وجهة نظر

ليلى مريضة…

دائما يحاول البعض أن يوهمنا بأنه أكثر إيمانا و صدقا من غيره و بأن المؤمن يمكن أن يسرق وأن يزني ولكن لا يمكن له أن يكذب، وكأنه هو لا يكذب، وكأنه يريد أن يضفي صفة وخا صية الإيمان على نفسه أكثر من غيره. والحقيقة الناصعة أن السياسي غالبا ما يكذب ويزني ويسرق ويفعل الفواحش ما ظهر منها وبطن.

و اليوم ها هم يدعون بأنهم نخب صادقة وتحب الخير لهذا الوطن ويزايدون على وطنية الأخرين وحبهم مع العلم أن من تجليات الصدق والحب الأسمى هي نكران الذات والتضحية. كل من يريد أن يخطب الحسناء عليه أن يقدم مهرها ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) . وعليه، فهلا تنازل هؤلاء عن رواتبهم وإمتيازاتهم وقدموها لأبناء هذا الوطن من المحرومين والمهمشين؟ كل يدعي وصله ب”ليلى” لكن “ليلى ” بالمغرب مريضة تعاني الألام والجراح وتنتظر الطبيب المداويا.

طوال سنين عديدة، يسمع الناس بكثرة هؤلاء المحبين المزيفين وفي كل مرة، أو في كل مرحلة إنتخابية، يخرج هؤلاء وأمثالهم من كل حدب وصوب بقصائدهم الغرامية وبأنهم الأجدر والأحق بحب ‘ليلى’. وعندما يصلون إلى السلطة لا شيء يتغير إلا أشكال وأحجام أجسامهم.

قبل أن يلج السيد بنكيران و وزراءه إلى الحكومة، كانوا نحفاء شيئا ما لكن الأن بدت بدانتهم وزادت أوزانهم وأصبحت واضحة للعيان وضوح الشمس في كبد السماء، و هكذا تأكد الناس، مرة اخرى، من أن الوصول و الجلوس في المناصب العليا باالمغرب يفقد المرء النشاط والحيوية وتجعله يميل أكثر إلى الأكل، فالمأدبات الباذخة التي تقدم في المؤتمرات و الملتقيات تفتح الشهية لإفتراس اللحم و الأطباق بكل انواعها و ألوانها. و كثيرا ما إعترف بعض من هؤلاء بأن أوزانهم زادت و كبرت.

كيف يدعي البعض أن حبهم لهذا الوطن ينبع من إيمانهم وهم يسحقون الضعفاء ويزيدون في بؤسهم وشقائهم و في نفس الوقت يتم تبذير ثروة البلاد كدلك على رواتبهم السمينة و معاشاتهم الكبيرة و إمتيازاتهم التفضيلية و سياراتهم الفارهة التي تقدر بملايين الدراهم ؟ لو كان الحب لهذا الوطن يستبد بهم ويتملكهم لما إتخذوا قرارات مصيرية وظالمة في حق هذا الشعب المسكين الذي أنهكه كل شيء ولم يعد يثق لا في هذا ولا في ذاك بحكم أن كل السياسيين المغاربة متشابهون وإنتهازيون و أنانيون ولا يحبون إلا أنفسهم وذويهم و”بس”.

ليس من المغالاة القول بأن كل الأحزاب المغربية تدعي بأنها تملك الدواء الناجع لكل أمراض المجتمع وعاهاته، لكن لا أحد منها يتجرأ بالإعتراف والقول بأن الأزمة في المغرب هي أزمة مجتمع ككل يعاني الإنفصام والإنحلال بسب إفتقاده إلى معاني الإيثار و المحبة و التضحية و التفنن في العمل و الإخلاص فيه، وبسبب إفتقاده إلى كل تلك الأسس الأخلاقية و النبيلة التي ماتت في المجتمع وفي حياة الناس. و بالتالي، أصبح المجتمع يتخبط في العشوائية والعبتية ويتناطح فيما بينه ويشرمل بعضه البعض على أتفه الأشياء، و الواقع اليومي يعكس كل هذا و يؤكده. الأزمة أزمة مجتمعية كبيرة وخطيرة وتبشر بما هو كارثي إذا ما إستمر الوضع على هذا الحال.

في الحقيقة، لا نعرف إلى أين نسير وأي الإتجاهات التي يجب أن نسلك في ظل حكومة تقلب كل الموازين و تأخذ من الضعفاء وتزيد الأقوياء بالتضييق وممارسة سياسة التقشف حتى على بعض القطاعات الحساسة مثل التعليم الذي هو أساس كل تنمية وكل بناء فكري حضاري ومجتمعي من شأنه أن يؤثر في السلوكيات الفردية و المجتمعية.

كان من المفترض على الحكومة أن تصب كل جهودها في وضع إستراتيجية شاملة لإصلاح التعليم ولتغيير كل مناهجه القديمة والبالية والتي أكل عليها الدهر و شرب و تضع إستراتيجية كبيرة ترمي من خلالها غرس الفضيلة و حب الخير للاخرين و بث معاني المواطنة الصالحة في عقول و قلوب الناس. في اليابان، تدرس مادة الأخلاق منذ المراحل الإبتدائية في المدارس الحكومية التي تعمل على خلق مواطنين صالحين و محبين و مخلصين لوطنهم، و حتى ما إذا كبروا و نجحوا في حياتهم ووصلوا إلى مراكز القرار فإنهم يضحون و يتنازلون عن مصالحهم الشخصية و الضيقة من اجل الأخرين و من أجل إسعادهم.