منوعات

بويخف يكتب: رد مغربي بارد على استفزاز حارق لـ”بان كي مون”

في قضية يعتبرها مجلس الأمن على الدوام في قراراته قضية تتطلب حلا سياسيا متفاوضا عليه يرضي جميع الأطراف، انزلق الأمين العام للأمم المتحدة في تعاطيه مع ملف الصحراء المغربية، خلال جولته الأخيرة غير المكتملة، إلى لغة حسم فيها الوضع بحديثه عن “الاحتلال”. وهذا التوصيف بالإضافة إلى كونه يناقض ترسانة المصطلحات القانونية والدبلوماسية التي دأبت الأمم المتحدة على استعمالها في تعاطيها مع الملف، يسجل سقوطا مدويا لمسؤول أممي من الشروط الحيوية التي ينبغي أن يتسلح بها على الدوام في معالجة قضايا النزاعات هو الحياد والموضوعية. وفي هذه النازلة اصطف “بان كي” مع الانفصاليين وصناعهم ومموليهم.

والواقع أن الوضع في الصحراء لو حسم في المنتظم الدولي على أنه “وضع احتلال” لما انخرطت الأمم المتحدة مند عقود في مقاربته من خلال التفاوض السياسي على أساس تقديم مقترحات وتنازلات من طرفي النزاع، ولكانت المقاربة الوحيدة هي مطالبة المغرب، الذي سيصنف في وضع “المُحتل”، برفع يده عن الصحراء تماما كما طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة إسبانيا سنة 1965 من خلال قرارها رقم (xxi 2072) بإنهاء استعمارها للصحراء.

إن اللبس الذي يعتري ملف الصحراء هو في اعتبارها في الأمم المتحدة ضمن الأراضي غير المستقلة، وذلك مباشرة بعد إعلان إسبانيا سنة 1961 أن ” الصحراء الغربية” محافظة إسبانية. وهو ما دفع بالأمم المتحدة سنة 1963 إلى تصنيف تلك الأراضي ضمن “الأراضي التي لا تخضع لحكم ذاتي”، والتي ينطبق عليها ما يعرف بتصفية الاستعمار، والمستعمر في هذه الحالة هو إسبانيا وليس المغرب. وبقي ملف الصحراء ضمن اختصاصات اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة وهي ” لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار”. و المغرب هو الذي طالب سنة 1964 بإدراج قضية الصحراء في جدول أعمال تلك اللجنة!

وهذا التصنيف في الأمم المتحدة لا يعني أبدا أن المغرب دولة مستعمرة للصحراء، بقدر ما يعني أن ملف الصحراء لم يخرج بعد من مساره الذي وضع فيه كملف “أرض لا تتمتع بالحكم الذاتي” قبل أزيد من عشر سنوات من المسيرة الخضراء التي حررت الصحراء من المستعمر الاسباني، و من تأسيس “البوليزاريو” نفسه الذي يلعب على هذا التصنيف! وهذا يفرض على أي أمين عام في الأمم المتحدة، وعلى أي مسؤول فيها، وعلى جميع دول العالم التي تحترم الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، التزام الحياد وعدم التأثير السلبي في معالجة الملف في إطار سياسة مجلس الأمن التي ترتكز على المفاوضات بين أطرافه وعلى أساس حل يرضي كل تلك الأطراف.

لكن رد الحكومة المغربية على سقطة الأمين العام ببلاغ مهما كانت لغته قوية ومجلجلة، هو دون المستوى المطلوب، فالخرق الذي وقع فيه الأمين العام للأمم المتحدة يتطلب وضع شكاية مستعجلة تطالب بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لإعادة وضع ملف الصحراء على الأقل في إطاره التاريخي في الأمم المتحدة، والذي لا يعتبر المغرب دولة مستعمِرة بقدر ما يسعى إلى الحسم في وضعية أراضي صنفت بكونها لا تتمتع بالحكم الذاتي. ومحاسبة “بان كي مون” على إخلاله بواجب الحياد والتحفظ والموضوعية، في معالجة ملف من بين أعقد ملفات النزاع في العالم. وتطالب المجلس بالمناسبة بتحمل مسؤوليته في تماطله في الحسم في ملف الصحراء رغم كل التنازلات التي قدمها المغرب، ورغم تقديم المغرب مقترحا اعتبره المجلس في كل قراراته مند 2007 مقترحا جديا وذا مصداقية. فالحكم على المقترح المغربي مند أزيد من 12 سنة بكونه جدي وذا مصداقية لم يترجمه المجلس على أرض الواقع بتحرك دبلوماسي ولا سياسي يعيد للانفصاليين إلى بعض صوابهم.

إن المغرب مطالب اليوم بالتحرك الفعال والسريع على كل الواجهات من أجل تصحيح خطأ “بان كي” والذي لغم الطريق أمام أي أمين عام يأتي بعده. وتصحيح خطأ “بان كي” لا يعول فيه على شخصية الأمين العام المقبل بقدر ما ينبغي أن يحسم فيه مجلس الأمن نفسه الذي ينبغي أن يتحمل مسؤوليته السياسية والأخلاقية في مس الأمين العام بمشاعر 34 مليون مغربي مستعدون لبذل الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على الوحدة الترابية لبلدهم.

إن مواقف الحكومة في هذا الملف ينبغي أن تترجم قيمته الحقيقية بالنسبة للدولة المغربية، وفي مشاعر الشعب المغاربي، وينبغي أن تكون قوية وعملية، لا مجرد بلاغات، مهما كانت قيمة تلك البلاغات من الناحية السياسية.