وجهة نظر

عن أبعاد فوز العماري بالأمانة العامة لحزب “البام”

حزب الأصالة والمعاصرة يختار أمينه العام في مؤتمره الوطني الثالث، ليس هذا هو المهم، بل المهم هو كيف لرجل ينتمي لقاع المجتمع ومن أبناء المغرب العميق أن يتسلق الصعاب والحواجز ليصل إلى أعلى المناصب السياسية في البلاد، التي يمكن أن تبوأه للوصول إلى ترأس الحكومة، فإلى وقت قريب كان هذا النوع من المناصب مقفل ومسيج على أبناء الشعب، وينحصر فقط على الأعيان والعائلات المعروفة المقربة من مصادر القرار.

ربما يبعث هذا الأمر شيئا من التفاؤل على مسار ترسيخ التجربة الديمقراطية في المغرب، ويشير إلى تحول سياسي عميق، يحيلنا على تجارب الدول الرائدة في الديمقراطية، التي يحكم الطموح والعمل الجاد مصير الشخص مهما كانت طبيعة طبقته الاجتماعية التي ينتمي إليها، لكن في الآن ذاته تبقى مجموعة من الأسئلة عصية على الفهم، كأن يصل رجل سياسة من أبناء الريف لذلك المنصب الحزبي، خاصة أن أغلب الملاحظين يدركون طبيعة ولادة ومنشأ حزبه، حتى أنه يوصف بحزب المخزن.

يعلم الجميع وخاصة دارسوا التاريخ، العلاقة المتشنجة بين السلطة المركزية في المغرب ومنطقة الريف التي أبدت في وقت من الأوقات في عهد عبد الكريم الخطابي رغبتها في تكوين كيان مستقل، هذا الأمر أرخى بظلاله لمدة طويلة على طبيعة العلاقة بين صانعي القرار ومنطقة الريف، مما أدى إلى نوع من غياب الثقة، يمكن تلمس خيوطه في استبعاد ابناء الريف من تقلد مناصب عليا جد حساسة، خصوص في أجهزة الجيش والأمن.

هل يمكن القول عن بداية عهد سياسي جديد تتصالح فيه السلطة مع أبناء منطقة الريف، فالدولة أبدت رغبة أكيدة في طي ملفات الماضي والسير على خطى تركيز تنميتها الاقتصادية، من خلال مشاريع كبرى هيكلية لتدارك سنوات من التأخير في مناطق شمال المغرب.

من جانب آخر، فإن المتأمل لطبيعة الحكم السياسي في المغرب، يدرك أن نظامه السياسي قائم على التحالف مع الأعيان في جل المناطق المهمة في المغرب، والأمثلة على ذلك كثيرة، فيكفي الحديث عن عزيز أخنوش المنحدر من منطقة سوس، وعائلتي الدرهم وولد الرشيد في الصحراء، الذين يملكون نفوذا وتأثيرا كبيرا في مناطقهم، وقد يأتي إفساح الطريق لإلياس العماري لتسلق ذلك المنصب، لنفوذه وتأثيره وقدرته الكبيرة على حشد أبناء الريف، شيء تأكد من خلال نتائج الانتخابات الجهوية والجماعية الأخيرة، حيث تمكن من اكتساح منطقة الريف وكذا ترأس جهة طنجة – تطوان- الحسيمة.

في سياق آخر، فإن تحولات المشهد السياسي المغربي، ارتباطا بالتقدم الحاصل في وسائل الاتصال والتواصل ومدى سرعة انتشارها، جعلت من شروط التأثير على الرأي العام الوطني وجلب الأصوات، التوفر على ملكات ومهارات تواصلية كبيرة، وكاريزما سياسية قادرة على التأثير والإقناع، وهي مواصفات إلى حد ما متوفرة في الأمين الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة، ليكون بذلك رجل المرحلة، الذي يمكنه أن يوقف زحف عبد الاله بنكيران وحزبه، هذا الأخير غدى ظاهرة سياسية وفرجوية في المغرب، بالنظر لنسبة المشاهدة الكبيرة التي تصاحب خطاباته وتدخلاته، حيث لم يستطع مجموعة من الأمناء العامين للأحزاب مجاراته.

يبدو أن مهندسو المشهد السياسي المغربي، يدركون ضرورة خلق توازن بين القوى الحزبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، حتى يقطعوا الطريق عن استفراد وهيمنة قوى سياسية بعينها، يمكن أن تشكل متاعب حقيقية، وهو أمر جاء إلياس العماري ليلعبه ويصرح به علانية، عندما يقول بأنه جاء ليحارب الاسلاميين ويحذر من مشروعهم.