وجهة نظر

نصيحة إلى الأساتذة المتدربين

أعلم أن منكم، و من بينكم، من إستمع إلى صوت العقل. و ما هم بقادرين أن يجاهروا بما هم مؤمنين به، من أن هذه الإعتصامات لا طائل من ورائها.

كان عليكم أن تشكروا الحكومة على فعلتها. لقد وسعت من أعدادكم و أنقدتكم من البطالة، بل و تعطيكم منحة كل شهر. و أغلبكم سيعملون مع الحكومة، و الآخرون في القطاع الخاص.

على الأقل في القطاع الخاص، يمكنك أن تختار المؤسسة التي تريد، في المدينة التي تريد، و في الحي الذي تريد. و براتب محترم قد يصل إلى أو يفوق راتب الدولة، و على أساس شهادة التأهيل. أما في الحكومة، فيمكن أن تُدٓرِّس في المدرسة القريبة من منزلك، أو في أبعد مدرسة في الجهة.

هاأنتم هؤلاء، حرمتم أنفسكم من الدراسة، و من المنحة، و قد تحرمون أنفسكم من الوظيفة. و لن ترحمكم الحكومة في هذا، فهي تحسب هذا الأمر إصلاح و أي إصلاح. بل و تحرمون أنفسكم من الطعام ليوم و ليلة. و تنامون في العراء في عز البرد، و تطردكم الشرطة ليلا، بأغطيتكم و أفرشتكم كمتشردين لا مأوى لهم.

و أنتم أنانيون لا محالة. تقولون للحكومة : و ظِّفونا نحن، كلنا. أما الآخرون الذين سيأتون من خلفنا، فافعلوا بهم ما تشاؤون، و طبقوا عليهم الإصلاح الذي تريدون. و هذا ما يمنع الحكومة من أن تتجاوب معكم : أن تفقد القرارات السياسية قوتها و فعاليتها. و لقد وقع مثل هذا الشنآن من قبل، بين هذه الحكومة و فئات معينة، بسبب قرارات حكومية. و قد احتج الآخرون، و فعلوا ما فعلوا، و في الأخير امتثلوا.

حين إطلعتم على إعلان مباريات التعليم، أعجبكم الأمر بداية : عشرة آلاف طالب أستاذ. ما وصلت مراكز التربية و التكوين إلى هذا العدد الغفير من قبل هذا ! وقد كُنْتُمْ على علم بكل الشروط الجديدة. و شكل الأمر بارقة أمل للعديدين، في عز الصيف. و على بعد أسابيع من الدخول الفعلي في “البطالة”، و دوامة الضغط الإجتماعي. و لقد تفهمتم الأمر بداية، و قلتم لا بأس.

ولكنكم، حين رأيتم أزمة “أمانديس”، و كيف انتهت، و إحتجاجات الطلبة الأطباء و كيف إنتهت. فقلتم، فلم لا نفعل مثلهم ؟
وستتدخل الحكومة، بفعل إحتجاجاتنا، و تنتهي أزمتنا كما انتهت سابقاتها، و يُطوى الملف مرة واحدة.

ولكن لا مجال للمقارنة هنا. فمشكلة “أمانديس” سببها عدم تطبيق القانون عليها، و إلزامه بها. و إحتجاجات الطلبة الأطباء، كانت بسبب مناقشة مسودة قانون لم يصدر بعد أصلا. أما أنتم، فقد صدر القانونين، و كُنْتُمْ على علم بهما، بل و وقعتم على معرفتكم بهما، والالتزام بالعمل بمقتضاهما.

كفى ! لقد إنفطرت قلوب آبائكم، و هم يرون مستقبلكم، ينفلت من بين أيديكم و أيديهم. رحمة بهم، و إحسانا إليهم، عودوا إلى مقاعدكم، وارقدوا في داخلياتكم، و ارتدوا وزراتكم، و تسلموا منحتكم، و أطلبوا عند الله الرزق، و ليس عند الحكومة. فالله هو الرزاق ذو القوة المتين.

وإني لكم من الناصحين، إن قلتم لكم أن إسمعوا إلى صوت العقل. فلا يغرنكم الحماس، و وسوسة الذين لهم مآرب أخرى.