منتدى العمق

أكبر عملية سطو على أصوات الناخبين

ليس بغافل على من يطلع على مجريات المشهد السياسي والدستوري المغربي وما حفل به من تطورات مثيرة، أن ما وقع خلال تعيين الحكومة الجديدة ارتداد حقيقي عن نتائج صناديق 7 اكتوبر. ولا يحتاج المواطن المصوت يوم الاقتراع الكثير من الدهاء ليكتشف أنه تعرض لمقلب شديد الحبكة عبر عدم احترام إرادته المسمات شعبية، وأنه تعرض لخداع بصري طيلة المدة الفاصلة بين ثاني انتخابات في عهد الدستور الجديد إلى حين تشكيل الفريق الحكومي الأشبه في أسماء وزاراته بعهد الداخلية والإعلام.

إن الملاحظ لمخرجات العملية الانتخابية سيجد أن الخداع البصري الذي تعرض له المصوتون تم تحت ظل الصيغ الرنانة الموغلة في الطوباوية في النص الدستوري من قبيل الديمقراطية التشاركية ، الاختيار الديمقراطي، السيادة للأمة ، صيانة الاختيار الديمقراطي، ..الخ و الحقيقة أن كتبة النص الدستوري الجديد كان عليهم أن يرفقوه بجملة مكتوبة ببنط عريض مفادها أن هذا الدستور صالح لمدة خمس سنوات غير قابلة للتجديد مع التوصية بالعودة إلى ما قبل 20 فبراير بمجرد التخلص من نتائج ثاني انتخابات نزيهة مع مراعات عدم جرع مشاعر المواطنين.

لقد تطورت وسائل وطرق تمييع الحياة السياسية من طرف المخزن المغربي الحديث بتطور البنيات الاجتماعية وسقف المطالب الشعبية بعد دستور 2011. وتحولت المؤسسة الحزبية في خضم هذا التطور إلى أداة “للتحياح” الانتخابي وتنشيط عملية التصويت ليس إلا ، وفي أقصى الحالات يشكل الحزب الأول انتخابيا حكومة هلامية لا لون ولا طعم ولا رائحة لها كالتي بين أيدينا اليوم . إن الترويج الاعلامي والآكاديمي “الكراسي” لما تم ما بعد الانتخابات التشريعية على أنه من صميم الممارسة الدستورية لا يعدو أن يكون تغطية علي الهجوم العنيف الذي تعرضت له أصوات الناخبين وحصر مفعولها في تسخين جيوب برلمانيين تتم دعوتهم لرفع الايادي علي عجل وبلع ألسنتهم بنفس الطريقة، أما الحكومة فهي اختصاص مخزني خالص لا يد لورقة الاقتراع فيها وحشوها بخريجي مدرسة القناطر بباريس من تقنقراط وأشباه حزبيين ليس الا تجديدا للعادة المخزنية القديمة.

ان احياء السياسة بمعناها الشعبي والتي ركب موجتها خلال الخمس سنوات الماضية بعض قادة الاحزاب الحكومية والمعارضة فتحولوا إلى قادة يشبهون جل المغاربة في كلامهم وضحكهم وبكائهم وزلاتهم مما ساعد على تشكل فضاء سياسي للتأثير والتأثر بامتياز. ولقد بدأ هذا الفضاء يعج بأجيال جديدة من المصوتين بخلفية سياسية تعيد تشكيل سلوك التصويت الانتخابي علي أنه سلوك جزائي للفاعل السياسي تحكمه سيكولوجيا فردية تتغذي من رمزية الفضاء السياسي. بعبارة أوضح لقد أصبح بعض من السلوك السياسي للمواطنين المغاربة ناضجا وهذا ما عبرت عليه نتائج الصناديق ولو جزئيا عبر ما سمي حينها بالقطبية الحزبية.

فهل حقا تحققت أمنية المخزن العتيق باستنساخ أجيال من المواطنين ناضجين سياسيا وطيعين دستوريا ( أي مصوتين عكس المقاطعين) تطلب أصواتهم لتنشيط يوم الاقتراع و تعبئة نسب المشاركة أما تشكيل الحكومة فهو شأن من اختصاص مهندسي دار المخزن .
انها الحقيقة المرة التي سيتجرع مرارتها في صمت كل من ذهب ذات جمعة ليدلي بصوته، و سيذكرها التاريخ السياسي المغربي الحديث، ولكن هذه المرة دون ذكر لتزوير الانتخابات أو رفض نتائجها كما كان يقع في الماضي، بكل بساطة إنها أكبر عملية سطو علي أصوات الناخبين تشبه الى حد كبير عمليات السطو الالكترونية التي تتم بدون ضجيج عمليات السطو التقليدية.