وجهة نظر

حلب تحتضر بين التدين القاتل وموت الضمير

حلب اليوم تنزف دما.. حلب تموت بسرعة.. حلب تعيش في قلب الهولوكوس.

كل شيء يموت ينهار يذبل ويحترق.. زمن النهايات بدأ.. والقاتل ينتشي يعربد ويرقص فوق الجثث؛الآخرون هم الجحيم! هذا هو الاعتقاد القاتل.. هذا هو التدين المميت.. هذا هو الجهل المقدس..

الروس وعصابات الرفض والنصب، وأصحاب الرايات الصفر والخضر والسود.

والحالمون بالثأر التاريخي منذ قرون، وعباد العنعنات، والمتحزمون بأحزمة العصمة الناسفة والمطلق الملتهب، الراجمون بالغيب، الناسجون من أساطيرهم وخرافاتهم محاكم التفتيش وأوراد الغفران.. اليوم يعلنون إفلاسهم؛ موتهم الحضاري، وبربريتهم القاتلة.. لا نقول سلاما، بل نقلب الصفحات ونمسح ذاكرتنا من رجسهم.

إنا نخاف على إنسانيتنا إن هتفنا باسمهم القاتل، كما كنا نفعل ذات زمان طفولي عابث، نخاف أن نسقط في المستنقع الآسن.. نخاف أن تذبل أزهارنا، ويتحول ربيعنا إلى خريف قاتم.. نخاف من موت الضمير، نخاف أن نملأ صحوننا بدم الضحايا، ونغمس فطائرنا فيه، لنتلذذ بطعام فاشي مقرف.

أيها المصفقون، أيها المنتشون، أيها المنتفعون..أيها العابثون كفى !.. لاشيء يبرر الدم.. لا شيء يسيغ الجريمة..
القتلة يستحمون عراة في حلب، والضحايا تتساقط كما تتساقط أوراق الخريف.. ويصرخون يا لوحدنا، والعالم يتفرج، قاموس البلاهة تطايرت مصطلحاته، لتملأ عين الشمس!

نعم أقولها بالفم الملآن، وهذا ما أملك..
داعش إرهابية ولا مساومة مع الحقيقة!
حزب الله إرهابي ولا مهادنة مع الزيف!
إيران دولة ظلامية مثلها مثل السعودية وإسرائيل وأعوذ بالله من الجهل المقدس!
وأقول لكل عبدة التماثيل، لقد سقط الجميع، ابحثوا عن تماثيل أخرى يا نسل سيزيف العابث!

التدين القاتل هو تدين بدون ضمير إنساني حي، ولا عقل علمي مستنير، يعتقد بأن المخالفين له ليسوا بشرا، يحق لهم أن يتمتعوا بكرامتهم الإنسانية، فيتخذ قرارا عاجلا بترحيلهم عن هذه الحياة!.. ويتذرع هذا التدين القاتل بكل أشكال التوحش والبداوة في القتل والتعذيب والإبادة..

لا يقتنع هذا التدين بحجج العقل الصحيحة، ولا بضرورات الحس المتواترة، ولا بمحكمات النقل الصريحة، ولا بقيم الضمير الحية، ولكنه محكوم بعقل بياني محشو بعنعنات الفرق والطوائف، محكوم بخطاب قيل ويقال، وليس بعد ذلك رد ولا مقال!..

لذلك مارس العقل السلفي جولات وجولات في التكفير والقتل على الهوية، وبعدما تعرى حتى لم يعد يجد ورقة توت واحدة تستره!.. انبعث من أوراقه الصفراء العقل الطائفي الشيعي الصفوي ليلعب نفس اللعبة القاتلة، يقتل ولا يشبع، يبيد ولا يرتوي، ويستعين بالعصابات المحترفة في القتل المقدس، يسلحها بسلاح الدمار، ويقدم لها عقاقير الأوراد الصفراء، لتعزف سيمفونية الاعتقاد القاتل وهي تحمل رايات الثأر التاريخي.

فحلب الشهباء مرت منها قوافل قتلة آل البيت، لذلك ينبغي محوها من ذاكرة التاريخ، ولا حرج بالاستعانة بالفجار وكل ملل النفاق، وتحويلها إلى ركام وأثر بعد عين.. هكذا يبدع التدين القاتل في وسائله، لا فرق بين تسلف وتشيع، فكل يكفر على الهوية، وكل يديه ملوثة بالدماء.

هذا حصاد مر لعقائد قاتلة تتقرب إلى آلهتها بقتل الأخر المخالف، تمقت الحرية وتقدس الاستبداد، تحب الإكراه والكهنوت، وتنشرمحاكم التفتيش، وتوزع صكوك الغفران، وتكفر الثوار.

لقد دقت ساعة الحقيقة نحن بحاجة إلى ثورة معرفية تنقلنا من التدين العدواني إلى التدين الإنساني الحضاري..
التدين العدواني هو عابر لكل الأديان والمذاهب والطوائف، ومن هنا خطورته..
لكن نقطة البدأ تنطلق من العقل الصحيح والنقل الصريح والضمير الحي.