وجهة نظر

مواهب الجنوب الشرقي “تحتضر” مع الإهمال والتهميش

تزخر مدن الجنوب الشرقي بمواهب كثيرة شابة في مجلات كثيرة ك- الرياضة والفن والمسرح، إلاّ أن هشاشة البنية التحتية تارة، وانعدامها تارة أخرى فرضا على مجموعة من الشباب أصحاب المواهب الإذعان لواقع مرير مصّ منهم حماس العمل على صقل موهبتهم والترويج لقدراتهم. الجريدة زارت مناطق مختلفة بالجنوب الشرقي والتقت بعدة نماذج للشباب موهوب.

“مسلم البداوي” 25سنة، ابن مركز”ملعب” إقليم الرشيدية. صاحب الموهبة الكروية التي فجّرها قبل وقتٍ قريب في وجه اللاعبان المغربيان “عزيز بودربالة” و “صلاح الدين بصير”، المشرفين آنذاك على برنامج “القدم الذهبي”.

مسلم استطاع خلال مدة تواجده بمدينة مراكش التي احتضنت البرنامج سنة 2007 من الفوز بلقب “صاحب أفضل تمريره”، ما مكنه من التواجد ضمن تشكيلة أفضل 11لاعب شاب في المغرب وعمره لم يتجاوز 17سنة. ليحلق سنة 2009 في سماء نادي “الجيش الملكي-شبان” في تجربة قصيرة، وبعدها في سنة 2010 انطلق الفتى الموهوب في تجربة أخرى رفقة “الغزالة السوسية – شبان” باكادير دامت سنتين .

سنة 2012 عاد البداوي إلى مدينة تنجداد بإقليم الرشيدية وانظم إلى صفوف فريق “وفاق تنجداد”، الذي يمارس في قسم الهواة بعد سلسلة من التجارب لم يكتب لها النجاح بفعل توحّد ضده عدة عوامل.

“كان طموحي و أملي كبيرين في الذهاب بعيدًا، وكانت لدي موهبة في هذا الميدان وكنتُ أحبه كثيرا لكن، للقدر رأي أخر فغياب الدعم المادي و المعنوي بالإضافة إلى افتقار مدن الجنوب الشرقي للنوادي الرياضية، عجّلت بعودتي إلى بلدتي “ملعب” والانضمام إلى نادي أقرب مدينة لي”. يقول مسلم .

في نفس بلدة مسلم ترعرعت موهبة أخرى شابة في عقدها الثاني وتنشط في ميدان الكوميديا، كان أخر لقاء له مع جمهوره الواسع خلال شهر رمضان في عرض كوميدي على القناة الأمازيغية.

سعيد تيتاو، كان همّه الوحيد بعد الدراسة هو إضحاك الناس عن طريق “سكيتشات” وعروض مسرحية يقدمها من حين لأخر في مختلف المناسبات، وكلما منحت له فرصة ارتقاء خشبة العرض. في سنة 2002 وجه سعيد الجمهور أول مرة في حياته بعرض مسرحي نظمته الثانوية التي يتابع بها دراسته آنذاك، بعدها بدأ سعيد بمعية أحد أصدقائه يشاركون في الأمسيات الفنية.

“كنت برفقة صديق لي نحضّر مسرحيات في ظروف صعبة نظرا لغياب دار الشباب وكنا نستعين بمنزل فارغ في القصر القديم هروبا من الضجيج، أنجزنا و قدّمنا عروض متنوعة لكن، في سنة 2006 سافر صديقي خارج القرية بعد أن تيقّن بأن هذه الطريق ليست معبدة نحو المستقبل الذي يريده، نظرا للإهمال الذي يطال ميدان المسرح بالجنوب الشرقي. بقيت وحيدًا أحتضر وأنا أحاول الاستمرار”، يورد سعيد.

ويستطرد المتحدث مبرزًا إن” الجهات الوصية على القطاع لا تعير أية أهمية للميدان الثقافي و الرياضي…”، ” لقد عانيت كثيرا”، يضيف ” قبل أن أتمكن من الظهور في شاشة التليفزيون لأول مرة، التي أخشى أن تكون الأخيرة إذا استمرّ غياب المرافق العمومية والأطر التي تعمل على تأطير وترفيه وصقل للمواهب”، على حد تعبيره .

بقرية “ايت ايحيا” بإقليم تنغير التقينا عبد السلام بوزيان ، وهو شاب في ربيعه 27 لم يجد ما يغير به واقعه المرير سوى الفرشاة والقليل من الصباغة، فتارة يرسم مستقبل يتمناه بأزهى الألوان و تارة أخرى يجسد واقع بلدته في لوحات معبرة.

يوسف بدأ مداعبة الفرشاة منذ نعومة أضافره، ” رسمت أول لوحة وأنا تلميذا في المدرسة بعدها عملت وفق الإمكانيات المحدودة جدا على التطوير من أسلوبي بسرعة حتى يتماشى مع طموحي الكبير في أن أصير فنانا محترفا، وأشارك في المعارض الوطنية والدولية”، يقول يوسف.

وأكد المتحدث إن” الكثير من المواهب الصاعدة بالمنطقة لاتجد من يأخذ بيدها ويساعدها على مواصلة طريق الإبداع نحوا العالمية، بل أن بعض الجمعيات تقصِّر في حقنا وتفضل عدم استدعانا للمشاركة في أنشطتها وتستدعي وجوه معروفة فقط دون فسح المجال للمواهب”، “في الوقت الذي”، يسترسل يوسف ” تفتح لنا جمعيات خارج الإقليم أبوابها للمشاركة في المعارض التي تنشئها”.

قصدنا مركز “النيف” بذات الإقليم، رغبتا منا في الالتقاء مع موهبة أخرى في رياضة “البار كور”، التي ليست سوى شاب في سنه 20، مسعاد بعلان موهبة بارعة في تسلق الجدران والقفز على أي شيء يجده أمامه، بعد أن عجز عن تخطي سياج الإهمال والنسيان الذي حرمه من مرافق عمومية يصقل موهبته ويطورها داخل أسواره.

مصعدان تحدث لنا عن موهبته والتدريب التي يقوم بها رفقة مجموعة من أصدقائه قائلا:” عندما اكتشفت أني أملك موهبة في رياضة “البار كور” وأن باستطاعتي تطويرها، كنت أٌقصد الوادي بمعية أصدقائي مستغلين الرمال الرطبة للتدرب عليها”، “من جهة” يضف المتحدث ” ولتجنب الحوادث من جهة أخرى في ضل غياب دار الشباب أو القاعة المغطاة”.

هؤلاء ليسوا سوى أمثلة ونماذج لعشرات الشباب والأطفال بالجنوب الشرقي، لم يتبقى لهم من الحياة إلا رمق أو أمل مدخر. هم شباب وهبهم الله مواهب متنوعة وفريدة لكن، الإهمال والتهميش والإقصاء ثالوث جعل مواهبهم تحتضر ومقيدة التطور والإبداع، في انتظار تدخل الجهات الوصية لإعادة لها بصيص من الحياة.

ـــــــــ
طالب صحافي