من العمق

دعم الصحافة الإلكترونية..زيدوا الشحمة فظهر المعلوف

من غرائب آلية دعم الصحافة الإلكترونية في المغرب، -والتي لا يمكن إلا التنويه بها من حيث المبدأ- كونها تعاكس منطق التأهيل وفلسفة الدعم، لا بمعنى المساعدة ولا بمعنى التعددية مما يجعلها تنطبق عليها مقولة “زيدوا الشحمة فظهر المعلوف”، هكذا ستزداد المقاولات التي ولدت كبيرة أصلا تضخما، وستزداد المولودة من عدم أو بإمكانيات جد محدودة فقرا، طبعا مع استثناء المقاولات التي انطلقت صغيرة ككل الأشياء الطبيعية ثم كبرت، فاللهم لا حسد.

من أولى الملاحظات في هذا الكلام أن الدعم يفترض أن يوجه للضعيف لكي يتقوى، وللمبتدئ حتى يقف، لا أن يمنح لتجارب لا يمكن أن تضعف أصلا اللهم إذا اختير قتلها، وهو التوجه مثلا الذي اعتمدته لجنة دعم الأعمال السينمائية في وقت من الأوقات بتشجيع الأعمال الشابة أو أعمال مخرجين يخوضون غمار المنافسة لأول مرة، وكما حدث أيضا في موضوع الأفضلية الوطنية في الصفقات العمومية.  

ويحضر في هذا الإطار التجربة الفرنسية نموذجا حيث نجد أن جريدة “لوموند” بقضها وقضيضها ليست على رأس ولا من أوائل الصحف المستفيدة من دعم الدولة، أضف إلى ذلك أن العديد من الخطابات الرسمية للدولة وتعبيرات بعض قوانينها تحيل على مفاهيم التأهيل والتكوين الأساسي والمستمر، وأيضا دعم التعددية وذلك بما يعطي معنى لفلسفة الدعم ويعكس نوعا من العدالة في توزيع الدعم وليس المساواة.

  فهل يعقل أن تعامل جريدة “العمق” مثلا ب”المساواة” مع منبر لم يولد فقط وفي فمه ملعقة من ذهب كما يقال، بل مطبخ جميع أوانيه ذهبية وتختلط فيه أدوات التجارة بالسياسة، أو أن تتقدم “العمق” لطلب الدعم مع إمبراطورية غول بنفس هيمني وكأنها تريد أن تقول للموجودين في حقل الصحافة أن ساعتكم “سالات”.  

من المعلوم أيضا أن الإشهار بشكل عام وبمختلف أنواعه بما فيه إشهارات مؤسسات الدولة سواء الداخلة تحت وصاية الحكومة أو المتواجدة خارجها وما أكثرها، جميعها متحكم فيه ويوجه بالهواتف والاملاءات ولا قانون ينظمه بنفس العدالة والتكافؤ، وللمتصفح في الشبكة العنكبوتية أن يلاحظ كيف تغرق مؤسسات إلكترونية بملايين الدراهم من خلال الإشهارات في وقت لا تجد فيه أخرى رغم أقدميتها وانتظامها إشهارا واحدا طيلة عام، ولو كان إشهارا إداريا لا يتجاوز مقابله 200 درهم.

وفي هذا الصدد فإن أسطوانة عدد الزوار والأقدمية تصبح مشروخة حيث يكفي أن يطّلع الإنسان على مواقع تصنيف الصحف الإلكترونية وترتيبها حتى يتبدى له بشكل جلي كيف تدعم مواقع بعينها وترتيبها في المغرب أقل من 300 بقليل، وكيف استفادت مواقع أخرى من إشهارات في أول أسبوع من خروجها للوجود.

 من بين النقاط الغريبة في هذا الصدد أيضا وعلى الرغم من كون عدد الصحفيين المهنيين العاملين في الصحافة الإلكترونية يتجاوز اليوم 100 صحفي بشهادة وزارة الاتصال وتوقيع الوزير المسؤول عنها، فإن جمعية الأعمال الاجتماعية التي تستفيد من ملايين الدراهم من الدولة ما تزال إلى اليوم تمنع صحفيي الصحافة الإلكترونية من أي استفادة بدعوى أن الجمعية تخص الصحافة المكتوبة فقط، هذا في الوقت الذي تؤكد وزارة الاتصال أن المعني بالدعم هو كل صحفي مغربي يحمل البطاقة المهنية.

ومن غرائب جمعية الأعمال هذه، أن الصحفي يمكن أن يكون اليوم في صحيفة مكتوبة فيستفيد وغدا يصبح في أخرى إلكترونية فيمنع وهكذا، أما ما يسمى بالصحفيين المعتمدين لصالح منابر صحفية وإعلامية أجنبية فلهم الله، فلا أحد فكر فيهم حتى اليوم، ويبدوا أن هناك من يدفع لبلقنة المشهد الصحفي بتأسيس جمعيات؛ هذه للمكتوبة وتلك للإلكترونية وأخرى للمعتمدين .

من بين الملاحظات أيضا اعتماد معايير معقدة وعديدة، ومع أن لها فضيلة حماية المال العام، غير أنها تكون في أحيان أخرى معرقلة عندما نقف مثلا عند شرط سنتين من انطلاق أي صحفية إلكترونية لتحصل على رقم اللجنة الثنائية، فإذا كان هذا الشرط متفهما بالنسبة للصحافة الورقية فإنه غير ذي جدوى في حالة الصحافة الإلكترونية.  في حديث آخر مع أحد المسؤولين الكبار في موضوع دعم الصحافة في المغرب، وبعد أن نقلت له جزءا من هذه الهموم بنفس الاستغراب والاحتجاج، أجابني بالقول “واسي لغروس هل تعتقد أن دعم الصحافة شرع من أجلك، نتا إلى قدرتي توقف مع “هادوك لغلاض” راه بخير” .

هكذا تقدم الصورة وكأنها تعكس المساواة لكنها تضرب في الصميم مبدأ أسمى وهو تحقيق العدالة والتي ما تزال في مجملها بمغرب اليوم أقرب للشعار منه إلى الحقيقة.