أولها حضورها الترابي القوي، ثانيها تجربتها التاريخية التي راكمتها، وثالثا حيادها المفترض.

و”أعتقد أن خطاب الملك وتوجيهه لوزارة الداخلية للإشراف على الانتخابات، ضمنيا هو تحميلها المسؤولية السياسية والقانونية أمام رئيس الدولة عن أي تلاعب بالإرادة العامة، وأعتقد أيضا أن هذا الإشراف هو فرصة لهذه الوزارة لاستعادة مصداقيتها في ظل ما رشح من دور سلبي لبعض رجالها في الانتخابات السابقة”، يقول اليونسي.

إكراهات لوجستية

في الاتجاه ذاته ذهب الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، معتبرا أنه من الصعب جدا أن يتم إحداث هيئة مستقلة للإشراف على سير الانتخابات القادمة، نظرا لعدة أسباب؛ “من أهمها أن وزارة الداخلية أشرفت على سير كل الانتخابات السابقة، نظرا لما تتوفر عليه من إمكانيات بشرية ولوجستية، لا تتوفر عليها أية مؤسسة من مؤسسات الدولة، فبالاحرى هيئة مستقلة يتم إحداثها قبيل الانتخابات”.

وأشار محمد شقير، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن الملك بوصفه أعلى سلطة سياسية بالبلاد، سبق أن كلف في خطاب العرش الأخير وزير الداخلية وليس رئيس الحكومة بالإعداد والإشراف على الانتخابات القادمة.

“إلى جانب ذلك فباستثناء الحزب الاشتراكي الموحد، الذي لا يشكل قوة سياسية ذات أهمية في المشهد السياسي، فجل الأحزاب خاصة الكبرى لم تقترح مثل هذه الهيئة، بما فيها حزب التقدم والاشتراكية الذي دعم إشراف الوزارة على هذه الانتخابات”، يضيف شقير.

ويسترسل “خاصة بعدما أكد وزير الداخلية في مداخلته خلال لقائه مع الأحزاب على ضرورة أن تتم الانتخابات القادمة في إطار من النزاهة والشفافية، خاصة بعدما اتخذت الوزارة إجراءات لعزل عدد من المنتخبين ورؤساء الجماعات بسبب اختلالات تسييرية”.

وخلص إلى أنه لا يمكن تصور أن الانتخابات القادمة أو أي انتخابات مستقبلية ستجرى بدون إشراف من طرف وزارة الداخلية ومتابعتها من طرف أطرها، وإن كان من الضروري أن تحرص الأحزاب على المطالبة بوضع خط أخضر يتم الاتصال عبره للتبليغ عن أي تجاوزات أو تدخل من طرف أعوان أو رجال السلطة لدعم أو إسقاط مرشح.

هيئة للمواكبة

الإكراهات التي أشار  إليها كل من عبد الحفيظ اليونسي ومحمد شقير، هي نفسها تقريبا التي دفعت حزب التقدم والاشتراكية إلى التشبث بإشراف وزارة الداخلية على انتخابات مجلس النواب لسنة 2026، كما اقترح هيئة للتتبع والمواكبة، تضم تمثيليات للأحزاب السياسية.

ودافع الحزب على أن تتولى وزارة الداخلية الإشراف السياسي والتنظيمي والإداري والتقني المباشر على انتخابات مجلس النواب المقرر في سنة 2026، بالنظر إلى التجربة التي راكمتها منذ سنوات، بالإضافة إلى توفرها على الأدوات اللوجستية اللازمة.

وإلى جانب هذا الإشراف، اقترح إحداث هيئة تتبع ومواكبة سياسية وطنية، بتمثيليات إقليمية، تشتغل طيلة مراحل الانتخابات، تضم تمثيلية الأحزاب السياسية، والسلطات الإدارية الترابية، وهيئات الحكامة، وتكون تحت إشراف ممثل عن السلطة القضائية.

وخلال تقديم مقترحات حزبه، في ندوة الثلاثاء، عبر الأمين العام لحزب “الكتاب”، محمد نبيل بنعبد الله، عن رفضه لإحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، قائلا إن إحداثها يعني تشكيكا في المؤسسات الموجودة بدءا من وزارة الداخلية.

ونبه بنعبد الله إلى إشكالات عملية ولوجستية ستواجهها الهيئة المستقلة في حال إحداثها، مشيرا إلى أنها في الأخير ستعول على وزارة الداخلية ووسائلها من أجل تلقي الترشيحات وتنظيم التسجيل والاقتراع والمكاتب وغيرها من الأمور المرتبطة بالانتخابات.

لكن مركز المؤشر للدراسات والأبحاث دعا إلى المزاوجة بين أمرين متكاملين، الحفاظ على دور وزارة الداخلية باعتبارها الجهة الأكثر قدرة على تأمين الجانب التقني واللوجستيكي للانتخابات، مقابل تقليص سلطتها التقديرية في الجانب السياسي والتنظيمي، عبر إشراك مؤسسات وهيئات مستقلة تضمن التوازن والرقابة.

وتظل دائما مسألة حياد وزارة الداخلية وعدم تدخلها لدعم مرشح على حساب آخر مثار نقاش عند كل استحقاقات تشريعية، نظرا للاتهامات التي توجهها بعض الأطراف لعدد من أعوان ورجال السلطة، لكن رغم ذلك يظل إبعادها عن الإشراف على الانتخابات يصطدم بكونها الجهة الوحيدة الأقدر ميدانيا ولوجستيا على هذه المهمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *