سياسة

الأمير هشام: الموجة الثورية المقبلة ستكون أكثر عنفا لأن الأنظمة الحالية لن تتغير

ألقى الأمير هشام، محاضرة في جامعة ييل أمام حشد كبير من أستاذة العلوم السياسية والقانون، بعنوان «هل العالم العربي الآن في وضع أفضل مما كان عليه قبل خمس سنوات؟»، حيث صرح أن الجواب المختصر لهذا السؤال ‏الآن كما يعتقد كثير من العرب أن الوضع الآن أسوأ. وقد لا يختلف على الإجابة كثيرون، لقد شهد عاما 2011 و ‏2012 حركة سياسية فجرت كثيراً من الأمل بإمكانية الإطاحة بالنظم السلطوية التي كانت مستقرة في أماكنها دونما أدنى ‏حراك. الآن وبعد خمس سنوات من الربيع العربي كانت هناك محاولة شاردة لهز شباك نظام عربي آسن وعنيد وغير قابل ‏للتطور.

وحسب صحيفة القدس العربي، قال الأمير هشام، إن الموجة الثورية المقبلة ستكون أكثر عنفاً وصلابة لأن المواطنين في الموجة المقبلة سيكونون أكثر صلابة وراديكالية لأنهم تعلموا الآن كمية العنف التي يستخدمها النظام، من أجل البقاء في السلطة ولذلك سيكون إطلاق الثورة في المرة المقبلة وهذه المعرفة في رؤوس من يقومون بمشروع التغيير.

وأشار الأمير، إلى أنه ستكون هناك موجات مقبلة من الثورات لأن الأنظمة الحالية لن تتغير ولأن وعودها لا أحد يهتم بها أو يسمعها وسيكون الشعب في المرة المقبلة بمجمله منخرطا في حركة التغيير وسيتعلم الشباب طرقاً أكثر حنكة وتعقيداً في عملية التشبيك والتواصل واستغلال التكنولوجيا واحتلال الفضاءات العامة كافة. والأهم من ذلك أن المحتجين قد تعلموا أن إسقاط النظام هو الخطوة الأولى في عملية التحول السياسي وليس نهاية المطاف. كما تعلموا ألا يعتمدوا على غيرهم في تحقيق أهدافهم بل على أنفسهم وسيدخلون معركتهم المقبلة للتغيير وهم أكثر تنظيماً ووعياً بدورهم كقوة سياسية منظمة.

وأضاف الأمير هشام أنه رغم توقعه “أن تكون حركة التغيير المقبلة أكثر عنفاً وحدة وتواجه العديد من المشاكل لكني أيضاً لا أتوقع أن يكون سقوط النظام العربي الحالي على أيدي جماعات راديكالية مثل «داعش». لكن الموجة المقبلة ستكون عملية متواصلة يصحبها نوع من الفوضى وتنتقل من بلد إلى آخر من دول المغرب إلى دول المشرق ومنطقة الخليج ضمن معطيات محلية وتجارب فريدة تتناسب مع هيكلية كل بلد.

وأوضح الأمير هشام، أنه وباستثناء تونس فإن الدول التي شهدت موجات الربيع العربي عادت إلى النظم الأوتوقراطية العنيفة أو انتهت إلى ‏نوع من الحرب الأهلية. فاليمن وليبيا شهدتا إنهياراً للدولة تتنازعها الميليشيات المتنافسة والعراق بعد أكثر من عشر سنوات ‏من سقوط صدام حسين يعاني من تشقق طائفي داخلي وحكومة ضعيفة وانهيار المنظومة الأمنية.

أما مصر فقد عادت إلى ‏حكم العسكر حيث تواجه قوى المعارضة ودعاة التعددية بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين أوضاعاً من القهر والعنف لم ‏تشهدها مصر منذ أكثر من 50 سنة. أما سوريا فقد تحولت إلى أكثر بقاع العالم تفككاً أدت إلى تشريد نصف سكانها وتدمير ‏معظم مدنها وتحولت أريافها إلى ميادين صراع بين النظام وحلفائه من جهة وبين ميليشيات غير متجانسة جاءت من ‏أطراف الدنيا كافة من بينهم تنظيم الدولة «داعش» الذي يتفرد من بين تلك المجموعات بإعلانه قيام دولة الخلافة الإسلامية.‏

وتابع الأمير هشام قائلاً إن السؤال المطروح حول ما إذا كانت الأوضاع أفضل أو أسوأ هو سؤال خاطئ من الأساس وكأن ما ‏حدث في بدايات الربيع العربي كان يمكن تجنبه. إن الربيع العربي كان نتيجة حتمية لسبب رئيسي يكاد يكون متشابهاً في ‏كل أرجاء الوطن العربي وهو «ركود النظام السلطوي». 

فبالنظر إلى الوضع الحالي قد يبدو أن الأمور الآن أسوأ مما كانت عليه قبل الربيع العربي إذا كان المقياس هو العنف والحروب الأهلية والاضطرابات والتي قد تتفاقم أكثر. لكن هذه الانتفاضات ستستمر في التفجر إلى أن يصبح لشعوب هذه المنطقة صوت في النظام الذي يحكمهم. العالم العربي كالجسد المصاب بالحمى نتيجة مرض مُعدٍ لكنه لا بد أن يتخطى تلك العوارض الواحد تلو الآخر إلى أن يصل مرحلة التعافي.

قد لا نعرف المستقبل وإلى أين سيأخذنا لكننا واثقون أن العودة إلى الماضي غير ممكنة حيث كانت تتصرف الحكومات بنوع من الحصانة وتتوقع ولاء وطاعة تاميتن من شعوبها. لقد أيقظ الربيع العربي شيئاً لا يمكن له أن يمحى مع الأيام وهو ذلك التعطش للكرامة والحرية والذي سيعبر عن نفسه بعنف أو بدون عنف.

ثم ألقى الأمير هشام الضوء على الأسباب الكامنة وراء الربيع العربي والتي وجدها في ذلك الشعور العام من قبل الجماهير العربية من المغرب غرباً إلى عُمان شرقاً بالإحباط من النظام السلطوي المتآكل والفاشل ونموذج الدولة غير الفاعلة وغير الخاضعة لأي نوع من المساءلة. ذلك شعور عام متبادل لدى كل الجماهير العربية بعيداً عن الخطاب المعادي للغرب أو التضامن مع قضية الشعب الفلسطيني. لقد كانت القضايا المحلية هي الدافع الأساسي الذي حرك الجماهير بعيداً عن نظرية المؤامرة التي يحيكها الأجانب.

لقد كانت الحكومات العربية في مجموعها تجمعاً لأنظمة غير ديمقراطية يستخدم بعضها العنف المفرط في كتم أنفاس االمنتقدين والسيطرة على الفضاءات العامة وتدمير المعارضة، وبعضها يستخدم تكتيكات أكثر خداعاً مستخدمين أسلوب «فرق تسد» لتقسيم المجتمع المدني وضرب التجمعات المجتمعية الواحد ضد الآخر واستغلال الانتخابات البرلمانية الشكلية لادعاء المشاركة والتعددية.

لقد واجهت تلك الحكومات حركة ناجزة من القواعد التحتية وخاصة من الشباب تطالب بالمشاركة، وأن يكون لها صوت ودور أكثر من آبائهم وكانت الحكومات تقدم الوعود بتحقيق تنمية رشيدة تفتح الأبواب للمزيد من فرص التشغيل، إلا أن أياً من تلك الحكومات لم يصل إلى مستوى نمور آسيا أو أن يحقق معجزة كوريا الجنوبية في التصنيع أو الحداثة في سنغافورة أو التنمية في تايوان.

لقد كان هناك نوع من التنمية خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين لكن الثروة لم تصل إلى الطبقة الوسطى من سكان المدن. لقد بلغت نسبة البطالة لدى قطاع الشباب أكثر من 30 في المئة وهي الأعلى في العالم. وكي لا تتضخم هذه النسبة المرتفعة أصلاً يحتاج العالم العربي لخلق 17 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020. لقد ذهبت كل وعود الأنظمة أدراج الرياح وفي كل مرة يطلب من المواطن الصبر والانتظار. ولذلك كان النداء المشترك في كل تشكيلات الربيع العربي هو الرغبة في تحقيق «الكرامة».

ويعتقد الأمير هشام أن النظام السلطوي في العالم العربي تقلص قليلاً بعد الربيع العربي حيث لم تعد العلاقة مع النظام مبنية على الطاعة العمياء. فقد تعلمت الأنظمة التي قفز عنها الربيع العربي أن تعيد حساباتها وأن تغير وسائل تحكمها في الشعوب وصياغة تحالفات مجتمعية جديدة مع من أنهكتهم سنوات الصراع وتعبوا من الأزمات السياسية التي أعقبت الربيع العربي وخاصة المجموعات العلمانية التي لا تثق بجماعة الإخوان المسلمين. وكذلك مع طبقة العمال الذين كانوا أكثر المتضررين من تعثر حركة الاقتصاد التي سببها الربيع العربي مثل عمال السياحة والبناء وصغار التجار.

ومن بين التكتيكات التي تستخدمها الأنظمة فزاعة الإرهاب مثل الخطر الذي تمثله «داعش» وغيرها. وستستغل حالة الخوف لدى المواطنين وتعمم مقولة أن البديل الوحيد للنظام هو حالة الفوضى وانعدام الأمن ضاربة الأمثلة فيما يجري في ليبيا واليمن وسوريا.

وستعمل الأنظمة كذلك على استخدام الدين والتزام النظام بالخط الديني المعتدل والذي يحتم عليهم وضع مصالح شعوبهم كأولوية كنوع من الالتزام الديني. وتكتيك آخر ستستخدمه الأنظمة هو التخويف من التدخل الخارجي وخاصة لمحاربة الجماعات الإرهابية والصراع السني الشيعي الذي أصبح عاملاً مهماً في تشكيل السياسات الخارجية للعديد من دول المنطقة.