وجهة نظر

سياسة الغرب نحو تركيا.. نفاق وكيل بمكيالين

يكاد يكون الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان السياسي الوحيد الذي يملك جرأة انتقاد السياسة الأمريكية- الأوربية صراحة، فلا يدع مناسبة إلا وجه فيها النقد لسياسة الغرب المنافقة، وقام بفضح عوار سياستهم، وانتقد تخاذلهم في حال الأزمات العالمية في ، ابتداء من القضية الفلسطينية والسورية والمصرية والعراقية إلى فساد الأمم المتحدة وقضايا المسلمين المختلفة، وحال الإنسانية في العالم.

من هذه المناسبة خطاب الرئيس التركي في منطقة أيوب بمدينة إسطنبول حيث خاطب الاتحاد الأوروبي قائلًا: (إنه في الوقت الذي تحيط به المنظمات الإرهابية والأطراف الداعمة لها بتركيا، وتشن هجماتها ضدها، يطالبنا الاتحاد الأوروبي بتعديل قانون الإرهاب مقابل التأشيرة..لماذا لا تغيرون أنتم أولا عقليتكم التي تسمح للإرهابيين بنصب خيمة بجوار البرلمان الأوروبي، وتقدمون لهم المساعدات، ثم تقولون إنكم تقومون بهذا بذريعة الديمقراطية). وكالة الأناضول.

في كلمته التي ألقاها خلال اجتماع المحافظين المدنيين الثاني قال عن نفاق أمريكا: “لا أستطيع أن أتفهم الموقف الأمريكي، الذي لم يتمكن من وصف الحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية بالإرهاب، وتستمر بدعمها لهما، نريد أن نعلم من صديق أمريكا حزب الاتحاد الديمقراطي أم تركيا؟… إن كانت أمريكا لا تنظر إلى تركيا كصديقة، فلتخرج ولتعلن ذلك على الملأ، وعلى أساسه نحدد موقفنا”. وكالة الأناضول.

ووصف أردوغان موقف الغرب من الإرهاب سواء كان من تنظيم داعش أو منظمة “بي كا كا” وفروعها قائلا: “لا يمكن تصنيف الإرهاب على أساس إرهابي سيء وإرهابي جيد، الإرهاب واحد، من يدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، وينتقد تنظيم داعش، لا يمكن الوثوق بجديته”.

هذه الجرأة في النقد والصراحة في فضح الغرب وبيان عيوبه ونفاقه، تشد يوما بعد يوم، وليست نزوة عابرة، أو حماسة مغرورة، بل منهج اتخذه الرئيس التركي الطيب أردوغان بعد يقين تام بأن الغرب يرى مصلحته ولو على حساب دماء وبلدان وأرواح الاخرين، وهذه السياسة التي لا تجامل الغرب قويت في الأشهر الأخيرة بعد عدة أحداث وردود أفعال متنوعة.

أما الأحداث فهذه بعضها:

– نجاح حزب العدالة والتنمية في تمرير مشروع قانون رفع الحصانة البرلمانية عن كل من له قضية في القضاء التركي، وخاصة من اتهم بدعم الإرهاب والإرهابيين.

– وصول أحد أقوى قادة حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الوزراء بتركيا، بن علي يلدريم الذراع الأيمن للرئيس التركي ورفيق دربه وأحد مؤسسي الحزب، والذي يتفق مع رؤية أردوغان في إدارة غالب القضايا التي تعمل الحكومة التركية على حلها قبل 2019، وكلمة رئيس الوزراء التركي بن علي بمناسبة الاحتفال بالذكرى 563 لفتح اسطنبول والتي قال في ختمتها: ” أيها الفاتح العظيم “محمد الفاتح” رحمك الله تعالى، إن أحفادك اليوم وراء القائد أردوغان يفتحون المشاريع الكبرى والعظيمة بتركيا فوق الأرض وتحتها، وفوق البحر وتحته”.

– عزم العدالة والتنمية على عرض دستور جديد على الاستفتاء الشعبي، حيث يعتبر قادة العدالة والتنمية الدستور الحالي (أو كما يسمى “دستور انقلاب 1982”) أكبر عائق أمام تطور تركيا وتفعيل الديمقراطية فيها، كما يعرق تحقيق أهدافها ورؤيتها ومشاريعها الكبرى، ويرون في اعتماد دستور جديد انجازا كبيرا يزال به تداخل السلطات والصلاحيات التي يعاني منها النظام البرلماني الحالي.

– عزم الرئيس التركي ورئيس وزرائه على الذهاب بعيدا في مشروع النظام الرئاسي وقرارات بن علي في الموضوع من أجل تسريع وثيرة تسويق المشروع،وعرضه بوضوح وجيدة على الشعب التركي الذي له الحق في رفضه أو قبوله.

– تماطل الاتحاد الأوروبي في رفع التأشيرة عن الأتراك، وفرضهم شروط جديدة تخص الأتراك دون غيرهم من الأوروبيين.

– اشتداد الخناق على الثور في جبهة حلب وغيرها، وتوسع قوات وحدات حماية الشعب الكردية بالشمال السوري اتجاه الحدود التركية السورية.

– التحركات العسكرية الأخيرة على الحدود التركية السورية والمناورات المشتركة بين تركيا والسعودية وقطر.

– اشتداد الخناق المالي والاقتصادي على روسيا والتي أصبحت أخبار الانتحار وتوسع طبقة الفقراء بها تنتشر، وازدياد النفقات العسكرية والخسائر المالية في سوريا.

– قمة الإسطنبول الانسانية والتي فضحت الغرب وإنسانيتهم، حيث غاب عن هذه القمة المهمة والتاريخية كبار العالم وخصوصا مجموعة السبعة(G7)، قال الرئيس التركي ملخصا حال الإنسانية وأزمتها: (جميعنا يعرف أن الأزمة الإنسانية اليوم ليس سببها العجز المادي، وإنما الافتقار إلى الرحمة وانعدام الضمير الإنساني، يجب إنعاش الضمير العالمي وإصلاح نظام المساعدات الإنسانية).

– ظهور صور لجنود أمريكيين في شمال سوريا يضعون شارة وحدات حماية الشعب الكردية، أثناء تحركهم معاً للهجوم على تنظيم داعش.

أما ردود أفعال التركية نحو عدة قضايا فهي كالتالي:

– اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان روسيا بتزويد حزب “بي كي كي” الإرهابي بالسلاح وبصواريخ مضادة للطائرات، وذلك بعد حادثة سقوط الطائرة المروحية في ولاية “هكاري” في الـ 14 مايو، على يد عناصر “بي كا كا” بصواريخ مضادة للطائرات، تم تزويدهم بها من قبل روسيا.

– تحذير وزارة الخارجية التركية الدول الأوروبية من مغبة تصاعد ظاهرة العداء للإسلام والأجانب (الإسلاموفوبيا) وتعاظم التمييز العنصري في عواصمها خلال السنوات الأخيرة، ودعت الساسة الأوروبيين والشخصيات المشهورة إلى الإسهام في الابتعاد عن التصريحات التي من شأنها زرع التمييز العنصري والعداء للمسلمين في المجتمع.

– تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي بأنه إذا لم تنفّذ الوعود التي أعطيت لتركيا ستضر إلى قطع حبل المشيمة حسب تعبيره، وستعمل بلاده على إيجاد الحل بنفسها في سوريا وخصوصا في المناطق التي على الحدود التركية – السورية.

– دعوة وزارة الخارجية التركية السلطات الفرنسية إلى تجنب ممارسة العنف ضد المتظاهرين والمحتجّين على التعديلات التي تسعى الحكومة لإقرارها على قانون العمل، وقلق أنقرة من ازدياد ممارسة العنف تجاه المتظاهرين الفرنسيين من قبل قوات الأمن الفرنسية، حيث تركيا تراقب أحداث بفرنسا عن كثب، هذا القلق التركي تجرمه نشطاء فرنسيين بوسم “الشرطة تقتل”.

– استمرار أردوغان في الدعوة لإصلاح الأمم المتحدة و تكرار قولته المشهورة ” العالم أكبر من خمس دول” قال الرئيس التركي منتقدا دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن: ( نحن ننتظر أن يقوم مجلس الأمن بمهمته في إحلال السلام وإنهاء الحروب في العالم بدلا من استخدام دوله الأعضاء حق الفيتو من أجل مصالحها وما يتناسب مع سياساتها الخارجية).

– مشاركة آلف الأتراك في مسيرة بالعاصمة الألمانية برلين، احتجاجا على اعتزام البرلمان طرح المزاعم الأرمنية حول أحداث 1915، على جدول أعماله، لمناقشة مشروع قرار بشأنها، مطلع حزيران/يونيو المقبل، حيث ندد المتظاهرون بمشروع القرار الذي تقدم به الائتلاف الحاكم وحزب الخضر المعارض بذلك الخصوص.

العالم كله يعرف أن أمريكا وروسيا وكثير من دول الاتحاد الأوروبي تجعل جميع قضايا المجتمعات في العالم، مشروعا يستثمر فيه من أجل مصالحهم، سياستهم اتجاه كل ما ليس غربي سياسة نفاق وكيل بمكيالين، كما قال الرئيس التركي في مقاله “لسنا عاجزين عن إيجاد حل بل نحن الحل”:

(تركيا اليوم تقدم مساعدات لـ 140 دولة في 5 قارات بحوالي 6.4 مليار دولار لتكون بذلك الدولة الأكثر كرما في العالم بالنسبة للدخل القومي السنوي للدولة، مساعداتنا لهذه الدول لا يقابلها احتقار لتلك الدول أو التعالي عليها أو استخدام الأجهزة الاستخبارية للعبث فيها كما تفعل بعض الدول، نحن نقوم بدعم التغيير في حياة الناس إلى الأحسن بشكل يلامس واقعهم بدلا من استغلال تلك المساعدات للترويج الإعلامي وإصدار التقارير والضجيج على وسائل الإعلام، نفضّل المشاركة ونقل التجربة والتنسيق والتعاون في نهضة الإنسان بدلا من استغلال مفهوم المساعدات لبناء علاقات مستقبلية..).

والختام بتعليق وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على صور الجنود الامريكان و حملهم شارة وحدات الحماية الشعب الكردية،وهذا التعليق هو عنوان السياسة الغربية تجاه قضايا العالم عموما، والعالم الإسلامي والعربي خصوصا: “هذا غير مقبول … هذا كيل بمكيالين، هذا نفاق”.