سياسة

بلقزيز: “الدعوة” وظيفة إيديولوجية وأداة من أدوات المنازعة السياسية

قال المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز إن” الدعوة وظيفة أيديولوجية سياسية بامتياز”، مشيرا إلى أن مسألة الدعوة مسألة راهنية وفي غاية الأهمية؛ ففي كل يوم نسمع عبارة الدعوة تتكرر وتتردد في برامج الإذاعة والصحف والمجلات والكتب والمساجد وفي خطب الجمعة، حتى أنه أصبح في تواتر استخدام العبارة يستبدِهُ الناس بعض ما هو غير مُستبدَهاً”.

وتساءل بلقزيز، في ندوة نظمتها مؤسسة ” مؤمنون بلا حدود” للدراسات والأبحاث السبت الماضي بالرباط، هل هناك شيء اسمه الدعوة؟، مضيفا أنه إذا أخذناها بمفهومها الديني النبوي، فالدعوة مسألة تاريخية، بمعنى تصبح المشكلة مشكلة تاريخية؛ أي تتعلق بلحظة من التاريخ نشأت فيها دعوة ارتبطت بمشروع نبوي، وفي هذه الحالة سنفكر فيها بما هي معطى تاريخي ديني.

الدعوة أداة من أدوات المنازعة السياسية الداخلية

وبيّن المفكر المغربي بلقزيز أن مقاربة الدعوة يجب أن تنبثق من منطلق ارتباطها بالنبوة، ما سيشكل موقفا وقاعدة تتطلب أن نعمل بمقتضاها، لكن الجاري والمألوف والمستهلك، يضيف بلقزيز غير ذلك تماما؛ فالواقع يوضح أن الدعوة لازالت مستمرة من الدعوة المحمدية حتى اليوم، ونهوضها في كل حقبة يتم مرة عن طريق فريق أو مذهب محدد، أو المجتمع في حد ذاته، أو جماعات دينية مرتبطة بالسلطة أو غير مرتبطة بها، وحتى أحيانا يرتبط الأمر بأحزاب، ما يشكل في نظر بلقزيز مشكلة، إذ في هذا الإطار نخرج بالدعوة من سياقاتها الأصل إلى جهة التاريخ السياسي والصراع، وبالتالي جعلها كأداة من أدوات المنازعة السياسية الداخلية.

وفي نفس السياق، حاول بلقزيز مقاربة موضوع الدعوة في أربعة عناوين رئيسة، في عنوان أولي يتعلق بمفهوم الدعوة، وفي عنوان ثاني يتعلق بمفهوم تقمص الدعوة في صيغته الإمامية الجعفرية الشيعية، وفي عنوان ثالث ادعاء الدعوة في بيئة أهل السنة والجماعة، وعنوان رابع وأخير الدعوة في الإسلام المعاصر، واستنتاجات في نهاية المقاربات الأربع السابق ذكرها.

أما فيما يخص مفهوم الدعوة، فقد تمكن بلقزيز من قراءة المفهوم في صلته بمفاهيم أخرى تجاوره من الناحية الدلالية كمفهوم الخطاب مثلا والفارق بينه وبين الدعوة. وبهذا الصدد يقول:” إن الدعوة أكثر هي من خطاب؛ أي أنها تستبطن الخطاب بما هو أداة في مخاطبة جمهورها”.

كما تمكن بلقزيز، من تحديد الدعوة باعتبارها ظاهرة دينية، موضحا أن الاقتران الماهوي بين الدعوة والنبوة أمر ثابت تاريخيا، “فلا يمكن فك الارتباط بين الدعوة والنبوة، وكل من يميل إلى فك العلاقة بين الدعوة والنبوة، إنما هو يصطنع لدوره دورا نبوياً، لأنه لا وجود لدعوة خارج النبوة، لسبب بسيط هو أن الدعوة مرتبطة برسالة وبوحي، وأن في الإسلام هذه الرسالة اختتمت بصريح النص القرآني” اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت لكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” وهذا كلام قاطع.

كما فسر بلقزيز أن استمرار الدعوة هو أمر يعود بالأساس إلى التقليد العبراني اليهودي، الذي يمكن أن نقول فيه إن الرسالة كانت تنتقل من نبي إلى نبي وتستأنف نفسها وصولا إلى لحظتها الإشكالية، ولحظتها الإشكالية بتعبير بلقزيز هي ظهور المسيح، “فهل كان يسوع جزءا من التقليد العبراني وانشق؟ أم أن يسوع كان مرحلة خاصة و اعتبر مدشناً لدين جديد؟ وللإجالة عن ذلك يقول المفكر، “فقد حسمت البروتستانية في موضوع الرسالة إذ استدمجت التراث الإنجيلي اليسوعي والعبراني، وأضاف بلقزيز أنه إذا كانت الدعوة مقترنة حكما بالنبوة؛ فهي إذن تنتهي بانتهائها، والنبوة لا تستأنف، وإن وجدنا في التاريخ من يقول بأنها تستأنف؛ فهو أمر باطل، والحال هو ما يقع في التقليد الشيعي صراحة، أو في التقليد السني مواربة؛ أي من وراء حجاب.

وخلص بلقزيز إلى أن هذا الطلب المتزايد على الشأن الدعوي في عالمني العربي اليوم، مرده إلى أن ادعاء الدعوة يوفر لصاحبه رأس مال رمزي عالي القيمة في المجتمع وفي المنازعات الاجتماعية والسياسية والثقافية.