وجهة نظر

رمضان بين المقاصد والعوائد

ليس هناك شهر من الشهور ينال عناية المسلمين أفرادا وجماعات ، مثل ما يناله شهر رمضان ، فيترقب الجميع ظهور هﻻله ويحتفي به الصغار والكبار ، الذكور والإناث، الأغنياء والفقراء.. حتى كاد أن يكون أهم ما يعرفه الناس في أرجاء الأرض من شعائر المسلمين ، فيهنئونهم بمطلعه وربما شاركوهم بعض مظاهره ، مما يطرح علينا سؤاﻻ عن مدى تمثلنا لمعاني هذا الشهر الكريم ومقاصد صيامه ، هل تحققنا فعﻻ بما شرع ﻷجله وفقهنا جوهر رسالته ؟

لقد حدد ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الغاية والمقصود من تشريع الصيام وفرضه على هذه الأمة ، فقال عز وجل : ” يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” (البقرة/182) ، فبان بذلك أن المقصود هو حصول التقوى وبلوغ مقاماتها السنية من طرف الصائم ، وهو أمر يستعان عليه بمراعاة آداب الصيام والاتصاف بما يتطلبه من مكارم اﻷخﻻق وجميل الخصال.

ومن هذه الآداب كما هو معلوم حفظ اللسان وسائر الجوارح عما ﻻ يرضى من الأقوال والأفعال ، تماشيا مع التحفظ عن شهوتي البطن والفرج ، اللذين هما قوام الصيام . فقد جاءت الأحاديث النبوية الشريفة متواطئة على تنبيه المسلم إلى ما يخرم صيامه ويقلل أجره جراء تجاوز الضوابط الأخﻻقية للصوم ، فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جملة أخﻻق ذميمة ﻻ تليق بالصائم النموذجي ، منها :

– قول الزور والعمل به .
– السباب والشتم .
– اللغو والرفث في القول ، والصخب في الخصومة.
– الكذب والخنا ..

إن الصوم الذي تنتفي منه هذه العوارض وتحفظ فيه الجوارح مع التحقق بآدابه واستحضار نية التعبد واحتساب اﻷجر كفيل بأن يكون صوما مطابقا لما أراده الرب عز وجل ، فلم يشرع الصوم قصدا للمشقة والعقاب كما عند أتباع بعض الملل ، بل إن غايته تهذيب النفس واﻻرتقاء بها في مدارج التزكية الروحانية تحريرا للإنسان من سلطان غرائزه ونزعات شهوته ، وتقوية ﻹرادته بالصبر والتحمل وتمرينا له على دوام مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، وزرعا لفضيلة الإحسان في نفسه إلى الفقراء والمحتاجين ، إذ يشعر بالجوع كما يشعرون ، فيرق لهم قلبه ، وتمتد يده بالعون والتكافل.

فهل نستحضر مقاصد الصيام ونتعامل مع شهر رمضان وفقها ومراعاة لها ؟

ﻻ ننكر أن كثيرا من المؤمنين قد أحسنوا اﻻستفادة من شهر رمضان بصيامه وقيامه ، ومﻷوا أوقاتهم بذكر الله وتﻻوة القرآن الكريم والمواظبة على صﻻة الجماعة في المساجد مع حضور الدروس والمواعظ والتحسن في سلوكهم وتدينهم ، إﻻ أن نظرة عابرة في واقع حالنا تنبئ عن وقوع انفصام ملحوظ لدى طائفة عظيمة من المسلمين بين حقيقة الصيام وصورته ، بين جوهره ومظهره ، فلئن كان مطلوبا من الصائم أن يكظم غيظه ويطفئ غضبه وﻻ ينساق خلف نوازغ الشيطان ، بل يضبط نفسه ويتحكم فيها كما يتحكم في دواعي شهوته ويمنع نفسه التمتع بما أحل الله له ، فإن ما أصبح يشاهد في أسواقنا ومجامعنا من اشتعال الخصومة بين بعض الناس ﻷتفه الأسباب وبلوغهم في ذلك حد الفجور ، يعتبر مؤشرا سلبيا عن مدى تمثل فئات ﻻ يستهان بها من مجتمعنا لمعاني الصيام وعدم الفهم الصحيح لمقاصده ، هذا دون الحديث عن هدر الوقت في متابعة البرامج التلفزية ، والتي إن سلمت من المحظور ، لم تسلم من الوصف باللغو وضياع أوقات ثمينة كان حريا أن تصرف فيما يفيد من عمل الدنيا والآخرة.

فإذا أضفنا إلى ما ذكر ، زيادة اﻻستهﻻك والإقبال على أنواع الطعام والشراب في أوقات الإفطار من شهر رمضان ، بصورة تفوق غيره من الشهور ، حتى تلجأ بلادنا إلى اﻻستيراد من الخارج لتغطية الطلب على المواد الغذائية ، حق لنا أن نتساءل عن معنى صيامنا وماذا يعنيه رمضان بالنسبة لنا ، هل هو شعيرة من شعائر الدين لها أحكامها ومقاصدها ، أم أنه أصبح عادة لنا ، يكفينا التبرك ببلوغه وشهود بعض مقاماته ، دون أن يغير ذلك من سلوكنا وتحققنا بمقاصد هذه المدرسة التربوية الفريدة. 

إن الذي دعانا إلى اﻻستقامة على دينه ، دعانا أن نستقيم كما أمرنا وأراد منا ، أي وفق شرعه ومنهاجه ، ﻻ أن نتبع في ذلك أهواءنا وأغراضنا ، فقال سبحانه وتعالى : ” فاستقم كما أمرت ومن تاب معك وﻻ تطغوا إنه بما تعملون بصير ” (هود/112).
ما أحوجنا إلى اﻻستقامة في باب الصيام على مقتضى مقاصده العظيمة وغاياته النبيلة.