منوعات

الرحموني يكتب: مستقبل الإصلاح الديمقراطي بعد 2016 السؤال سياسي وليس تقني

بدأت عدد من وسائل الإعلام المكتوبة، وجملة من المواقع الإلكترونية، في شن حملة منسقة ومحكمة الإخراج، تريد من خلالها استدراج الحزب وقياداته للغوص في نقاش مغلوط، حول الاستحقاقات السياسية لمرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية القادمة، بشكل مثير للاستغراب والتساؤل، وتم إقحام قضايا وشخوص، بعيدا عن التقييم السياسي الهادئ أوالتناول المهني السليم.

وقد انساق وراء تلك الحملة، كثير من الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي، وعدد من الفاعلين السياسيين من ذوي الإرادات الصادقة والنيات الحسنة،

انخرطوا جميعا في ذلك الجدل بغير إرادة منهم، وأقحموا في لجة مفردات ذلك النقاش ووظفوا فيه، بما يشبه عملية مدبرة ومقصودة، حرفت فيها بعض تصريحاتهم وتعليقاتهم، واختزلت مواقفهم وأفكارهم، واجتزءت من سياقها، وتم استعمالها بشكل انتقائي في سياقات مضللة.

وهي محاولة لإعطاء التعبيرات المختلفة لذلك النقاش زخما إعلاميا، وإكسابه أهمية كبيرة، مع العمل على تأجيجه، وجرفه -لاحقا- عن مسار النقاش العمومي السليم- المراد أن يكون مفتوحا وشفافا- نقاش يمهد لطرح الأسئلة الحارقة في المرحلة السياسية التي تمر منها بلادنا، مرحلة معبأة بأسئلة ورهانات استكمال الانتقال الديمقراطي، والنجاح في مهام الإصلاح الديمقراطي.

سياق طرح المشكلة، الحزب في دائرة القصف

الموضوع إذن، الذي من الواجب أن يستأثر باهتمام الدارسين والفاعلين والإعلاميين والديمقراطيين، ومن المطلوب أن يقفز إلى واجهة الاهتمام هو: التفكير في مستقبل التدبير السياسي للمرحلة المقبلة، والبحث عن سيناريوهات ومخارج وآفاق لمصير الإصلاح الديمقراطي في البلاد، وبالتالي التفكير بالجهر في ملف الانتخابات المقبلة 2016، وما يرتبط بها من حكومة وحزب قائد للأغلبية السياسية، وتحالفات وصراعات المرحلة، وتقييمات لها.

غير أن التركيز الإعلامي، يتكثف حول قضايا أخرى أكثر تفصيلية وجزئية، قضايا في المجمل تشخصن النقاش وتجسده في عناوين مثيرة وعابرة،

حيث يتم استبعاد كل الأفكار الجادة والنقدية أو الاقتراحية، لينصرف النقاش -حصرا -لجهة إثارة أسئلة شاردة بعيدة عن القضايا الكبرى، أسئلة لا علاقة لها بجوهر الإشكال السياسي في المرحلة ورهاناتها، من قبيل: هل سيستمر ذ.بنكيران في توجيه دفة العمل الحكومي لولاية جديدة، وما موعد المؤتمر الثامن للحزب القائد للتجربة، وما مخرجاته، وهل سيمضي حزب العدالة والتنمية إلى تغيير قانونه الأساسي، لتمكين أمينه العام الحالي من الاستمرار في موقع الأمانة العامة للحزب ومنها حيازة ولاية جديدة لرئاسة الحكومة القادمة.

الغريب في الأمر، أن الأطراف المثيرة لهذا النقاش والمحتضنة له أو تلك التي ترعاه،،لا تتحدث عن مستقبل التدبير السياسي للمرحلة المقبلة من مسار قضية الإصلاح الديمقراطي في البلد، و لا تشغلها الأبعاد الدستورية والمؤسساتية والسياسية للموضوع، وآثار ذلك على مصير قضية الانتقال الديمقراطي، وما مآل التجربة السياسية لمغرب ما بعد الانتقال ودستور 2011 .

لكن الأكيد أيضا، أن منهجية الحوار العمومي الدائر، والأسلوب الذي يراد لهذا النقاش أن يدار به، والشكل الذي يتم إخراجه به، يطرح عددا من الإشكالات والأسئلة الحرجة، ويثير في الذهن قلقا كبيرا، بحيث يتم التغييب المنهجي للقضية الأبرز وللمسألة الأكثر أهمية، وهي مستقبل الانتقال الديمقراطي، والموقف إزائها،

لحظتها، وبصدد هذه القضايا الكبرى الحارقة، لا نجد سوى الصمت المطبق والشرود واللاموقف والواطئ على التجاهل .

إننا -اذن-ازاء عملية لتوجيه الاهتمامات في النقاش، واختزال قضايا الحوار، وجعلها تدور حول مسألة فريدة بعينها وهي : تأجيل المؤتمر والتمديد لبنكيران،، مع تكثيف النظر إليها،

ومما يعزز من نوبة الشك والاستغراب لدينا، ويحفز على طرح مزيد من التساؤلات، هو اعتبار تلك القضايا تحظى برعاية وتتبع عدد من الأطراف المختلفة الأهداف، وجملة من القوى المتناقضة المرامي، أطراف تختلط مقاصدها وتتمايز أجنداتها السياسية، لحظة الانخراط في هذا النقاش، وهي تعمل على توجيهه بعناية تامة،

ويقينا فان العديد من تلك القوى والأطراف ليست بريئة ولا محايدة،

بل إن بعضها باتت منحازة لجهات سلطوية معلومة، معروفة بمناكفتها للاختيار الديمقراطي للشعب، وهي لا تحمل ودا للسياسة والأحزاب والتجربة الإصلاحية الجارية، ولا تكن تقديرا لموقع الحكومة ورئيسها ومكوناتها، ولا للحزب القائد لائتلافها والمسير لدفة القرار فيها، أو الأطراف المشكلة لأغلبيتها السياسية،

لذلك فإن مساهمتنا في هذا النقاش الدائر، وتفاعلنا مع عناوينه ومفرداته، سيجعل حديثنا ينصب على جوهر الموضوع.

وسنعمل على المساهمة في تجلية الأبعاد الثاوية وراء هذا التصعيد المثير للجدل، وسنحاول وضع الموضوع في نطاقه الطبيعي وسياقه السياسي الحاكم، لكي نفهم المعنى الخفي والبعيد من وراء هذه الإثارة و المبالغة في التضخيم.

وبالطبع فإن الحديث، لا ولن ينصرف إلى ذوي النيات الحسنة، من المحللين والمتابعين والمناضلين وغيرهم.

بالرغم من أن بعضا من وسائل الإعلام، التي تشتغل على الموضوع عينه، تعمل بلا انقطاع، على تحريف بعض التصريحات وإخراجها عن سياقاتها، أو تحويرها وإعطائها مضامين غير بريئة، رغبة منها في توجيه النقد والنقض لجهة العدالة والتنمية وقياداته، وجعله موضوعا لتلقي الضربات القاسية تحت الحزام، وتسجيل بعض الأهداف الانتهازية القريبة، ولو بانتهاك الأخلاقيات المهنية واقتراف العنف اللفظي.

تجديد وتنويع اساليب المواجهة، في حملات الاستهداف

غير أن الجديد هذه المرة، في هذه الحملات التي تستهدف العدالة والتنمية، هو الاستعداد لتوجيه الضربات الموجعة من زاوية أخرى للهجوم والاستهداف.

وهي مواجهة يتم تسعيرها في ساحة جديدة،

تتمثل في توجيه النقد الكيدي ضد الحزب، وادارة المعركة في ملعب الحياة الداخلية له، من جهة إثارة النقاش العمومي وتوجيه الانتباه إلى أعطاب الذات الحزبية ومآزقها، وتحوير ذلك للهدم لا للبناء،

في محاولة أيضا لتصعيد الخلاف بين القيادات الحزبية، وحشر عموم المناضلين في ذلك، من خلال طرح قضايا اعتيادية تخص الحياة الداخلية للقوى السياسية والحزبية، والعمل على تصويرها وكأنها مظنة نزاع حدي وصراع داخلي وجودي،

ان التركيز المكثف بهذا الشكل، ينصب على مسألة علاقة المؤتمر العادي للحزب، وموعده وعلاقته بالاستحقاقات الانتخابية القادمة 2016، ومخرجاتها السياسية، ممثلة في الحكومة القادمة،

وجدير بالذكر أن تلك الأطروحات الترويجية، تقول إن العطب الأساسي يكمن في الأحزاب وليس في جهة سلطوية أخرى، وأن المشكل العائق بالتحديد يكمن في الحزب الأكثر قوة وتنظيما.

لكننا عند تمحيص النظر، نستخلص أن مجمل تلك التسخينات والاثارات والنقاشات، تصب مباشرة في محاولات مكرورة، تجري من قبل المتحكمين والمستبدين –نعاينها في تجارب اخرى- تقصد لإضعاف أدوات الاصلاح في المرحلة، مع العمل على تهشيمها وتبخيسها وتفتيت لحمتها وتعميق التناقضات داخلها، في اطار التبخيس العام للشأن السياسي برمته.

وهي محاولة أيضا، لإنهاك العدالة والتنمية على وجه الخصوص، وعزله عن الاهتمام بالقضايا الكبرى للبلد، مع العمل على تشتيت تركيزه عن أولوية الاولويات الاساسية، وهي النضال الديمقراطي وبناء المؤسسات السياسية القوية وتكريس الاصلاحات، والعمل على استكمال مستحقات الاصلاح السياسي والمؤسساتي .

نحن -إذن- الآن، إزاء حلقة جديدة في مسلسل تصعيد الحملات الشرسة، التي تستهدف حزب العدالة والتنمية من جديد، باعتباره قائدا لتجربة الاصلاح السياسي التي يقودها منذ أربع سنوات وهو المسؤول الاول عن مباشرتها وتدبيرها، وهي حملات لم تهدأ منذ أن انتصب الحزب مدبرا لدفة القرار العمومي من موقع التدبير الحكومي، في تجربة فريدة متمخضة عن الربيع الديمقراطي.

واضح وجلي أن القوى المضادة للاصلاح، والأطراف السلطوية المناهضة للانتقال، تستعمل كل الوسائط والامكانيات المتاحة بيدها-فيما تبقى من الزمن السياسي للحكومة الحالية-للاشتغال على مسألة إفشال التجربة السياسية القائمة، مع العمل على تعطيل عملية الاصلاح الديمقراطي للدولة، والانهاض التنموي للمجتمع.

غايتهم النهائية-اذن-هي الاجهاز على تجربة اصلاحية وليدة وواعدة، تجربة مبنية على معادلة الاصلاح في إطار الاستقرار، أصبحت تشكل مصدرإلهام لغيرها.

استراتيجية التعطيل والافشال والاعطاب، والالهاء

إن أسلوب تلك الحملة في هذه المرحلة بالذات، يرتكز أساسا على آلية جديدة، تتمثل في تحريف اهتمامات الفاعلين ومناضلي القوى السياسية الجادة، وفي القلب منها العدالة والتنمية، عن الأولويات الأساسية للمرحلة الموسومة بالانتقال الديمقراطي.

مع العمل على إشغال الناس عنها، بالاهتمام بقضايا أقل راهنية، وبعيدة الصلة عن مآل قضية الإصلاح، ونحن نعاين عملهم الدؤوب المفضي إلى إزاحة أنظار الجمهور عن الاهتمام بالقضايا الكبرى للبلاد، مع تركيز اهتماماتهم على قضايا ثانوية أو وهمية أو أقل أهمية.

إنها أساليب، أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها تدخل في منطق الاستدراج والاثارة والتحريف.

فالشغل الشاغل لخصوم الإصلاح الديمقراطي في هذه المرحلة هو:

تعطيل الإصلاح، وإفشال الانتقال، وإعطاب المسار،

إنهم يعملون، بدأب وإصرار، على تهييء أرضية المشهد السياسي الحالي لمطبات تعيق المسير، وصناعة الاخراج الإعلامي للمرحلة القادمة من التطور السياسي للبلد لردة محتملة، وأقصد مرحلة بعد الانتخابات التشريعية 2016،

وتبقى السيناريوهات التي يبثونها في الساحة العامة، تشتغل بحيوية فائقة وتشغل فضاءات النقاش السياسي وتستاثر باهتمام النخبة وصياغة الرأي العام والتأثير في ميولاته،

غايتهم في ذلك، التعتيم على المرحلة، وتشويش الرؤية، وتضبيب الصورة، وقصدهم- أيضا- هو تزييف الوعي العام، وتأثيت المشهد السياسي الاعلامي بقضايا جزئية، مع العناية بتوجيه الرأي العام من خلال العمل على تضليله، بالشكل الذي يبعده عن الانشغال بقضية الاصلاح الديمقراطي.

وهنا يأتي الدور على وسائل الاعلام، والجماهيرية منها بالخصوص، حيث يتطلب الأمر اهتماما بالغا، من قبل عديد من الوسائط الاعلامية، من جرائد ورقية ومواقع الكترونية وغيرها بتلك المواضيع، من خلال إثارتها وخلق الاهتمامات بها وتحوير الميولات اتجاهها،
بخلاصة :
إن العمل جاري، على تحريف اتجاهات الرأي العام، والعمل على تهيئ الاجواء في الفضاء العام، وتركيز نظر الفاعلين في حقل العمل السياسي، واثارة الانتباه: لما سمي مرحلة ما بعد بنكيران، في اشارة الى محاولة غلق القوس الذي انفتح ديمقراطيا ذات انتفاض شعبي..

إغراق الساحة بالاشاعة والترويج الكاذب للاخبار

لم تعد أساليب الترويج الكاذب للأخبار، والإشاعة المغرضة، واختلاق الحقائق وغيرها، وحدها تكفي للقيام بعمليات الاغتيال المعنوي والسياسي للزعامات السياسية والقيادات الحزبية والرموز الاجتماعية والاطر التنظيمية المناضلة والمسؤولين العموميين والشخصيات الاعتبارية،

لم تعد تلك الأساليب ناجعة في تفجير التنظيمات السياسية من الداخل، أوالتحكم في قراراتها بشكل مباشر، أو مواجهتها ماديا أو التصدي لها بأساليب القهر السياسي والجور الأمني،

بل لقد تم الانتقال- في هذه المرحلة من تطور الصراع، من أجل إقرار الديمقراطية وإنجاز الإصلاحات -الى التوسل بأساليب أخرى بديلة، تتجسد في بث الاشاعات، وضخ جملة من التحليلات المخدومة، وإغراق الساحة السياسية والإعلامية بها، وإضاءة عدد من وجهات النظر أوالتصريحات العادية وتحويرها واستعمالها في حرب الشائعات، من قبل خصوم الاصلاح والانتقال،

كذلك مع التركيز على بعض الآراء المنساقة بلا بصيرة، بالنفخ فيها، وإخراجها من سياقها، والتعاطي بانتقائية مع مضامينها، والعمل على فصلها على مقصودها النبيل، ودمجها في سياق قد يوحي بالتنازع حول المواقع والصراع حول المنافع والموارد التي تذرها المسؤولية العمومية،

إن طاحونة الاختلاق والإشاعات وتحوير الكلام، تبعث على الاندهاش والاستغراب والارتياب ،

هنا يمكن الاستنتاج، أن تلك التحليلات في مجملها، تكون مبنية على التغليط، بإذكاء الخيال الخصب واستدعاء جملة من الافتراضات الشاردة، الموحية بنسج عدد من السيناريوهات الغائمة، والتقديرات غير الواقعية المنسوجة من وحي الخيال، والتي يعملون على تسويقها وإشاعتها،

ومن خلال ذلك، يحاولون الاستثمار سياسيا ودعائيا في قضايا، أشبه ما تكون ببالونات اختبار يبثونها بين العموم، لفحص مدى الفعالية الترويجية لتلك الإشاعات، والنجاعة التفسيرية لتلك التحليلات، والقدرة التوقعية لتلك السيناريوهات، حتى يتهيأ للناس أنها حقيقة ويصدقونها،

يبقى هدفهم الأساسي-من وراء كل ذلك الجهد- هو التشويش على المرحلة، وتزييف الوعي العام بمتطلبات الإصلاح، من خلال العمل على إحداث ارتباك كبير في اتجاه السير بشكل فجائي، وفقا لرغبات أولئك، وتغدية للحقد الدفين الذي يسكنهم، ويجسد حنقهم ومناهضتهم لعموم التجربة القائمة على معادلة الاصلاح في اطار الاستقرار.

نحن على بينة ويقين، أن خصوم الاصلاح لم يعد لهم، سوى الاشتغال على موضوعة ما سمي إعلاميا بالتمديد للأستاذ عبد الإله بنكيران لولاية ثانية على رأس الحكومة بعد تشريعيات 2016، والمرور من ذلك للتلميح إلى أن الحزب-وبعض قادته- هم بصدد مباشرة مراجعة وشيكة لقانونه الأساسي، وإحداث تغيير في أسلوب فرز قياداته، بالشكل الديمقراطي على مختلف المستويات.

وبذلك فإنهم يوحون بأفكار لها طبيعة انقسامية، غايتها بث الوقيعة بين مكونات القيادة، وتفخيخ الكيان السياسي الجامع وتوريطه في الخلاف الشديد .

ومن وراء ذلك، فهم يريدون تعطيل كثير من الاولويات، وتجميد عدد من القضايا ذات الاهمية البالغة بالنسبة لشعبنا، وتضليل الناس عن حقيقة الانجازات التي تمت، وتضبيب الآفاق التي فتحتها هذه التجربة الإصلاحية، مع مصادرة الاختيارات الديمقراطية للمواطنين والتشكيك في صوابيتها، والتي تكرست في انتخابات 2015.

حتى إنه لم يعد لهم من سبيل جاد لإحداث التوازن السياسي، وإرباك السير نحو معالجة الأعطاب، سوى التشويش على المشهد الاصلاحي،

لقد فشلوا فشلا ذريعا، بعدما جربوا كل الأساليب غير النزيهة،

إن القوى المناهضة للإصلاح، من خلال الأطروحات المروج لها إعلاميا، تريد أيضا أن تدفع البعض للإيحاء والتصريح بالقول، أن الحزب -وهو يستجيب لنزوة الزعيم في التمديد، حسب زعمهم- يستعد لمباشرة الانقلاب على تعاقداته الديمقراطية والتزاماته القانونية الموثقة، الضابطة لتنظيم حياته الداخلية في مختلف أوجهها،

وفي ذلك فانهم يعملون على، التسويق لسيناريوهات مخدومة، و الترويج لأخبار مفبركة والتأسيس لاستنتاجات مضللة، مفادها :
ان العمل جاري لتمهيد الطريق، وجعله سالكا، أمام عبد الإله بنكيران، لتأبيد زعامته على الحزب، وترسيخ مكانته السياسية في المرحلة، ضدا على منطق القانون ومقتضيات الديمقراطية الداخلية.

وهم يعملون على إدمان الاختلاق والاشاعة والتكرار وتحريف النقاش، لتأكيد استنتاجاتهم المغلوطة، من خلال إيهام الرأي العام أن ترتيبات سياسية وتنظيمية تجري في الخفاء- في غفلة عن القاعدة الحزبية، وبتواطؤ بين أركان القيادة الحزبية- لصالح الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، قصد تمكينه من تجديد ولاية ثالثة على رأس الحزب، وحيازة دورة جديدة في زعامته للمرحلة،

كل ذلك-حسبهم- يتم ضدا على قيم الحزب في تدبير المسؤوليات، وضد قوانينه المكرسة للتداول على القيادة، وفي مصادمة مع منهجه الديمقراطي في انتاج القرارات، وأسلوبه الخاص في تجديد النخب وتحديد الولايات، تمهيدا لتمديد قيادة الحكومة القادمة، باعتبارها استمرارا للتجربة السياسية الحالية، المنبثقة بدورها عن انتخابات 2012، والتي جرت غداة الحراك العربي،

هكذا يتبدى ظاهر الصورة،

انها محاولة جديدة لانهاك قوى الاصلاح، في معارك وهمية

ان ما سبق، يعد حلقة من حلقات محاولات الانهاك والتحوير والتحريف، التي لم تهدأ، هي محاولة جديدة، من قبل خصوم الحزب، باعتباره من ادوات الاصلاح في المرحلة، في سياق المواجهة المفتوحة والممتدة معه، محاولة للإثارة والتشويش على قضية التزامه النموذجي بآليات الديمقراطية الداخلية، التي تعد من العلامات المميزة له عن غيره من التشكيلات السياسية والحزبية العاملة في الحقل السياسي في البلد.

محاولة تريد النيل من انضباطه الصارم لمقتضيات المرجعية القانونية المرعية، ومن عناوينها البارزة وإجراءاتها الدالة، تأكيد الالتزام بالموعد القانوني للمؤتمر الوطني، والوفاء بولايتين لزعيم الحزب ولمجمل قياداته في كافة مواقع المسؤولية الحزبية، هي محاولة ايضا لإنهاك الحزب، في محيط سياسي وحزبي منهار ومفكك ورديء، تمهيدا لعودة قوى التحكم باذرعها السياسية والحزبية والادارية والاعلامية، للتأثير من جديد على منافذ القرار العمومي، وللهيمنة على مفاصل الحياة العامة، والطريق الى ذلك هو: انهاك ادوات الاصلاح، وتيئيس الناس من امكانية التغيير السلس وتأسيس حياة سياسية سليمة ديمقراطية، يتم فيها التداول السلمي على السلطة بالتنافس والانتخاب والتباري المفتوح والحر بين الفرقاء السياسيين المالكين لرؤى وبدائل، وهي محاولة، من قبل تلك المراكز المناهضة للاصلاح، للبحث عن دور المعطل السياسي في المرحلة، دور تقدم وتسدى به الخدمات لقوى التحكم والاستبداد بسخاء، اعتبارا لسوابقها في ذلك، وتقديرا لجهودها المبذولة، باعتبار ان لها باعا طويلا في تعطيل مسارات الوفاق الديمقراطي، وارباك الاصلاحات السياسية، وأن لها باعا طويلا، أيضا، في نسف استقلالية المنظومة الحزبية، وتفكيك القوى السياسية بالبلد، بالعمل على تعطيل عملها، وتبخيس حركتها، وشل قدرتها على الفعل السياسي المؤثر والإنجاز الميداني.

لقد أدمنت تلك القوى، على استهداف وحدة الاحزاب السياسية، وعملت على إفقادها استقلالية قراراتها، وأوهمت زعمائها بأن التحاقها بمسار التحكم ومنطقه يذرعليها المكاسب والمواقع والمنافع والمزايا والجاه والريع والسلطة والوجاهة والرفعة والثروة، وهي لها قدرة فائقة على احباط التقارب الممكن بين قوى الاصلاح، والتزامها بانجاح العمل المشترك، والممارسة السياسية على أرضية وحدة نضالية لمباشرة مسلسل الاصلاحات وانجاز مهام الانتقال الديمقراطي، والقطع مع مخلفات مرحلة التحكم السلطوي والاستبداد السياسي.

بكلمة، إنها محاولة جديدة لتيئيس الناس من الفعل المدني والنضال التنافسي بأدوات إصلاحية، وذلك كفيل بتأسيس حياة سياسية سليمة، تعمل على مصالحة الجمهور والنخبة مع السياسة-بمعناها النبيل- وتصحح تصورهم للسياسة، وتعمل على تدشين عملية مصالحتهم مع ممارسة الشأن العام، وتعمل أيضا على تصحيح تصورهم عن الفاعلين السياسيين والأحزاب والديمقراطية والاصلاح والعمل العام.

الحقيقة عكس ذلك تماما

الحقيقة، هي أن أصحاب الأطروحات المضادة للإصلاح، يراهنون على بث الزيف، وترويج الأكاذيب ونشر الاخبار المضللة، بالتلميح مرة والتصريح أخرى، والايحاء بأن قيادة مشروع الإصلاح سقطت في الفخ، ورسبت في امتحان الوفاء لقيم الديمقراطية المكرسة في قوانين الحزب، الحقيقة، أن المقاصد التي تحركهم أصبحت واضحة للعيان وباتت مكشوفة، ومن ذلك، العمل على توهين الارادات وتثبيط العزائم، وخلق تناقضات بين القيادات والمناضلين، وتأجيج الاختلافات الثانوية بينهم، اختلافات من شأنها إثارة الضغينة بين مناضلي الحزب، والتشويش على الرأي العام المساند للتجربة الاصلاحية الناجحة، التي يقودها الحزب من موقع التدبير الحكومي، باعجاب واقتدار، وهو نجاح أكدته نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية، واستطلاعات الرأي التي يتم الاعلان عنها بين الفينة والاخرى.

التوضيح واجب، الإشكال في العمق سياسي، وليس تقني

انه لا يخفى على كل ذي عقل نبيه وحس نقدي يقظ، أن عملية تركيز الانظار على البعد الإجرائي للموضوع واختزال الإشكال في التنظيم، وإغفال ابعاده السياسة الأكيدة، غايته هي الإمعان في حشرنا في الزاوية، و خنقنا في دائرة رد الفعل الدفاعي.

مع إدامة غفلة النخبة والناس، عن حقائق الاشياء كما تجري في ساحة الصراع السياسي العام، والالهاء المقصود عن طبيعة المعركة الدائرة، بغية تضييق الخناق على الاصلاح وانهاك أدواته والتشكيك في رموزه وشل قواه، بيد أن المطلوب، هو المبادرة لرص الصفوف، وتعميق الثقة في منهج الاصلاح، ذلك المنهج الذي ارتضاه الحزب سبيلا للفعل السياسي، مع ضبط الخطوات بإمعان، والمبادرة لتوضيح الصورة وتجليتها، بلا لبس أو تضبيب.

إن مباشرة توضيح ما يجري، والمبادرة الى بسط وجهات النظر السياسية والقانونية بخصوص القضية موضوع الجدل، وفرزها ووضعها في سياقها الطبيعي، من خلال عرض الأمر كما هو مطروح في النقاش، سواء داخل قيادة الحزب أو في المجال العمومي والإعلامي، مبادرة التوضيح تلك غدت ضرورة أكيدة للبيان ولتنوير عموم الناس بالحقائق، إن البيان وحده، هو ما سيسهم في تصحيح وجهة النقاش، وتسديد اتجاه الرأي العام، وتعطيل عملية التشويش الجارية، وهو ما يحقق معاني تجديد العهد على الوفاء بالمنهج الاصلاحي، ويساهم في تعميق ثقة الناس بجدارة الاختيار الديمقراطي، وقدرته على الصمود والرسوخ داخل الحزب وفي البلد برمته، لقد أصبح حزب العدالة والتنمية ملكا للجمهور، وصار –بذلك- شأنا عاما، ولم يعد شأن طائفة من الناس، أو فئة معزولة عن همومهم، فما يعنيه يعنيهم.

وأنا على يقين أن الحاجة تزداد- يوما عن يوم- لإجراء ذلك التوضيح الفكري والكشف السياسي عن الابعاد الحقيقية للحملة المضادة، وكذا لطبيعة الصراع الدائر حول الاصلاح في المرحلة، في الوقت الذي نعاين فيه كثافة في القصف الإعلامي ضد الاصلاح وضد أداته الحزبية، من قبل جهات عديدة، استبدادية الطبيعة وحاقدة التوجه، جهات لا تكن له ودا ولا تعاطفا له، جهات تعمل على شن الحملات المنظمة باحكام، وتستهدف من خلالها الرموز والقيادات وعبرهم المنهج والاختيار والقيم والإصلاح والخط، في محاولة منها للنيل من المصداقية السياسية والديمقراطية للحزب، في أفق تشديد الخناق حوله وعزله سياسيا، في هذا الوقت بالذات، يبقى الواجب الفكري والسياسي والاخلاقي والنضالي هو: التصدي لتجلية الأبعاد الحقيقية والسياسية، التي تؤطر تلك الحملات المنظمة، مع العمل على كشف مآزقها ومشكلات الأطراف التي ترعاها، و الانتباه إلى أهمية تجنب الانسياق وراء أحابيل تلك الدعايات، أما الارتكان الى موقف التجاهل، وترك الامور تمضي بلا توضيح، قد يفتح المجال للتشكيك ولتعزيز الوهم، واشاعة الاكاذيب وتصديقها.

فعلى الرغم من الامعان في الترويج الدعائي والمغرض للمقولات والعناوين التي سبق بسطها، والتي تعد محاولات بئيسة وطرقا يائسة، لحشر الناس في متاهة نقاشات تنظيمية وقانونية لا تعنيهم، وإلهاء عموم المناضلين بقضايا تفصيلية ومقولات تقنية تشغلهم عن الانتباه للأهم، فبالرغم من كل ذلك، يبقى الواجب يحفزنا على ضرورة الحديث والبيان والتصدي لمهمة التوضيح السياسي والفكري اللازم، وبسط الحقائق بالتصدي لمنطق الاشاعة، مع الجزم أن تلك الحملات المغرضة تؤدي إلى عكس مرادها، وتمضي حتما الى ضد أهدافها، مع أهمية الانضباط لمنهجنا في الاصلاح السياسي، وأسلوبنا الخاص في ادارة الصراع.

إنه وباستحضار كل ذلك، يبقى أن نشير الى أن الهدف الجوهري الكامن وراء تلك الحملات، والمتجلية في هذا الطرق الاعلامي الكثيف يتمثل أساسا في: مصادرة وعي الناس بحقيقة الصراع الدائر حول الاصلاح في المرحلة، مضامينه، أجندته، أطرافه، شركائه، خصومه، صعوباته، مستحقاته، أهدافه، والأهم من ذلك كله، ضرورة تسليح المناضلين والناس، بآليات الوعي بأبعاد الإصلاح الديمقراطي الجاري، والمتمثلة في تعزيز نطاق المسؤولية السياسية للحكومة، وتكريسها لصالح قوى الشعب المعبر عن إرادته بالانتخاب، مع العمل على توفير قوى الإسناد السياسي والجماهيري لها، للانتصار في معركة الاصلاح السياسي والنهوض المجتمعي.