وجهة نظر

على هامش رحيل محمد عبد العزيز..

عرف تاريخ المغرب الحديث بعد الاستقلال نوعين من المعارضة: إحداهما كانت سياسية آمنت بالعمل السياسي بشقيه العلني والسري، وواجهت قسوة النظام على مدى ثلاثين سنة (من 1962 إلى 1992، تاريخ صدور العفو العام، وما تلاه من انفراج سياسي محتشم)؛ والثانية كانت مسلحة، ونشطت أساسا انطلاقا من الجزائر، مع الفقيه البصري أولا، ثم مع جبهة البوليزاريو بعد ذلك.

كان من نتائج مقررات المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الوطني (الاشتراكي لاحقا) للقوات الشعبية، سنة 1975، (عامين بعد أحداث 73) أن تم نزع الغطاء السياسي عن المعارضة المسلحة في الخارج، بإعلان أن لا معارضة ولا قيادة للمعارضة إلا داخل التراب الوطني. وقد ظل هذا القرار فريدا من نوعه في تاريخ المعارضات العربية، وأدى إلى تغيير كبير في مضمون الخطاب والممارسة السياسيين في المغرب منذ ذلك الحين، سواء من زاوية الدولة أو من زاوية المعارضة نفسها. لم تعد شرعية نظام الحكم موضع تشكيك مطلق، لكنها لم تحظ باعتراف كامل دفعة واحدة.

هذا عكس ما حصل في الشرق العربي، حيث توالت الانقلابات تحت اسم الثورات، ولم يؤد أي منها إلى الاعتراف بشرعية الدول القائمة، وظل الخطاب والعمل السياسيان العربيان فقيرين مأزومين إلى أن جاء الأمريكيون إلى العراق سنة 2003 بغطاء سياسي من معارضة المنفى، وجاء “الربيع” العربي منذ 2011 بمعارضات آفاقية قاسمها المشترك وجودها في المنافي الغربية. وما زالت سوريا وليبيا تؤديان منذ خمس سنوات ثمن هذا الفقر السياسي وهذه المعارضة المنفية، التي رهنت بكل أسف مستقبل بلدها وشعبها إلى الأجندات الإقليمية والدولية التي تتحكم فيها.

المعارضة المغربية اندمجت بالتدريج في الحياة السياسية، عبر ما سماه المؤتمر الوطني للاتحاد الاشتراكي: النضال الوطني الديمقراطي، وما سماه المرحوم علي يعته بالمسلسل الديمقراطي. حتى المعارضة التي نهجت أسلوب السرية في بداية السبعينيات سرعان ما بدأت أطرافها تلتحق منذ نهاية السبعينيات، بأطروحات المؤتمر الاستثنائي، حول العمل السياسي التراكمي والتدريجي لإصلاح الدولة وبناء مؤسساتها وتقوية المشاركة الشعبية في العمل السياسي. اليوم لم تعد هناك معارضة سرية، وإن كانت أطياف من المعارضة ما تزال خارج نطاق العمل السياسي المؤسساتي.

أما المعارضة المسلحة، فقد كانت أحداث فبراير ومارس 1973 بالأطلس المتوسط (مولاي بوعزة وخنيفرة) وتينغير، آخر فصولها داخل التراب الوطني، لتتخذ شكلا آخر مع تأسيس البوليزاريو سنة 1973، ودخولها التدريجي في حرب استنزاف ضد “النظام المغربي” بعد استرجاع الأقاليم الصحراوية. وهذا ما لم يخفه أبدا إعلام هذه المنظمة ووثائقها السياسية.

وتحت تأثير المصالح الاستراتيجية للجارة الجزائر، استعارت هذه المعارضة المسلحة غطاء حركة استقلالية تحريرية لأقليم الصحراء الغربية، في وقت كان فيه زعماؤها المؤسسون قد شاركوا سنة 1972 في المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في صياغة ورقة حول الصحراء كبؤرة ثورية لإسقاط النظام الملكي الغاشم، على غرار باقي البؤر الثورية في كل من ظفار (بسلطنة عمان) واليمن الجنوبي وفلسطين. لم يكن هذا الطرح بعيدا عن تأثير طلبة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذين كانوا ينشطون آنئذ في الوسط الطلابي المغربي. ولعل تأمل تسمية منظمة البوليزاريو يكشف عن هذا التأثير (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراءء ووادي الذهب).

ما جرى بعد ذلك يعرفه الجميع..

غفر الله لمحمد عبد العزيز الذي غادرنا، وبموته تكون صفحة أخرى من تاريخ المعارضة المسلحة المغربية قد طويت…