سياسة

قياديون في “الجماعة”: مسيرة الصحراء تغطية عن الفشل وتمرير للمغالطات

هاجم عدد من القياديين في جماعة العدل والإحسان المعارضة، المسيرة الاحتجاجية التي نظمت أمس الأحد بمدينة الرباط ردا على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، التي وصف فيها سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية بـ”احتلالا”، واعتبروا أنها (المسيرة) محاولة للتغطية عن فشل الديبلوماسية المغربية.

وأجمعت تعليقات القياديين في الجماعة التي اختارت عدم المشاركة في المسيرة المذكورة، على انتقاد تدبير الدولة لملف الصحراء، كما كذبوا ما أعلن رسميا حول تجاوز عدد المشاركين فيها ثلاثة ملايين مواطن.

عدد المشاركين بين 50 و80 ألف

كذب عمر أحرشان عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، ما أوردته الإحصاءات الرسمية والتي نشرتها وكالة المغرب العربي للأنباء حول تجاوز المشاركين في المسيرة 3 ملايين مواطن، معتبرا أنه “من خلال مجموعة من الحاضرين في عين المكان، فإن العدد تراوح بين 50 و80 ألف مشارك”.

وعلق أحرشان في مقال له نشر على الموقع الرسمي للجماعة على رقم 3 ملايين محتج، بـ “وهذا عدد مبالغ فيه جدا لأن النقل المباشر عبر التلفزيون وطريقة نقل الصور (زوم) يبينان أن العدد أقل من ذلك بكثير، وهذا يعلمه من له خبرة بالعدد وبالمسيرات وله وسائل تقليدية لاحتساب الأعداد”.

واتهم المتحدث الجهات الرسمية باعتماد غلق مداخل مدينة الرباط بشكل متعمد من أجل حصول انحباس في حركة المرور، وشدد على أن “العدد كان قليلا مقارنة مع المتوقع ومقارنة بالإمكانيات اللوجستية التي وضعت رهن إشارة المنظمين”.

وفي السياق ذاته، اعتبر أحرشان أن المسيرة غاب عليها التنظيم مما جعل “الحشود تبقى تائهة بدون توجيه”، وأنها “ظلت المسيرة بأكثر من مقدمة”، “غابت القيادات الحزبية لأزيد من ساعتين على الموعد المحدد لانطلاق المسيرة، وهذه نتيجة طبيعية لمسيرة لا تُعرف الجهة الداعية لها وتم الإعداد لها بسرعة خيالية لم تساعد على إيصال الرسالة للمنتظم الدولي لأن الإعداد الجيد والتنظيم المحكم هو أفضل رسالة في هذه المواطن”، على حد تعبيره.

كما انتقد أحرشان مضمون المسيرة الوطنية، وقال إنه غلبت عليها “لغة السب والقذف ضد بان كي مون”، معتبرا إياه “استعداء مجاني وتشويه لسمعة المغرب والمغاربة، وخاصة حين تصدر عن قيادات حزبية يُفترض فيها الرصانة حتى في أحلك الفترات لأنها واجهة الدبلوماسية الموازية”.

النظام استغل الشعب للتغطية على إخفاقاته

من جهته، اعتبر الكاتب العام لشبيبة “العدل والإحسان” منير جوري في مقال توصلت به “العمق المغربي”، أن “اللجوء إلى إظهار شعبية القضية والإجماع الوطني حولها من خلال هذه المسيرة هو دليل على انتكاسة خارجية كبيرة في الملف، وهي محاولة من النظام لتعويض الفرص الخارجية الضائعة بالدعامات الداخلية، وهذه مناورة مشروعة وطبيعية لدى جميع الدول”.

ووصف جوري اللجوء إلى تنظيم المسيرة بأنها “لجوء للداخل بشكل مؤقت واستغلالي وكرنفالي من طرف الجهات الماسكة انفراديا بالملف”.

وقال جوري بأن الهدف من المسيرة هو “آلية ضابطة للداخل”، للتحكم في عدم إصدار مطالب بمحاسبة المسؤولين على الدبلوماسية المغربية، وعدم إرجاع نقاش الداخلية وفعاليتها ومستوى أدائها، خاصة أنها تسير بثلاث وزراء، فضلا عن لائحة التعييينات الأخيرة للسفراء والتي رافقتها الكثير من الملاحظات والانتقادات ومساءلة الجد.

وتابع، “غاية الدولة هنا تحتمل أولا الإلهاء عن التفكير في الإخفاقات الخارجية وفي تحريك حملات المحاسبة والتدقيق والمراقبة، كما تسعى نحو التجييش العاطفي باسم الوطنية والقضية الأولى للبلاد و… من أجل استبعاد أي تفكير في انتقاد التدبير المرتبك لملف الصحراء”.

وأضاف جوري في مقاله “الشيء الذي يُظهر الرأي الشعبي قاصرا وعاجزا عن الخوض في الموضوع بمستوى من التحليل الموضوعي والمنهجي الرصين، خاصة أنه يظل مغيبا سواء لدى من يفترض أنهم منتخبين ممثلين له أو لدى التنظيمات المفترض أنها تؤطره وتعبر عنه. وهذا الإقصاء الشعبي يعرفه خصوم القضية كما تعرفه المؤسسات الدولية، لذلك أعتقد أن تأثير مثل هذه المسيرات يظل محدودا وهامشيا”.

إعادة النظر في النظام لحل قضية الصحراء

واختارت جماعة العدل والإحسان في ظل النقاش الذي طغى على الساحة المغربية هذه الأيام حول القضية الوطنية، أن تعيد نشر حوار سابق للناطق الرسمي باسمها فتح الله أرسلان مع إحدى الجرائد العربية، حيث اعتبر أن لا سبيل لحل قضية الصحراء دون “إعادة ترتيب طريقة إدارة شؤون البلد بأن تبنى على أساس الشورى بما تعنيه من دستور شعبي وحريات عامة وحقوق للإنسان وتعددية حقيقية لا صورية وسيادة للشعب ومسؤولية للجميع، حاكمين ومحكومين، أمام القانون”.

وقال أرسلان في الحوار الذي أعادت الجماعة نشره اليوم الإثنين على موقعها الرسمي في جواب على سؤال حول “هل تخشون على وحدة المغرب من إقامة نظام الحكم الذاتي في إقليم وجهات؟”، (قال) “إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه من استبداد بالحكم وفساد في دواليبه وفي الإدارة، وما ينعكس عنه من تهميش للشعب ومكوناته، وتجهيل وتخويف وتفقير، وتفكك اقتصادي واجتماعي، وانحراف عقيدي وأخلاقي، فإننا نشد قلوبنا، كما يشدها كل المغاربة، خشية وإشفاقا من كل ما يحتمل أن تفرزه تلك الأمراض الفتاكة من أزمات وانفجارات، اصطلى المغرب بكثير منها”.

الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء

من جهته، اختار “عندليب العدل والإحسان” (كما يوصف إعلاميا) الفنان رشيد غلام، التفاعل مع النقاشات الحالية بتدوينة نشرها على حائطه الخاص بموقعه التواصل الاجتماعي “فيسبوك” اليوم الإثنين، جاء فيها “الوطن؛ لثلة قليلة جدا يقتسمون ثرواته، ينعمون بخيراته، يستأثرون بمقدراته، يورثونه أبناءهم. والوطنية والفقر والعوز والحاجة والظلم والتجهيل للأغلبية العظمى من الفقراء”.

وتابع غلام الذي فضل الحديث بشكل عام وعدم ذكر قضية الصحراء، “يحفظ للأغنياء مكانتهم الاستبداد  يولغ في رزق الفقراء كما يولغون، ويزيدهم بالريع امتيازا والمناصب ممالئة كفرعون وهامان وقارون و ملأهم. ويتخذ الفقراء خدما ورعاعا عسكرا. يحشذهم لحماية الوطن؛ لحماية حظوته وحظوة الأغنياء؛ بأناشيد الوطنية وزغاريد الشعوبية”.

وفي تدوينة أخرى نشرها أمس الأحد، قال المطرب رشيد غلام “الوطن لا يحميه الاستبداد أبداً، والوطنيون لا ينقادون لمستبدٍ أبداً. والبهرجة الفارغة لا تصنع المجدَ أبدًا”، وتابع “أصدقوا مع أوطانكم، وتعلموا من التاريخ كيف تبنى الأوطان مجيدة عزيزة. الوطنية شيء آخر غَيْرَ هتافات جوقَةِ العبيد”.

لا تتاجروا في آلام والمدخل الاجتماعي ملح

في السياق نفسه، دعا القيادي في الجماعة المعارضة مبارك الموساوي إلى الاهتمام بالمدخل الاجتماعي، معتبرا إياه “ملحا وضروريا في هذه المرحلة التاريخية”، وأن “أي تأخر في إنجازه حقيقة لا تمويها هو إسراع في الاتجاه الخاطئ، لأنه سيحرم المجتمع من القوة اللازمة للمقاومة والبناء”.

ونشر الموساوي على حسابه الخاص بالموقع الأزرق “قضية الصحراء جرح غائر وألم تاريخي، والحرية شرط في الوحدة، والوحدة شرط في القوة، فلا تجعلوا من قضية الصحراء لغطا سياسيا ولغوا فكريا، فالجرح أعمق من حديث أشباه المثقفين الجالسين على أريكة النضال الهامشي، وهي حتما أريكة هشة، وأعمق من احتجاج انفعالي لن يكون إلا وسيلة تعميق إضافية للجرح”.

وتابع “فلا تتاجروا في آلام الأمة، وادفعوا جميعا ورأسا إلى شرط الحرية الكاملة، وساعتها لن تختار الأمة إلا أن تكون أمة واحدة، لأنها تعلم أن قوتها في وحدتها، وأن مستقبلها رهين بهذه الوحدة”.

وأضاف القيادي في جماعة العدل والإحسان “وانتبهوا جيدا قبل فوات الأوان، فهذا الهجوم الكاسح لمنطق السوق علينا من الخارج سيضرب بعنف وضعنا الاجتماعي الهش أصلا، وساعتها سيفجر أعداء الأمة في وجهنا قضية الصحراء بعنف كذلك”.