وجهة نظر

شلوح وتاشلحيت، ومصمودة والمصامدة

يمكن للباحث في تاريخ المغرب أن يلاحظ أن هناك نوعا من الغموض والالتباس اللذان يكتنفان اسمي: “مصمودة” أو “المصامدة” من جهة و “شلوح” و”تاشلحيتْ” من جهة ثانية، رغم كلّ التفسيرات اللّسنية الطوبونيمية ( ) و الجنيالوجية النَّسَبِيَّة ( ) التي تسعى إلى فهمهما وإلى تفسيرهما وإعادة تفسيرههما، خاصة و أن اسم (مصمودة – مصامدة – مصمودي) لم يرد إلا في الأسطوغرافيا العربية الإسلامية وبصغته العربية ومنها أخذه الدارسون الغربيون للتّاريخ و المجتمع المغربي، كما أنه غير متداول نهائيا في لغة القبائل التي تنحدر من هذا التجمع المصمودي التاريخي، في الوقت الذي كان فيه اسم “الشلوح” أو ” إيشلحِييْنْ”( ) هو الذي يُطلِقُه المصامدة على أنفسهم، وهو الإسم الأكثر تداولا عند غيرهم شفويا، فالهيمنة المطلقة لاسم “المصامدة” في التراث المغربي المكتوب والغياب التام لاسم “شلوح” في هذا التراث المكتوب، تقابلهما السيادة المطلقة لاسم “الشلوح” في لغة التداول الشفوية و الثقافة الشعبية سواء لدى الشلوح أنفسهم أو لدى العرب، و الغياب التام لاسم “المصامدة” في اللغة والثقافة الشعبية.

و يمكن أن يُسْتنتَجَ من ذلك أن اسم “الشلوح” المتداول شفويا في الثقافة المغربية الشعبية هو الترجمة الفعلية لاسم “المصامدة” المتداول في التراث المغربي العربي المكتوب، خاصة إذا تم تفسير “اسم” مصمودة كاشتقاق من “صَامَدَ” و “يُصامِدُ” و “صمودا”، مما تعنيه من ثبات و استقرار في الموقع والمكان، و بالتالي السكن فيه، وهي نفس الدلالة التي توحي بها معاني كلمات “ءشْلْحِيْنْ” و ” ءيشَلْحْ ” في لغة تاشلحيت، حيث تعني استقَر وأقامَ و سَكَنَ( )، و هذا ما يعفي الدارسين من شقاء البحث في الأصول اللغوية لكلمة “مصمودة” في لغة تشلحيت( ) رغم أن هذه الكلمة غير متداولة شفويا في لغة تاشلحيت وفي الثقافة الشعبية المغربية، كما يريح أؤلئك الذين يريدون التخلص من اسم “شلوح” و “تاشلحيت”، لا لشيء سوى لأنهم يبحثون عن دلالة لفظة ” شَلَحَ” و “شَلْحا” في القوامس العربية، فيجدونها تُفيدُ العري والسرقة وقطع الطريق، رغم أن هذه اللفظة غير متداولة في التراث المغربي المكتوب بالعربية.

مع العلم أن اسم “شلوح” و”تاشلحيت” عريقان عراقة الأمازيغ و تمازيغت، كما أكده ذلك مارمول كربخال(منتصف القرن السادس عشر الميلادي) بما أورده عند حديثه عن سكان المغرب القدماء، و الذين يسميهم بالأفارقة، والذين يقصد بهم الأمازيغ ونقلا عن ابن الرقيق القيرواني (عاش خلال القرن العاشر الميلادي)، حيث يقول: “إن الأفارقة القدماء الذين يسمون شلوحا أو برابرة، و لو أنهم مشتتون عبر إفريقيا كلها… و يتكلم أهل غمارة وهوارة الذين يعيشون في جبال الأطلس الصغير(يقصد جبال الريف) لغة عربية فاسدة، وكذلك جميع سكان بلاد البربر المقيمين بين الأطلس الكبير والبحر، ولكن سكان مراكش وجميع أقاليم هذه المملكة، سواء منهم النوميديون والجيتول المقيمون بجهة الغرب، يتكلمون اللغة الإفريقية الصافية المسماة الشلحة و تامازيغت، وهما اسمان قديمان جدا.

و بحكم القوة الديموغرافية للشلوح المصامدة، ولانتشارهم الواسع، و لتجذرهم التاريخي العميق في المغرب أكثر من أمازيغ صنهاجة الأطلس المتوسط ومن أمازيغ زناتة جبال الريف، و لكون الشلوح أقل هذه التجمعات القبلية الأمازيغية تَعْريبا، وأكثرها حفظا على خصوصياتها الثقافية و الاجتماعية بالمقارنة مع صنهاجة وزناتة ، تم تعميم اسم “الشلوح” في الثقافة الشعبية على باقي المجموعات القبلية غير المصمودية في المغرب، كصنهاجة الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي رغم أن لها لهجتها الخاصة وهي تَمازيغْتْ ، وكزناتة جبال الريف رغم أن لها لهجتها الخاصة و هي تاريفيتْ ، حيث يتم الحديث شعبيا على “شلوح” الأطلس المتوسط وعلى “شلوح” جبال الريف. و مقابل هذا التعميم شعبيا وشفويا لاسم الشلوح على كل أمازيغي صنهاجة وزناتة، هناك حاليا نزوع أكاديمي يقوده المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية نحو تعميم اسم الأمازيغ و تمازيغت على كل شلوح المغرب.

ــــــــــــــــــــ

هوامش

1)- يرى الاستاذ علي صدقي أزيكو أن المصامدة أو إمصمودن ، من السكان الأصليين بشمال غرب افريقيا، كفلاحين مستقرين مرتبطين بالأرض ، لذلك فمصطلح في مختلف تفسيراته تحيل على ذلك. فكلمة مصمودة أو مصمود كلمة أمازيغية مركبة يمكن أن يتم تفكيكها وفهمها وفق ثلاثة أطروحات :
أ- أنها مركبة من: 1- مص( (ms – mess – mas و 2- أمود(amud). فكلمة مص تعني وترمز لمالك شيئ ما أو مزاولة عمل ما ( رعي الغنم أو فلاحة الأرض أو القنص أو أي عمل ). أما كلمة أمود (amud) فتعني وترمز للبذور والبذر و الزرعة و الزراعة والحرث و وقت الحرث. وبالتالي ف كلمة مصمود المركبة ((msmud – mes+mud تعني الناس المالكين للبذور أو الممارسين لعمية البذر ـ أو المتعودين على زراعة الارض ، أي المزارعين و الفلاحين.
ب: كلمة أمصمود (amsmud)مشتقة من أمز أمود ((ammezzamud، وحيث يقلب حرف الزاي دائما الى حرف الصاد في حالة تعريب الكلمة الأمازيغية ، مثل الصلاة: تزاليت و الصوم : أزوم. و كلمة أمز (amezz) بدورها مركبة من أم(am) و از ezz))، فأم(am) في الأمازيغية هي بداية الكلمة(préfixe) التي غالبا ما يبدأ بها اسم المفعول، واز(ezz) أو زو ثم ازا و أزو تعني غرس أو الغرس والزرع . ثم كلمة أمود التي تعني البذور والبذر ثم الزرع، ليركب الجميع في أمزمود(amzzmud) و أمصمود(amsmud) التي تعني الزارع للبذور والغارس للغرس أو المزارع والفلاح .
ج: أمصمود(amsmud) هي تغيير لأمز أمود( amzamud ) ، وتتكون من:

1- أمز(amz) وتعني أخذ الشيئ والقبض عليه باليد، حيث نقول أمز(amz) و يومز(yumz). 2- أمود (amud ) وتعني البذور. وتكون النتيجة بالجمع بين الكلمتين و سقوط الألف من أمود ، هي أمزمود (amzmud) ثم تنقل الى اللغة العربية أمصمود(amsmud) و مصمودة. انظر :- – Azaykou(Ali Sidqui) L’interprétationgénéalogique de l’histoire Nord-Africainepourrait-elleêtredépassée ? – dans :l’Histoire du Marocou les interprétations possible – Centre Tarik Ibn Zyad – éditionOctobre 2008 –Impression Imprial – page :14-15 .

2) يقول ابن خلدون في تتبّعه لنسب المصامدة : ” و أما المصامدة وهم من ولد مصمود بن يونس بن بربر فهم أكثر قبائل البربر و أوفرهم” – ” كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ون عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر- الصفحة 245 المجلد السادس-منشورات محمد علي بيضون دارالكتب العلمية بيروت لبنان- الطبعة الثانية2003- ص: 245.

3)- اسم ” الشلوح” و مفرده “الشّلح ” و لغته تاشلحيت ، هو الاسم الأصلي الذي أطلقه سكّان المغرب الأصليين المصامدة في الأطلس الكبير و حوز مراكش وسوس و الأطلس الصغير على أنفسهم، و ما زالوا لم يرضوا عنه بديلا. و في لغة تاشلحيث فعل ” ءِيشَلْحْ يعني استقرّ و أقام وسكن ، مما يفيد أن اسم “الشلوح” يعني المستقرين و المقيمين أو السكان المستقرين، و لا معنى ولا فائدة من اللجوء الى البحث عن دلالة كلمة “الشلح” و “الشلوح” في اللغات الأخرى غير تاشلحيث، أما الذهاب الى تفسيره و شرحه في اللغة العربية فذلك قمّة الإجحاف اللغوي و التعسّف العلمي ، لان شرح و تفسير اسم من أسماء الأعلام البشرية و الجغرافية في علم الطبونيما يقتضي الرجوع في البحث عن دلالته الى لغة المعنيين به ، أي عندما نريد البحث عن شرح و تفسير كلمة “الشلوح” و “تاشلحيت” يجب العودة بها الى لغة تاشلحيت ، و ليس الى البحث عن دلالتها في لغات شعوب أخرى . و نفس الشيء بالنسبة لاسم “أمازيغ” و “تامزيغت” فيجب البحث عن دلالتها في لغة “تمازيغت” ، و ليس في اللغة العربية أو اللاتيية أو أية لغة أخرى ، فمن المحتمل جِدا أن تكون هناك ألفاظ متشابهة في لغتين مختلفتين أو لغات متعددة ، و لكنها تختلف أو قد تتناقض في دلالتها في كل لغة على حدى . و عليه فإذا كانت كلمة “الشلح” و فعل “شلح” في اللغة العربية يفيد العري و السرقة و النهب و قطع الطريق ، فهذه الدلالة لا يمكن أن تُلْزِم بها اللغة العربية لغة تاشلحيث أو تمازيغت أو الألمانية أو الهندية ، فيجب البحث عن معنى “الشلح” و “تاشلحيت في لغة تاشلحيت و ليس في غيرها، خاصة و أنّ هناك غياب تامّ لاسم “شلوحّ” في التراث العربي المغربي المكتوب.

4)- التقي العلوي – أصول المغاربة: القسم البربري – شعب المصامدة- مجلة البحث العلمي – المركز الجامعي للبحث الرباط – السنة 14 العدد 28 سنة 1977 – 213.

5) – كما فعل الأستاذ علي صدقي أزيكو في المرجع المشار إليه في الهامش 18.)

6)- مارمول كربخال – إفريقيا – الجزء الأول ترجمة: محمد حجي و محمد زنيبر و محمد الأخضر و أحمد توفيق و أحمد بجلّون – منشورات الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة و النّشر – مكتبة المعارف الرباط – الطبعة 1 سنة 1984 –ص:115-116.