وجهة نظر

غواية الصمت.. أوطان معلقة على حبل المشنقة

الحياة هنا متوقفة أو تسير بخطى متداعية.. الأسوار العاتية تحيط بنا من كل جانب..

حرس الحدود يصادرون خصب الأرض، ويمنعون رحمة السماء..

لحمنا صار متعفنا تنهشه التماسيح والنسور، وهي تمارس غوايتها المقدسة في الرقص والغناء.. صمت الأفكار، كل واحد منا يحمل مشنقته، يموت ببطء، وكلما خطى خطوة، يحسبها الأخيرة..

عاداتنا في الإنتظار، تحمل المهانة، الخوف من القادم، طقوس الولاء، وتقبل الهزيمة.. تحتاج إلى من يعدمها في يوم ما، ويرمي بأشلائها على هامش مقبرة على أطراف المدينة.

الفراغ والتقعر في الكلام يجعل أبجديتنا معاقة، فارغة من أي معنى، لا تبين، ولا تستوي على جود. وطننا لوحة قديمة تقضمها الجرذان، وتعبث بمشاهدها الأشباح، وتُسَوِّدُ وجهها العفاريت.. السؤال القلق: كيف ولماذا؟!..

يحاصره شريط البلاهة المتمدد على خطوط طول وعرض الوطن.. فطريقة المعرفة توصلك سريعا إلى السجن أو المقبرة..

هناك كثيرون يهربون من الواقع إلى الذاكرة، يحملون أطياف نوستالجيا، تسحبنا إلى الماضي العتيد.. وهناك من يهربون إلى الخيال، ينحتون من سراب ايديولوجياتهم الزائفة مدنا فاضلة، تتحول إلى كوابيس تنشر العقد والأحزان..

وهناك آخرون يزحفون نحو السائد، يطلبون النجدة، ويقدمون طقوس الولاء، لمن غلب وبسط يده، يريد أن يصادر شعاع القمر المترامي على سهول وهضاب وجبال الوطن..

الهروب هو قانون المهزومين، هو خفقات الذل التي تسكن القلوب، همسات الخوف التي تحتل النفوس، وغمزات الشك والارتياب التي تسيج العيون..

الوطن الذي نهرب منه، والوطن الذي نهرب إليه، شبيهان؛ أحدهما صنعته سلطة سائدة، نسجت من وعودها أحلاما زائفة، تبخرت مياهها، ولم يبقى إلا وحلها اليابس، والأخر تصنعه سلطة قادمة، على فوهة دبابة خرساء، لتقتل آخر نفس لنا في ساحات الوطن الحزينة..

هذه السلطة وتلك السلطة همها الأساسي بناء الأسوار العاتية، وليس تشييد الجسور المتواصلة، رغبتها في الضبط والاحتواء، تفوق سيعيها نحو الحرية والانعتاق.. صار الهروب هو لغتنا المشتركة، التي نجيد التحدث بها.. نهرب من جغرافية الوطن، التي تضيق بمطالبنا المتزايدة، نمتطي قوارب الموت..

نصاب بالقرف كلما أجبرنا على ترديد أناشيده المسماة وطنية، الممزوجة بحرائق البخور وآثام الأوراد والتراتيل الغامضة، والتي لا تشبه ايقاعات موسيقى أنفاسنا، أو نرغم على حمل بيارقا وأعلاما، لا تشبه لون بشرتنا، ولا خفقات قلوبنا. 

لقد صرنا في أوطاننا في زمن الانقلابات، العسكرية والطائفية والسياسية والايديولوجيا كجيف تنتطر من يواريها تحت التراب، إكراما لها.. إننا نعيش زمن النهايات بامتياز!

ــــــ

عبد الرحيم شهبي

الجديدة في 22/11/2015