وجهة نظر

الاغتصاب الزوجي.. جريمة أسرية ومفسدة للمحبة

حَرّم الله أسلوب الإكراه الذي يتوسله المستبدون لإخضاع الرقاب واستعباد العباد. ونفى سبحانه عن دينه الإكراه، فقال (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). وبَيّن تعالى أن مشيئته في خلق الناس هي الاختلاف، فقال (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). ونفى تعالى عن إرادته منطق الإكراه والإجبار، فقال (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)، وقال (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).

ونَظر دين الإسلام إلى الإكراه في مجال المعاملات المالية، والتعاملات الإنسانية، والأفكار الاعتقادية كونه عيبا من عيوب الرضا وآلية لسلب الإرادة الحرة على الاختيار. ففي مجال العقيدة نص الإسلام على الحرية فقال (لا إكراه في الدين)، وقال تعالى (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، ورخص للإنسان المضطهد بسبب أفكاره ومعتقداته بإظهار الكفر وإخفاء الإيمان، فقال (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان).

وفي مجال التعاملات الإنسانية سنّ الإسلام منهج التجاوز عن ما أُكره الناس عليه بسبب الاستبداد والمستبدون أو الفاقة والاضطرار، فقال الرسول صلى الهل عليه وسلم فيما يخص أمته “تجاوز الله عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه”. وقال عليه الصلاة والسلام في ما يتعلق بأبناء آدم، “تجاوز الله -عز وجل- لابن آدم عمَّا أخطأ، وعمَّا نسي، وعمَّا أُكْرِهَ، وعمَّا غُلِبَ عليه”.

واعتبر الإسلام الإكراه في مجال المعاملات المالية والتجارية عيبا من عيوب الرضا بين المتعاقدين. وقد أسقط الإسلام كل العقود والالتزامات المبنية على الإكراه والإجبار والغلبة وغياب الإيجاب والقبول الحر. وكل من تتبع في القرآن الكريم مصطلح الإكراه والألفاظ المماثلة له يخلص إلى نتيجة واحدة مفادها أنالإسلام يجرم الإكراه باعتباره ظلما كبيرا، وممارسة منافية للمعاملة الإنسانية الحسنة.

نستدعي خلاصة كل ما سبق من أجل وضع قضية الإكراه الزوجي أو الاغتصاب الزوجي في ميزان النقد والتمحيص، وكذلك من أجل وضعها في الإطار العام المتعلق بتجريم دين الإسلام للإكراه والغصب والظلم.

أَسس دين الإسلام العلاقة الزوجية على أصول نفسية هي: المحبة والمودة والرحمة وكل ما يمت لهذه القيم بصلة، فقال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، وهنا لنا أن نتساءل أين تتجلى كل هذه القيم في إجبار أحد الزوجين شريكه على ممارسة علاقة جنسية دون الرضا، أو القيام بممارسات شاذة، أو الإرغام على أشياء مماثلة لما يشاهد في الأفلام الإباحية؟

لقد أرسى الإسلام الحياة الزوجية على نظام بديل عن منطق الإجبار وهو نظام الشورى. وجعل الإسلام التشاور أساس اتخاذ القرارات المتعلقة بقضايا اختيار شريك الحياة والخطوبة والزواج وشؤون الأسرة والأطفال والرضاعة وتنظيم النسل والتوارث والطلاق ومراجعة الطلاق.. وقد وردت عشرات الآيات والأحاديث التي تنص على إعمال منهج الشورى ليس فقط في الشؤون السياسية، بل من خلية المجتمع الأولى التي هي الأسرة.

ولما كانت الخلاصة هي أن الإسلام حرم الإكراه بكل أصنافه فإن الإجبار على الجماع بين الأزواج متضمن بشكل تلقائي. ولا يمكن أن تدخل جميع الأصناف دائرة التجريم ويترك الاغتصاب الزوجي خارج نطاقها. وقد أحسن مفتي الجمهورية التونسية، صنعا حين أصدر فتوى قال فيها إن “الإسلام حرّم الإكراه على الجماع بين الأزواج”، وإن “الإسلام حثّ على المودة بين الرجل والمرأة، كما ساوى بينهما وخلقهما من نفس واحدة”.

ولو توجه الأزواج إلى إعمال النظام الشوري الذي أرساه الإسلام لتسيير العلاقات الزوجية، وإلى استحضار قيم المودة والحب والرحمة لذهبوا إلى معالجة أصل المشكلة المتجسدة في الأسباب النفسية والاجتماعية والطبية التي قد تقف وراء امتناع أحد أطراف العلاقة الزوجية، عوض ما ذهب إليه الكثير من الفقهاء من إجبار الزوجة على ممارسة الجنس عند امتناعها، ويشرعنوا لقضية حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها وهي “لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول، قيل: وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام”.

فهيهات هيهات، أن يوصل الإجبار إلى حياة السعادة، أو أن يصنع الاستبداد مقاصد الزواج المتمثلة المودة والرحمة. فالاغتصاب الزوجي في المحصلة جريمة أسرية ومفسدة للمحبة والمودة والرحمة.