وجهة نظر

لكل شخص الحق في الشغل

كثر الحديث في السنين الأخيرة عن لجوء مؤسسات ومقاولات القطاع الخاص الخاضعة لمقتضيات قانون الشغل والمنخرطة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى إبرام عقود الشغل محددة المدة مع أجرائها، بعد إحالتهم على التقاعد لبلوغهم السن القانوني، مما نتساءل “هل يمكن للأجير الذي أحيل على التقاعد لبلوغه السن الستين من الإستمرار في مزاولة العمل بنفس المؤسسة أو المقاولة، رغم التزايد المستمر في نسبة العاطلين؟ “.

إنطلاقا من هذا السؤال المحوري، سننكب على دراسة هذه الحالة من جانبها القانوني، طبقا للمقتضيات القانونية الواردة في هذا الموضوع.

وإذا كان لكل شخص الحق في العمل، هل سيسمح له هذا الحق بالاستمرار في مزاولة العمل مدى الحياة؟ وما موقف المشرع المغربي في حالة مخالفة الأحكام القانونية في هذا الشأن؟

أولا: لكل شخص الحق في الشغل

يحتل الحق في الشغل وضعا مركزيا في منظومة حقوق الانسان، والحق في الشغل هو حق اقتصادي واجتماعي أساسي، وقد كرسه الدستور المغربي، بمقتضى الفصل 31 من الدستور الذي ينص على أنه ((تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة؛ لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: … الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث على منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي…)).

وقد أكدت مدونة الشغل هذا الحق من خلال ما جاء في الديباجة، حيث اعتبرت العمل وسيلة أساسية من وسائل تنمية البلاد وصيانة كرامة الانسان والنهوض بمستواه المعيشي وتحقيق الشروط المناسبة لاستقراره العائلي وتقدمه الاجتماعي، وأن لكل شخص الحق في الشغل يناسب حالته الصحية ومؤهلاته ومهارته؛ كما يحق له أن يختار عمله بكل حرية وأن يمارسه في مجموع التراب الوطني، ولا يجوز لأي شخص أن يمنع الغير من العمل أو يرغمه على العمل ضد مشيئته.

فضلا عن ذلك، أن المغرب إلتزم دستوريا باحترام حقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا، وصادق على عدة اتفاقيات دولية تتعلق بالشغل، كما قضى عدة سنوات في التهيئ لمدونة الشغل قبل المصادقة عليها.
والشغل حق اساسي معترف به في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وقد نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 23 منه على أن ((لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما له الحق الحماية من البطالة …)).

ويعتبر الحق في الشغل من الحقوق التي يقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث تنص المادة 6 من هذا العهد على أنه:

1- تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له امكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق.

2- يجب أن تشمل التدابير التي تتخذها كل من الدول الأطراف في هذا العهد لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق توفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين، والأخذ في هذا المجال بسياسات وتقنيات من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وتقافية مطردة وعمالة كاملة ومنتجة في ظل شروط تضمن للفرد الحريات السياسية والاقتصادية الأساسية)).

وقد نصت المادة الأولى من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 122 لسنة 1964 بشأن سياسة التشغيل، أنه ((1- على كل دولة عضو أن تعلن وتتابع، كهدف أساسي، سياسة نشطة ترمي الى تعزيز العمالة الكاملة المنتجة والمختارة بحرية، بغية تنشيط النمو الاقتصادي والتنمية، ورفع مستويات المعيشة، وتلبية المتطلبات من القوى العاملة والتغلب على البطالة الجزئية.

تستهدف السياسة المذكورة كفالة مايلي:

1- توفير فرص عمل لجميع المتاحين للعمل والباحثين عنه؛

2- أن يكون هذا العمل منتجا بقدر الامكان؛

3- أن يتاح لكل عامل حرية اختيار العمل وأن توفر أفضل فرصة ممكنة لشغل الوظيفة التي تناسب قدراته ومؤهلاته وأن يستخدم مهارته ومواهبه فيه، بغض النظر عن العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي.

تولي السياسة المذكورة الاعتبار الواجب الى مرحلة ومستوى النمو الاقتصادي، والعلاقات المتبادلة بين أهداف العمالة وغيرها من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، ويجري العمل على متابعة هذه السياسة بأساليب تلائم الظروف والممارسات الوطنية)).

فضلا عن قانونية حق الشخص في الشغل، فقد ارتفعت وتنامت في السنين الأخيرة المطالب المتعلقة بالحق في الشغل نتيجة العوز المادي وصعوبة الوضع الاجتماعي، وقد كان مطلب الشغل أحد أهم مطالب حركة 20 فبراير التي أطلقها شباب رفع راية الإصلاح، والذي لن يتم إلا بضمان عدالة اجتماعية ينعم فيه جميع المواطنين بالعيش الكريم، وبشكل يضمن تكافئ الفرص في التوزيع العادل للشغل.
ومعضلة البطالة أصبحت تتميز منذ العقود الأخيرة في تجاه إرتفاع معدل البطالة بين أوساط حاملي الشهادات العليا أكثر من باقي طالبي العمل، حيث أن ظاهرة البطالة أصبحت تشكل بحكم وزنها الكمي وطبيعتها الدائمة، المشكلة الاجتماعية الأكثر حدة بالنسبة لمجموع مكونات الاقتصاد العالمي، كما تساهم في تزايد رقعة الفقر المطلق والتهميش الاجتماعي والذي يهدد بذلك الاستقرار السياسي للأمم([1]).

والبطالة تعتبر من الاشكاليات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب، والمرتبطة أساسا بعوامل متعددة ديمغرافية واقتصادية واجتماعية، لكن يبقى العامل الديمغرافي من أهم العوامل التي أدت إلى زيادة حدة الضغط على سوق الشغل، بالإضافة إلى إشكاليات عدم ملائمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل، والتي تساهم في ارتفاع البطالة، وخاصة لدى حاملي الشهادات، حسب وزارة التشغيل والشؤون الإجتماعية([2]).

بإلقائنا نظرة على الإحصائيات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل، فإننا نجدد أن عدد العاطلين عرف خلال سنة 2011 إلى غاية 2015 زيادة 120000 عاطل.

حيث إرتفع عدد العاطلين سنة 2012 بنسبة % 0.9 نقطة أي من %8.9 إلى%9.0 على المستوى الوطني، منتقلا بذلك من 1.028.000 عاطل سنة 2011 إلى 1.038.000 سنة 2012، كما ارتفعت كذلك نسبة البطالة على المستوى الوطني خلال سنتي 2012 و2013 (%0.2 نقطة) من %9 الى %9.2 متنقلا من 1.038.000 إلى 1.081.000، و قد عرف كذلك ارتفاع عدد العاطلين سنة 2014 بنسبة %0.7 نقطة أي من %9.2 إلى %9.9، حيث إنتقل من 1.081.000 عاطل سنة 2013 إلى 1.167.000 سنة 2014، في الوقت الذي تراجع معدل البطالةسنة 2015 بنسبة %0.2 نقطة أي من %9.9 إلى %9.7 على المستوى الوطني، متنقلا من 1.167.000 سنة 2014 إلى 1.148.000 سنة 2015.

وأمام التزايد المستمر لنسبة العاطلين بوتيرة سريعة لا تتماشى والوتيرة البطيئة التي تسلكها الحكومة في التشغيل، بدأ يلجأ العاطلون الى مقاضاة الحكومة في شخص رئيسها لدى المحكمة الادارية بالرباط، بعد إقصائهم من التوظيف المباشر، حيث قضت المحكمة الادارية بالحكم على الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة، باتخاذ إجراءات تسوية الوضعية الادارية والمالية للمدعية، وذلك بادماجها في سلك الوظيفة العمومية، مع ما يترتيب عن ذلك من آثار قانونية وفقا للمرسوم الوزاري رقم 2.11.00 الصادر بتاريخ 8 أبريل 2011 وتنفيذا لمحضر 20 يوليوز 2011 مع الصائر([3]).

لكن هذا الحكم تم إستئنافه من طرف الحكومة المغربية، بعد أن أعلنت هذه الأخيرة إستعداد توظيف الأطر العليا الموقعة على محضر 20 يوليوز بعد إستنفاذ جميع مراحل التقاضي، من الابتدائي إلى الإستئناف حتى النقض.

وقد قضت محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط بإلغاء القرار الإبتدائي لذات المحكمة، وهذا لم يمنع العاطلين من نقض الحكم، مؤكدين على تشبثهم بقانونية المحضر.

ومن خلال سردنا للدستور وللقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية المنظمة والمتعلقة لقانونية حق الشخص في العمل، وأمام ارتفاع نسبة العاطلين وبطئ وتيرة مجهودات الحكومة في التشغيل، هل نعتبر حالة العاطلين إنتهاكا للحق في العمل وانتهاكا للإعلان العالمي لحقوق الانسان؟

إذا كان لكل شخص الحق في العمل كما سلف الذكر فهل يتم إنهاء حق الشخص في الشغل؟ وكيف ذلك؟

ثانيا: إنهاء الحق في الشغل

تنتهي عقود الشغل كيفما كانت طبيعتها القانونية، إما لأسباب خاصة ترتبط أساسا بالتمييز بين عقود الشغل المحددة المدة وعقود الشغل غير محددة المدة أو لإنجاز شغل معين، حسب الفقرة الأولى من المادة 16 من مدونة الشغل.

إذا كان عقد الشغل من عقود غير محددة المدة، فإنه لا يعني أنه عقد أبدي، وكل تعاقد على خلاف ذلك يعتبر باطلا، وهذا ما أكدتها مقتضيات الفصل 728 من قاتون الالتزامات والعقود المغربي، الذي ينص على أنه “يبطل كل اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص بتقديم خدماته طول حياته أو لمدة تبلغ من الطول حدا بحيث يظل ملتزما حتى موته”.

وقد تنتهي مدة العمل بأمر من المشرع نفسه وهو حالة التقاعد طبقا للمادة 526 من مدونة الشغل، الذي هو موضوع دراستنا، إنطلاقا من الحالة المطروحة علينا.

لقد أصبح التقاعد الذي هو نهاية لمسار وظيفي أو شغلي، يحظى باهتمام واسع ومتزايد في أوسط الموظفين والأجراء وداخل المنظمات النقابية والادارات العمومية والمقاولات والقائمين على المؤسسات المسؤلة عن نظام التقاعد([4]).

إذا كان التقاعد هو توقف الأجير عن مزاولة العمل لبلوغه السن القانونية مع تقاضيه مبلغا شهريا لمعاشه، فإننا نتساءل: كيف يمكن للأجير الذي أحيل على التقاعد بالاستمرار في مزاولة عمله في نفس المؤسسة أو المقاولة؟ ثم هل سمح المشرع المغربي للمتقاعد من الاستمرار في العمل؟ وكيف ذلك؟

هذا ما سنعمل على تبيانه من الناحية القانونية، حيث الحالة التي بين أيدينا تتطلب دراستها من الناحيتين :

الحالة الأول: هي الحالة التي يتم فيها تأخير إحالة الأجير على التقاعد رغم بلوغه السن القانوني، وفي نفس الوقت لايتقاضى الأجير مبلغا شهريا للمعاش؛

الحالة الثانية: هي حالة الأجير الذي أحيل على التقاعد لبلوغه السن القانوني وأحيل على التقاعد بقرار، ويصرف له مبلغا شهريا لمعاشه من طرف صندوق للتقاعد، لكن المشغل احتفظ به في المقاولة كمتعاقد، ليستمر في مزاولة العمل، ويتقاضى راتبا شهريا إضافيا.

وعليه، إن أرضية النقاش في دراستنا هاته سنركز على الباب الثامن من الكتاب الرابع من مدونة الشغل، وخاصة المواد من 526 إلى 529 المتعلقة بسن التقاعد.

الحالة الأول:

تأخير إحالة الأجير على التقاعد دون تقاضيه لمبلغ المعاش من صندوق للتقاعد

إذا كان المشرع المغربي قد حدد سن الاحالة على التقاعد في السن الستين كقاعدة عامة، كما حدد سن التقاعد بالنسبة لأجراء المناجم في خمس وخمسين سنة بشروط، فإنه سمح بتأخير الإحالة على التقاعد بصفة استثنائية في بعض الحالات، وذلك بطلب من المشغل، وبموافقة الأجير.، إلا أن المشرع قيد هذه الحالات بقرار سيتم إستصداره من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.

وتأخير الإحالة على التقاعد يتم طبقا للمقتضيات القانونية المنصوصة عليها في قانون رقم 65.99 صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.194 في 11 سبتمبر 2003 بمثابة مدونة الشغل ([5])، بعد أن عملت هذه الأخيرة طبقا للمادة 586 على إلغاء الظهير الشريف رقم 1.81.314 الصادر بتاريخ 11 رجب 1402 (6 ماي 1982) يتضمن بتنفيذ قانون رقم 7.80 القاضي بتحديد سن إحالة الأجراء على التقاعد وإلزام المؤاجر باستخدام من يخلف المنقطعين عن الشغل بسبب ذلك.

لقد نصت المادة 526 من مدونة الشغل التي جاءت كاستنساخ للفصل الثاني من قانون 7.80 على أنه ((يجب أن يحال إلى التقاعد كل أجير بلغ سن الستين. غير أنه يمكن الاستمرار في الشغل، بعد تجاوز هذه السن، بناء على قرار تتخذه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بطلب من المشغل وبموافقة الأجير.

يحدد سن التقاعد في خمس وخمسين سنة، فيما يخص أجراء المناجم الذين يثبتون أنهم اشتغلوا في باطن الأرض طيلة خمس سنوات على الأقل.

تؤخر الإحالة إلى التقاعد، إلى تاريخ اكتمال مدة التأمين، بالنسبة إلى الأجراء الذين لم يكونوا عند بلوغهم سن الستين أو الخمس والخمسين قد قضوا فترة التأمين المحددة بموجب الفصل 53 من الظهير الشريف 1.72.184 الصادرفي 15 جمادى الثانية 1392 (27 يوليوز 1972) المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي)).

لكن بعد صدور قانون رقم 65.99 صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.194 في 11 سبتمبر 2003 بمثابة مدونة الشغل مدونة الشغل، طرأ تغيير وتعديل على الفصل 53 الوارد في المادة 526، حيث صدر ظهير شريف جديد تحت رقم 1.04.127 صادر في 21 رمضان 1425 (4 نوفمبر 2004) بتنفيذ القانون رقم 17.02 المغير والمتمم بموجبه الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.72.184 بتاريخ 15 جمادى الاخر 1392 (27 يوليوز 1972) المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي([6])، وقد جاء فصل 53 مكرر، ليؤكد من جديد على المشغل إمكانية إحالة المؤمن له على التقاعد قبل السن الستين، ذلك ابتداء من سن الخمسة والخمسين وما فوق، وما يصطلح عليه بالتقاعد المبكر.

والمشرع في نص الفصل 53 مكرر، ربط التقاعد المبكر بإثبات توفر الأجير على 3240 يوما على الأقل من التأمين، حتى يتسنى استفادة المتقاعد المبكر من معاشه.

وتنص مقتضيات الفصل 53مكرر على أنه ((خلافا للمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 53 أعلاه، يمكن إحالة المؤمن له، الذي يثبت توفره على ثلاثة ألاف ومائتين وأربعين يوما على الأقل من التأمين، على التقاعد ابتداء من سن الخمسة والخمسين سنة وما فوق، بطلب منه وبترخيص من مشغله الذي يجب عليه أن يؤدي منحة، لهذا الغرض ودفعة واحدة، إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وذلك طبقا لاتفاق خاص يبرم بين المشغل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)).

وبناء على مقتضيات المادة 526 من مدونة الشغل، سنقف على نوعين من تأخير الإحالة على التقاعد:

النوع الأول: إذا بلغ الأجير السن الستين من أجل إحالته على التقاعد، لكن المقاولة تجد نفسها في صعوبة لإحالته على التقاعد.
وفي هذه الحالة يلجأ المشغل الى توجيه طلب معلل عن سبب تأخير إحالة الأجير على التقاعد بعد موافقة الأجير، إلى السلطة المختصة بالشغل للبث في الطلب واستصدارها لقرار في الموضوع.

النوع الثاني: إذا لم يستوفي الأجير عند بلوغه السن القانوني لإحالته على التقاعد مدة التأمين والمحددة حاليا في 3240 يوما، حيث المشرع اشترط في تصريف المبلغ الشهري لمعاش التقاعد توفر المؤمن الأجير على 3240 يوما على الأقل.
وفي هذه الحالة تؤخر الإحالة إلى التقاعد، الى تاريخ اكتمال مدة التأمين، لكن بطلب من المشغل ويموافقة من الأجير.

وفي كلتا النوعين يتم اخبار صندوق التقاعد في الموضوع مع قرار الايجابي الذي اتخذته السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، حتى يتسنى للصندوق من القيام بمسطرة تأخير التقاعد.

الحالة الثانية:

إستمرار المتقاعد في مزاولة العمل مع تقاضيه مبلغا للمعاش من طرف صندوق التقاعد
وهي الحالة التي يحال فيها الأجير على التقاعد لبلوغه السن الستين، وصندوق للتقاعد يصرف له مبلغا شهريا لمعاشه، لكن المشغل يحتفظ بالمتقاعد ويعمل على إبرام عقد الشغل محدد المدة ويصرف له أجراً شهريا إضافياً، فهل نعتبر هذه الحالة قانونية يسمح بها المشرع؟

إنطلاقا من المقتضيات القانونية الواردة في نص المادة 526 من مدونة الشغل، فإن المشرع سمح بإمكانية الاستمرار في الشغل بعد تجاوز السن القانوني للتقاعد، وذلك بطلب من المشغل وبموافقة من الأجير، لكن هذا يتطلب توقيف إستصدار قرار الاحالة على التقاعد من طرف المشغل.

والإستمرار في العمل أو ما أصطلح عليه ب”تأخير الإحالة إلى التقاعد”، يتجلي فيمايلي:

عند استيفاء الأجير لمدة التأمين المحددة في3240 يوما، وهي حالة الأجير الذي بلغ السن الستين أو خمس والخمسين بالنسبة للأجراء المناجم الذين يثبتون أنهم إشتغلو في باطن الأرض طيلة خمسة سنوات على الأقل، والاستمرار في الشغل في هذه الحالة، لا يتم إلا بموافقة السلطة الحكومية المختصة بالشغل، وبناء على قرار تتخذه في الموضوع، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 526 من مدونة الشغل على أنه (( يجب أن يحال على التقاعد كل أجير بلغ سن الستين، غير أنه يمكن الإستمرار في الشغل، بعد تجاوز هذه السن، بناء على قرار تتخذه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بطلب من المشغل وبموافقة من الأجير)).

واحتفاظ المشغل على الأجير للإستمرار في العمل بعد بلوغه السن الستين، يتطلب وبصفة إلزامية من المشغل توجيه طلب في الموضوع وبموافقة الأجير، إلى وزارة التشغيل، والطلب إلزامي، حيث استعمل مشرع المدونة لكلمة “يجب”، ثم أن وزارة التشغيل تعمل على دراسة الطلب في نظري، بدأ من الإحتياجات الضرورية للمقاولة فيما يتعلق الموارد البشرية والتي لا تتطلب الانتظارية، ومدى قلتها وندرتها في سوق الشغل، وكذا الصعوبات التي قد تعترض المؤسسة أو المقاولة في حالة إحالة الأجير البالغ السن القانوني على التقاعد، وقد تنعكس سلبا على مردودية المقاولة.

عند عدم إستيفاء الأجير لمدة التأمين المحددة في 3240 يوما، حيث تؤخر الإحالة إلى التقاعد حتى يكتمل مدة التأمين، وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 526 من مدونة الشغل على أنه (( تؤخر الإحالة إلى التقاعد، إلى تاريخ إكتمال مدة التأمين، بالنسبة إلى الأجراء الذين لم يكونوا عند بلوغهم سن الستين أو الخمس والخمسين قد قضو فترة التأمين …)).

ومن الملاحظ في هذه الحالة على أن المشرع لم يشترط إتخاذ القرار من طرف وزارة التشغيل، وهذا يعني أن المفاوضات تتم مباشرة مع صندوق التقاعد في الموضوع.

كما أن تأخير لأي تقاعد يجب أن تكون ادارة صندوق للتقاعد على بينة في الموضوع، حتى يتسنى لها القيام بالإجراءات القانونية لتأخير التقاعد.

وبناء على ما سلف، يبرز واضحا في هذه الحالة، أن المشرع لم يسمح بالإستمرار في العمل، سوى للأجراء الذين بلغوا السن القانوني للتقاعد، لكن بعد سلك مسطرة تأخير الإحالة إلى التقاعد، وعند تأخير الاحالة على التقاعد فصندوق التقاعد لا يصرف لهم أي مبلغا للمعاش.

وعليه، أن إستمرار الأجير في الشغل بعد أن يبلغ سن التقاعد، وتقاضيه لمبلغ المعاش، يعتبر مخالفا للأ حكام القانونية.

ثالثا: جزاءات مخالفة الاحكام القانونية

إن المقتضيات القانونية المتعلقة باستخدام الأجير الذي بلغ سن التقاعد ولم يسمح له قانونيا بتأخير التقاعد، اعتبرها المشرع مخالفة لأحكام القانون، حيث دعمها بعقوبات، بعد أن نصت المادة 529 على أنه ((يعاقب بغرامة من 2.000 درهم إلى 5.000 درهم كل من خالف أحكام هذا الباب)).

ومن الملاحظ، إذا ما رجعنا إلى قانون 7.80 الذي ألغي بمقتضى المادة 586 من مدونة الشغل، أن مشرع المدونة خفف من العقوبات الزجرية التي كانت تطبق على المشغل من أجل ردعه، بعد أن أعفى المشرع المشغل من العقوبة الحبسية والتخفيف حتى من سقف الغرامة المالية، حيث كان ينص الفصل السادس من قانون 7.80 على أنه ((يعاقب المؤاجر بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من 120 درهما إلى 12.000 درهم أو بإحدى العقوبتين فقط على المخالفات لأحكام هذا القانون. ويتعرض كذلك لهذه العقوبات كل مؤاجر استخدم أجيرا بلغ سن التقاعد)). وفي اعتقادنا أننا أمام تراجع تشريعي.

لقد سكتت المركزيات النقابية عن هذا التراجع التشريعي الذي هو لصالح أرباب العمل أكثر ما هو لصالح الباحثين عن الشغل، حيث تنازلت النقابات العمالية الأكثر تمثيلا لصالح المنظمة المهنية للمشغلين، إبان الحوار الاجتماعي في إطار اتفاق 30 أبريل 2003، حول مدونة الشغل، في الوقت الذي اتجهت فيها بعض المؤسسات الرسمية للدولة إلى الدعوة للرفع من العقوبات([7])، حيث اعتبر المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على أن العقوبات المنصوصة عليها في القانون غير كافية لإرغام المشغلين على إحترام التزاماتهم الاجتماعية تجاه أجرئهم، وما يتطلب ذلك من مراجعة الاطار التشريعي والتنظيمي بشكل يساعد على محاربة الغش والتهرب الاجتماعي، عن طريق تجريم هذه المقاولات كما هو حال بالنسبة لعديد من الدول التي تولي عناية كبيرة للحماية الاجتماعية([8]).

فضلا عن أن هذا التنازل ينعكس سلبا على تشغيل الأجراء محل الأجراء المحالين على التقاعد، رغم أن مشرع المدونة ألزم المشغل بتشغيل الأجير محل الأجير المتقاعد، من خلال نص المادة 528 التي تنص على أنه ((يجب على المشغل أن يشغل أجيرا محل كل أجير أحيل إلى التقاعد، عملا بالمادة 526 أعلاه)).

لكن، أمام هزالة الغرامة المالية المطبقة على المشغلين في حالة مخالفة الأحكام القانونية، وخاصة بالنسبة للمؤسسات أو المقاولات الكبرى التي تتوفر على رساميل وأرباح ضخمة، سوف لن يعير المشغل أي إهتمام لتشغيل الأجير محل الأجير المتقاعد، في الوقت الذي لم تفرق مدونة الشغل بين المقاولات الكبرى والمقاولات الصغرى.

وأختم مقالي بتساءل:

هل تساهم مدونة الشغل في تشجيع خرق الأحكام القانونية، بعد إصطفافها الى جانب أرباب العمل ضد الأجراء والطبقة العاملة؟ في وقت تبقى شريحة العاطلين تزداد نسبها وطبورها تطول وتطول، بعد أن إنتقل عدد العاطلين من 1.028.000 إلى 1.148.000 وذلك من سنة 2011 إلى سنة 2015 على المستوى الوطني، أي بزيادة 120.000 عاطل؟

· كيف توصي الحكومة على تشجيع تشغيل العاطلين بالقطاع الخاص في المغرب، في الوقت التي هي على علم بالاختلالات التي تعتري العلاقات المهنية بالمقاولات ومؤسسات قطاع الخاص؟

· ما موقف أجهزة المراقبة، من مفتشي الضمان الاجتماعي ومفتيشي الشغل المختص بمراقبة مشروعية عقود الشغل وعلاقات الشغل، المطبقة في المؤسسات ومقاولات القطاع الخاص الخاضعة لمراقبتها من جهة، ومن جهة أخرى، أي مراقبة تجريها المؤسسات الدستورية، كمجلس الأعلى للحسابات، على المؤسسات والمقاولات الخاضعة لرقابتها، عند مخالفة الأحكام القانونية في هذا الشأن؟