وجهة نظر

التليدي: 25 ألف “أستاذ”.. القنبلة الموقوتة

تدوينة الحذر: 25 ألف: القنبلة الموقوتة

لما باشر الأستاذ عبد الإله بنكيران عملية تكوين فوج 10 ألف و فوج 15 ألف، ثمنت المشروع بعد أن أدركت مراميه ودلالاته الإصلاحية العميقة، لكن كان لي رأي أبديته ساعتها لمن يهمهم الأمر، قلت فيه بصريح العبارة، إن 25 ألف يمكن أن تصير في أي لحظة من اللحظات قنبلة موقوتة إذا لم يتم إنتاج رؤية في الإصلاح، تشترط الإرادة الكاملة للتفاوض مع القطاع الخاص ومقاومة سطوته وتغوله، وإلزامه بتعهداته وإعمال الصرامة الكاملة اتجاه مختلف التهديدات التي يصدرها هنا وهناك من أجل أن ينفلت من واجبه في الإصلاح.
وقتها تمت الطمأنة بالحوار الذي افتتحته الحكومة مع مؤسسات القطاع الخاص، والاستماع لكل “الإكراهات” التي تقدمها بين يدي مرافعاتها، ومن بينها أنهم يعمدون لتشغيل هؤلاء المكونين، ثم ما إن يظهر إعلان للمشاركة في مباراة للالتحاق بالمدرسة العليا أو المركز الجهوي أو… حتى يتركوا القطاع الخاص، ويهددوا بذلك استقرار الدراسة بهذا القطاع….

جواب الحكومة كان واضحا وقتها، هي أنها بعد أن تفهمت جوابهم، طلبت من مؤسسات القطاع الخاص بيانات هؤلاء “الهاربين” والتزامات القطاع الخاص اتجاههم، أي هل أبرمت معهم عقود تتضمن حقوقهم الاجتماعية؟ حتى ترى ما يمكن فعله وهل بالإمكان فرض شروطقانوةنية في عملية الترشيبح للمبارداة تضمن استقرار السير الدراسية لمؤسسات القطاع الخاص … المفاجأة هي أن “الإكراهات” التي تذرعت بها مؤسسات القطاع الخاص “ذابت” أمام دعوات الحكومة للحوار وطلبها لهذه الوثائق والبيانات….

اليوم، وبكل هدوء ونعومة، يأتي قرار السيد محمد حصاد وزير التربية والتكوين بالترخيص لأساتذة التعليم العام للتدريس في القطاع الخاص وضرب مسار من التفاوض نجحت فيه حكومة بنكيران في أن تظهر كذب خطاب الإكراهات، وأن الأمر يتعلق بلوبي مصالح عنيد يرفض أن ينضبط للقانون، بل نجح قرار حصاد أن ينهي مسار من التفاوض الذي كان يرمي إلى فرض قوة القانون وإلزام هذه المؤسسات في إطار سياسة تدريجية بتوظيف أطرها التربوية بعيدا عن المؤسسات العمومية.

حكومة بنكيران نزعت من يد مؤسسات القطاع الخاص حجة عدم التزام باتفاق إدريس جطو، ونزعت من يدها حجة عدم وجود أطر تربوية كافية في السوق، ونزعت من يدها أيضا حجة عدم مناسبة التكوين بإدخال تعديلات جوهرية على برنامج التكوين ومنهاجه، ونزعت من يدها حجة التسرع وكون ذلك سيربك السير الدراسي، وانتظرت أربع سنوات لتعلن شتنبر2017 سنة نهاية اعتماد مؤسسات القطاع الخاص على أساتذة التعليم العام.

اليوم 2017 وعلى مسافة بضعة شهور من فرض هيبة القانون، يأتي قرار حصاد ليطوي مسارا كاملا، وليمد لمؤسسات التعليم الخاص زمنا إضافيا للتلاعب والتهرب من القانون، وجاء أيضا، بقصد أو من غيره، ليمحو رؤية عميقة في الإصلاح التزمت بها الدولة، وتم اغتيالها للأسف قبل أن تؤتي ثمارها.

شخصيا، لست أقصد بهذا التذكير مناقشة مآل الإصلاح الذي باشره بنكيران في هذا الموضوع، فهذا جزء من تقييم مسار بكامله ليس هذا مجاله، إنما تحذيري اليوم من مآل 25 ألف مكون، سيجدون أنفسهم بعد أن وثقوا في الدولة وفي الحظوظ التي ستكون لهم للتدريس في القطاع الخاص بشكل يضمن حقوقهم وكرامتهم، سيجدون أنفسهم اليوم، أمام نفس الواقع الذي كانوا عنده قبل الإعلان عن هذا الإصلاح… أي أنهم سيحسون بنوع من الشماتة، حينما يقتنعون بأنهم يوجدون في نفس الموقف الذي كان عليه الذين لم يغادروا الشارع، الفرق بينهم، هو أن فريق الشارع بقي في الشارع بنفس اليأس، أما فريق التكوين، فقد خرج من يأس ليعود للشارع بيأس أكبر منه.

ولذلك، تفرض المسؤولية السياسية قدرا كبيرا من المصارحة، عن أرقام هؤلاء المكونين، ومصيرهم، وكم استوعب القطاع الخاص منهم، ثم البحث عن حل واقعي للتعامل معهم.
في الحكمة الإنسانية، لا يمكن أن تعاقب الذي وثق فيك مرتين في الوقت الذي لا تعاقب فيهم من لا يثق فيك إلا مرة واحدة.