وجهة نظر

فرك كلتا عينيك وانظر، فهؤلاء الأساتذة المتدربون..

ربما مازلت نائما تشخر ولا تعرف ماذا يحدث، فهؤلاء الأساتذة المتدربون أبانوا عن مستوى عال وحضاري في نضالاتهم ضد “المرسومين المشؤومين”، ولم يصبهم أي كلل أو ملل، حتى الآن، من جراء هذا التجاهل وعدم الاكتراث الذي تمارسه الحكومة تجاههم وتجاه مطالبهم المشروعة والعادلة.

رغم فاقتهم وحاجتهم الماسة، فقد استطاع هؤلاء الأساتذة المتدربون أن يتوحدوا تحت راية الاحتجاج السلمي للدفاع عن المدرسة العمومية التي يراد الآن التخلص منها والإجهاز عليها حتى لا تبقى تشكل عبئا على خزينة الدولة. بين الفينة والفينة الأخرى، يخرج علينا هذا الوزير أو ذاك ويصرح بأنه حان الوقت للدولة بأن ترفع يدها عن القطاعات العمومية وبالأخص عن قطاع التعليم وقطاع الصحة. وآخر تصريح جاء على لسان وزير التعليم العالي “لحسن الداودي” الذي قال فيه: “لي بغا يقري ولادو يدير يدو في جيبو”.

من هنا يظهر أن الأساتذة المتدربون كانوا على حق في معركتهم عندما صرخوا جهارا نهارا بأن المسألة لا تتعلق ب”المرسومين المشؤومينن”، وإنما برزمة من الإجراءات التي ستقضي على الحق والمجانية في التعليم للجميع. وبالتالي هذا ما سيزيد من الفجوة ومن التفاوت الطبقي بين أبناء الوطن الواحد. هذا التفاوت الطبقي الذي يوجد أصلا بشكل مهول ومخيف ويجعل المواطنين على درجات، فهم لا يشعرون بمبدأ تكافؤ الفرص وبالمساواة، وهو الأمر الذي يجعلهم ينقمون على بعضهم البعض بحكم أن الفقراء وأبناء المغرب العميق يعانون من الظلم و

“الحكرة”.

وقد مورست هذه “الحكرة” بكل ألوانها وأشكالها على الأساتذة المتدربين و ضربوا وركلوا وجرحوا وعطبوا من طرف قوى الأمن والمخزن التي تسلطت عليهم مرارا و تكرارا دون وجه حق، وحاولت أن تصدهم وتفشل مسيراتهم. لكن، ” هيهات، الموت ولا المذلة”: قال الأساتذة المتدربون. ومع كل ذلك، لم ينظر الأساتذة المتدربون إلى عناصر الأمن والمخزن بنوع من الحقد ولا الكراهية، بل توددوا إليهم وقدموا لهم الطعام والشراب عندما اعتصموا في المراكز والساحات. ولأن الأمر أمر، لم تتردد قوى الأمن والمخزن في التدخل وفك المعتصمات ورفس الأساتذة المتدربين وتهشيم رؤوسهم بالهراوات التي كسرت واحدة منها على رأس أحد الأساتذة.

وأمام كل هذا الضعف والقهر صرخ أحد الأساتذة عاليا بمركز خنيفرة وقال في وجه عناصر الأمن:” راه مبغاوش ولادكوم يمشيو إلى التعليم العمومي. راه بغاوكوم تصيفتوهوم إلى الخصوصي ب 40 ألف للشهر …شحال تيعطيوكم في الشهر متيعطيوكوم والو… يعني…..ملي يعطيوك الكاسكيطة ويغولو ليك ضربهوم، قولو ليهوم هادو تيدافعو على كرامتي…وتيدافعوا على وليداتي غدا باش ميكونش …يارجل الأمن علاش تضربني وأنا تندافع على حق ولدك في المدرسة العمومية…”

الأساتذة المتدربون، كمواطنين واعين، حملوا على عاتقهم هذه المسؤولية الجسيمة، رافضين كل ما يحاك ضد المدرسة العمومية. وفي سبيل ذلك، انخرطوا في طريق واحد بعد أن ناقشوا وعرفوا ما يوجد وراء “المرسومين المشؤومين” من تبعات خطيرة تقضي عل كل شيء يتعلق بالمدرسة العمومية التي أنتجت فيما مضى رجالا ونساء بصموا حياتهم بشتى الأعمال العلمية والأدبية والتي كان لها صدى طيب هنا وهناك وجعلت من المغرب قبلة للمهتمين بالفكر “الجابري” و” الطاهوي” على سبيل المثال لا الحصر.

ومع أن إمكانيات هؤلاء الأساتذة المتدربين جد ضعيفة وشبه منعدمة، فقد أبدعو في مسيراتهم وتفننوا في شعاراتهم التي رددوها بكل لغات الدنيا. وكانوا أصحاب الحجة والدليل في المحافل واللقاءات التلفزية والصحفية أمام الوزراء وممثليهم. فالأساتذة المتدربون، كل مرة، يظهرون ويؤكدون أنهم هم المتشبثون باحترام القانون وفصوله، في حين أن المسؤولين الحكوميين يكررون نفس الكلام وهو أن هؤلاء الأساتذة المتدربين ذهبوا إلى المباريات وهم يعلمون ب”المرسومين المشؤومين”.

هؤلاء الأساتذة المتدربون قاموا بمسيرات محلية ووطنية ناجحة وتقاسموا فيها المال والطعام والشراب مع بعضهم البعض. وهذا التآزر والتلاحم الذي اظهروا عليه جعلهم، بشكل أو بآخر، يحيون معاني المحبة والأخوة والشجاعة التي أصبح المجتمع المغربي يفتقد إليها بسبب الأنانية المريضة والقاتلة. فالأساتذة المتدربون و هم يجلسون في معتصماتهم، ويلتفون مع بعضهم البعض حول أطباق وصحون العدس والفاصوليا ويكسرون فيما بينهم الخبز الذي يلتهمونه بكل إيثار وروح إنسانية، يجسدون أن القسمة العادلة ” للثروة” هي الضامن الأساسي للأمن والاستقرار وبالتالي التلاؤم والإنسجام.

ولم يفت هؤلاء الأساتذة المتدربون أن ينقطوا للوزراء كلما سنحت لهم الفرصة بذلك. فقد خرجوا في مسيرات وطنية كبرى ورسموا بأناملهم إشارة “الزيرو” أو الصفر وهتفوا باسم كل وزير على حدا، مستهزئين من فشلهم في تدبيرهم للشؤون العامة للبلاد والتي لم تأتي بشيء سوى كثرة الخطابات التي لم تقدم أي حل في معالجتها للقضايا المصيرية للبلاد. وقد كانت “الطامة الكبرى” حينما انزلق “بان كي مون” بلسانه ووصف المغرب بالمحتل للصحراء. وهو ما يعكس بشكل واضح وملموس، أن الحكومة فشلت حتى على مستوى الخارجية في التعريف بالقضية الوطنية الأولى للمغرب. وفي المسيرة التي دعت إليها الداخلية في يوم الأحد 13 مارس، كان الأساتذة المتدربون في الصفوف الأمامية ينددون بملء فيهم بأن الصحراء أرض مغربية، ولن يزايد لا “بان كي مون” ولا غيره على مغربيتها. وهكذا برهن الأساتذة المتدربون مرة أخرى على حسهم الوطني الرفيع وعلى وعيهم السياسي الكبير بالقضايا المصيرية الأولى للوطن.

لو كان هناك شيء من محاسبة النفس أو ذرة من ضمير حي، لاستيقظت وفركت كلتا عينيك ونظرت، فهؤلاء الأساتذة المتدربون يحتاجون إلى التوظيف أكثر من التكوين.