وجهة نظر

الدعاية بين الحزبي النقابي و بائع (طايب وهاري)

كلّما وقفت أمام بائع الفول و الحمص المتجوّل (طايب و هاري) وبعد السلام عليه وقبل أن أعبّر عن رغبة الابتياع أو أحدّد الكمية التي أنوي اشتراءها، يمدّ مغرفته إلى القدر الذي تنبعث منه روائح مشهيّة و يناولني بعضا من الحمص أو الفول “طايب و هاري” بعد أن يذرّ عليه بعض الملح و الكمون قائلا : ” بسم الله “.

وعملية تمكين الزبون من تذوّق السلعة المعروضة للبيع شكل من أنجع أشكال الإشهار التي يعتمدها الكثير من الباعة بتلقائية و دون مرجعية أكاديمية أو تكوين في المدارس العليا للتسويق و التجارة ، و من المعروف أنه ليس كلّ من تناول ما جادت به المغرفة مجّانا سيكون ملزما بالمرور إلى مرحلة الشّراء ، و لكنه لاشك سيدخل ضمن دائرة زبائن مفترضين أو احتياطيين أو ربما متعاطفين ، هكذا و بكل بساطة يستقطب بائع ” طايب و هاري ” زبائنه و يذيع صيتا و فكرة عن سلعته بلسان متذوقين و متحدّثين .

عند الانتقال إلى سوق أخرى غير هذه ، لنا أن نتساءل إن كان هناك وجه للشبه في مجال الدعاية و الإشهار بين بائع “طايب و هاري ” من جهة و بين الداعية الإسلامي ، رجل السيّاسة والمناضل النقابي من جهة أخرى ، الذين يفترض أن يبلغوا أفكارهم إلى الآخرين ، و يعرضوا سلعتهم للعموم و على أوسع نطاق .

و نتساءل كذلك إن كان بالإمكان أن يغرف كلّ من طنجرته و يقدّم بعضا من سلعته للنّاس للتذوّق بالمجّان ، فيعيش الانسان في رحمة الإسلام قبل أن يعتنقه، و يرى المواطن حذاءه مشروعا سيّاسيا حيّا يمشي داخل المجتمع قبل أن يدخل ضمن منخرطي الحزب الذي يتبنّى هذا المشروع أو ضمن المتعاطفين معه و قاعدة ناخبيه ، و يستفيد المستخدم من مرافقة النقابة و تأطيرها المعرفي و حمايتها القانونية قبل أن يقتنع بالانضمام إليها منخرطا أو على الأقل متعاطفا يصوّت لصالحها في كلّ محطّة و منعطف .

و إن كان من نافلة القول التذكير أنّ انتشار الإسلام في معظم أنحاء آسيا وأفريقيا كان بالقدوة الحسنة فقط و لم يكن بالقوّة ، فالسلف الصالح من التجار وغيرهم كانوا قرآناً يمشى على الأرض فأحبّ الآخرون دينهم وأقبلوا على اعتناقه .

و اليوم حيث الكلّ يشتكي من عزوف المواطن عن السياسة ، فإنّي أعتقد أنه أصبح من الغير المجدي من باب الدعاية و الاستقطاب أن تستعمل الأحزاب منظارا نفعيّا و تنهج النّقابات ابتزازا مقنّعا للبحث عن مناضلين جدد كلّما أزفت محطّة من المحطّات الانتخابية ، فتكسب بذلك عددا قليلا منهم و توشك أن تخسر بالمقابل الكثير من المتعاطفين الذين يُعتبرون مشاريع منخرطين و يمثلون في حقيقة الأمر نسبة كبيرة من القاعدة النّاخبة ، و من غير المنطقي كذلك مقايضة الخدمات بالصوت الانتخابي أو ببطاقة الانخراط .